السعودية والولايات المتحدة بعد السابع من أكتوبر.. أين وصلت العلاقة؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

يجذب الشرق الأوسط المتقلب في أحداثه الرؤساء الأميركيين دائما، حتى وهم يسعون إلى الابتعاد عن المنطقة، وهو واقع بات أكثر وضوحا بعدما أشعلت هجمات حماس في 7 أكتوبر الحرب بقطاع غزة.

وازدهرت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية مع انتقال المملكة الخليجية من حال كانت فيه، بحسب ما قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، أثناء حملته الانتخابية السابقة، بأنه سيجعلها “منبوذة”، إلى ما يصفه مسؤولو الإدارة بأن الرياض أصبحت أحد أهم شركاء واشنطن العالميين، بحسب تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز”.

ويلاحظ المسؤولون الأميركيون، وفقا للصحيفة البريطانية، أن إسرائيل، وليست السعودية، هي من تقف اليوم في طريق صفقة تاريخية، من شأنها إعادة تشكيل الشرق الأوسط: تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإسرائيل.

وطبقا لتقرير “فايننشال تايمز”، فإن مثل هذا التقارب من شأنه أن يمنح بايدن إنجازا مميزا في السياسة الخارجية. كذلك، فإن التطبيع يمكن أن يمنح ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، معاهدة دفاع مع واشنطن. 

تقرير: واشنطن والرياض تقتربان من “اللمسات الأخيرة” على معاهدة أمنية

ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، الأحد، نقلا عن مسؤولين أميركيين وسعوديين أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على وشك وضع اللمسات النهائية على معاهدة مع السعودية تلتزم واشنطن بموجبها بالمساعدة في الدفاع عن المملكة في إطار صفقة تهدف إلى دفع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وإسرائيل.

ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن التطبيع السعودي الإسرائيلي قد يكون جزءا رئيسيا من حل مستدام للأزمة في غزة. 

ويقول مسؤول كبير في إدارة بايدن، لم تكشف “فايننشال تايمز” عن هويته، إن “الشيء الوحيد الذي من المؤكد أنه سيبقي على مسار (حل الدولتين) حيا هو نفوذ السعودية”. وأضاف: “إنه الشيء الوحيد الذي يحرك الإسرائيليين حقا”.

“لحظة متوترة”

وكان الرئيس بايدن توعد السعوديين بـ “عواقب” خلال مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الإخبارية في خريف عام 2022، وذلك بعد أسبوع من إعلان المملكة عن تخفيضات كبيرة في إنتاجها النفطي.

وخشي بايدن أن تؤدي تلك الخطوة إلى ارتفاع أسعار الخام وسط الاضطرابات التي أثارتها حرب روسيا في أوكرانيا. واعتبر المسؤولون الأميركيون الذين فوجئوا بقرار السعودية، أن تلك الخطوة “صفعة في وجه الإدارة” التي تشعر بالقلق إزاء أسعار الوقود المحلية خلال الفترة التي سبقت انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر لعام 2022.

ومع ذلك، فإن “العواقب” التي لوح بها بايدن لم تأتِ قط، وما كان يمكن أن يكون قطيعة أصبح بدلا من ذلك مجرد انتكاسة في محاولات الجانبين لإعادة بناء العلاقة.

يوم “الاتهامات النادرة”.. كيف أشعل النفط التوترات السعودية الأميركية؟

تبادلت السعودية والولايات المتحدة “اتهامات علنية نادرة” تكشف “مستوى جديد من التوترات” بين الحليفين يتعلق بالنفط، حسبما تقول صحيفة “نيويورك تايمز”.

يقول المسؤول الكبير في الإدارة الأميركية: “كانت لحظة متوترة قبل الانتخابات، مضيفا: “أعتقد أنه من العدل أن نقول إن هناك سوء فهم لما كان (السعوديون) يحاولون القيام به”.

وأصبحت العلاقة الآن، حسبما يقول مسؤول سعودي لم تكشف الصحيفة البريطانية عن اسمه، “أفضل 100 مرة مما كانت عليه عندما تولت هذه الإدارة”.

ويعكس هذا التحول الدرامي كيف كانت السياسة الخارجية لبايدن مدفوعة بالأحداث وليس الإيديولوجية، تماما كما كانت سياسة باراك أوباما من قبله.

لكن في جوهر ذلك التحول الأميركي تجاه السعودية كان ثمة إدراك للسياسة الواقعية في واشنطن بأن المملكة مهمة للغاية في لعبة المنافسة بين القوى العظمى، بحيث لا يمكن تجاهلها، مع مخاوف من أنه إذا لم تنخرط الإدارة مع الرياض، فإن حليفا تقليديا للولايات المتحدة سوف يسقط بشكل أعمق في فلك الصين وروسيا.

ويتساءل مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جون ألترمان، عن “كيفية منع روسيا من التحالف مع السعودية؟ … كيف تمنع الصين من التحالف مع السعودية؟ “، قبل ان يجيب: “يجب أن تكون لديك علاقة (مع السعوديين)”.

وأضاف: “جزء من الحجة (لتقارب المملكة مع القوى الأخرى) هو أنهم (الأميركيين) لا يستطيعون التخلي عن الشرق الأوسط للصين، وقد ذكّر السعوديون الإدارة الأميركية بالخيار الصيني في كل فرصة سنحت لهم”.

ولطالما مر مسار العلاقات الأميركية السعودية بارتفاعات وانخفاضات على مدى عقود من الزمان، لكنها تحسنت بشكل كبير بعد أن تولى الرئيس السابق، دونالد ترامب، منصبه خلفا لأوباما وسعى إلى إقامة علاقة أوثق مع الرياض.

وقام الرئيس الجمهوري السابق بأول رحلة خارجية له إلى الرياض وأبرم صفقات أسلحة بمليارات الدولارات. وقال ترامب في عام 2018، “لقد كانت (السعودية) حليفا عظيما في معركتنا المهمة للغاية ضد إيران”.

لكن بايدن الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بإعادة تقييم العلاقات مع أكبر مصدر للنفط في العالم ووعد بجعل الرياض “تدفع الثمن” لقتل الصحفي المقيم بواشنطن، جمال خاشقجي، استدار عن سياسة سلفه ترامب فور توليه منصبه.

وبعد أسبوع من تنصيبه، علق بايدن مبيعات الأسلحة الهجومية للمملكة. وبعد شهر، أصدر تقريرا استخباراتيا سريا خلص إلى أن الأمير محمد بن سلمان، الزعيم الفعلي للمملكة، وافق على مهمة “القبض أو قتل” خاشقجي.

ومع ذلك، بقت خطوط الاتصالات مفتوحة خلف الكواليس، بحسب “فايننشال تايمز”، التي أشارت إلى أن كبار المسؤولين في إدارة بايدن زاروا السعودية.

ثم أدى غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022 إلى ارتفاع أسعار الطاقة إلى أعلى مستوياتها على مدار عدة سنوات، وخشي المسؤولون الأميركيون أن تقف الرياض، التي كانت تتعاون مع موسكو في إنتاج النفط منذ عام 2016، إلى جانب الرئيس الروسي.

ويقول الزميل البارز بمؤسسة كارينغي للسلام الدولي، كريم سجادبور، “لقد أدت المنافسة مع الصين وغزو روسيا لأوكرانيا إلى تغيير وجهة نظر إدارة بايدن بشأن السعودية من شريك (يصنع إشكالات) إلى دولة متأرجحة مرغوبة”.

“دولة متأرجحة”.. ماذا يفعل محمد بن سلمان بالسياسة السعودية وبالعلاقة مع واشنطن؟

بينما يستعد الرئيس الأميركي، جو بايدن، لدخول سباق انتخابي شرس من أجل إعادة انتخابه خلال نوفمبر المقبل، يجد البيت الأبيض نفسه أيضا يتنافس على النفوذ في المسرح العالمي.

وأدركت إدارة بايدن أنه بالإضافة إلى منع السعودية من الانزلاق إلى فلك الصين، فإنها تحتاج إلى تعاون الرياض في تحقيق أهداف أخرى، مثل إنهاء الحرب في اليمن وتهدئة التوترات مع إيران.

ويقول مسؤول أميركي كبير آخر، دون الكشف عن هويته، “إن الأساس ليس فقط العلاقة الدفاعية التاريخية.. (السعودية) دولة من مجموعة العشرين تريد العمل معنا في (مجموعة كبيرة من القضايا)”.

“بيدق”

ويرى المحلل السعودي المقرب من الديوان الملكي، علي الشهابي، أن السعوديين “يدركون دائما أن الولايات المتحدة مهمة”، مردفا: “لكن المشكلة كانت أن الولايات المتحدة لم تكن موثوقة وأصبحت السعودية مجرد بيدق في السياسة الداخلية الأميركية”.

بالنسبة لكل من الولايات المتحدة والسعودية، فإن الإنجاز الأبرز لهذه العلاقة المتجددة سيكون صفقة التطبيع مع إسرائيل التي كان الجانبان يعملان من أجلها.

وفي مقابل معاهدة الدفاع الأميركي والتعاون في مجال الطاقة النووية، ستقيم المملكة علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل. 

وسيتعين على الإسرائيليين إتاحة تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ومع ذلك، هددت الحرب في غزة بإفشال المحادثات؛ وقبل هجوم حماس في 7 أكتوبر، كان من المقرر أن يسافر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى السعودية لمناقشة الملف الفلسطيني في الصفقة. 

ولكن عندما التقى بلينكن بالأمير محمد في الرياض يوم 14 أكتوبر، كانت الحرب هي التي سيطرت على تلك المقابلة.

وبينما لم تكن الرياض من المعجبين بحماس، الحركة الإسلامية المسلحة المصنفة على لائحة الإرهاب، فإن المملكة غضبت من الدمار الذي أحدثه الهجوم الإسرائيلي على غزة. 

كما أدركت أنه لكي تكون أي صفقة قابلة للتطبيق سياسيا، فإنها ستحتاج إلى تنازلات إسرائيلية أكبر بكثير فيما يتعلق بالتحرك نحو دولة فلسطينية، مما تصورته سابقا.

ويقول ألترمان إن الحرب بين إسرائيل وحماس ساعدت على تشكيل التفكير السعودي نحو الولايات المتحدة.

ويتابع أنه بالنسبة لجميع الحكومات في الشرق الأوسط التي اعتبرت أن الولايات المتحدة في طريقها للخروج (من المنطقة) وأنه يتعين على تلك الحكومات تعزيز علاقاتها مع الصين، فقد رأينا بعد السابع من أكتوبر، بأن كل الدبلوماسية تتركز حول الولايات المتحدة، ولم نشهد أي دبلوماسية ذات مغزى مع الصين.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *