سلاسل الأفلام الوثائقية لها عدة مزايا تجعلها من أهم وسائلك للتعلم، فهي في جانب منها مبسطة جدا، تخاطب الجمهور العام ولا تستهدف التعقيد، وفي جانب آخر فإنها مدعمة بصريا بشكل ممتاز، يعمل على بنائها متخصصون درسوا هذا النطاق فنا خالصا، ومن جانب ثالث مهم فإن طولها يسمح لها بالتعمق، بحيث يعادل إتمام مجموعة منها قراءة كتاب كامل، ألا يستحق ذلك فرصة للاستثمار بوقتك فيه؟
“مغامرات في الفضاء والزمن”.. رحلة عملية ممتعة لتبسيط الفيزياء والفلك
من المثير للانتباه أنه خلال 2024، أطلقت الجزيرة الوثائقية مجموعة من أجمل السلاسل الوثائقية في النطاقات العلمية تحديدا، منها سلسلة “مغامرات في الفضاء والزمن”، ويقدّمها “براين كوكس”، الذي عمل في شبابه عازف بيانو في أحد فرق موسيقى الروك، ثم انتقل إلى دراسة الفيزياء، ومثلت شغفه الحقيقي بعد ذلك، وهو الآن أستاذ فيزياء الجسيمات في كلية الفيزياء والفلك بجامعة مانشستر.
اشتهر “كوكس” بتقديم مجموعة من أشهر وأهم الوثائقيات والكتب في نطاق تبسيط علوم الفيزياء والفلك للعامة، وفي هذه السلسلة “مغامرات في الفضاء والزمن” يحاول تقديم إجابات عن 4 من أهم الأسئلة التي تواجه العلماء حاليا، كل منها في حلقة، فيبدأ بسؤال: إلى أي مدى يمكن أن نمضي بعد أن استطعنا السفر للفضاء؟ وقد تندهش من أن الإجابة عن هذا السؤال ليست بسيطة، فقدرات أجسادنا تحد المسافة التي يمكن أن نسافرها.
بعد ذلك يسأل “كوكس”: هل نحن وحيدون في الكون؟ وهو هنا يتطرق لمحاولات العلماء استراق السمع إلى إشارات الفضاء البعيد، وإرسال الرسائل إليه، لكن يبدو أننا إلى الآن لم نتواصل مع أحد.
في الحلقتين التاليتين يتحدث “كوكس” عن اثنتين من أهم تحديات علوم الفلك المعاصرة؛ فما هي الجاذبية؟ وما هو الزمن؟ ولا تظن أن الأولى هي مجرد قوة تشدك إلى الأرض، وأن الثاني ليس إلا ساعة تدق، فمع تطور علم الفيزياء بتنا نعرف أن الأمر أشد تعقيدا من ذلك، ولا شك أن “آينشتاين” تحديدا له دور كبير فيما وصلنا إليه إلى الآن.
“عالم الأحجار الكريمة”.. سوق مدهش لأغلى قطع الصخور في التاريخ
الأحجار الكريمة أربعة فقط؛ الماس والياقوت والزمرد والزفير، والبقية إنما هي أحجار شبه كريمة، وجميعها يدخل في سوق ضخم قيمته أكثر من 20 مليار دولار حاليا، ويخدم أساسا فئات مجتمعية غنية.
لكن ما هي تلك الأحجار وكيف تتكون؟ ولمَ تكتسب كل تلك الأهمية؟ وكيف تُصمم بحيث تكون غالية أو رخيصة نسبيا؟ وما هي معايير هذا السوق المدهش لأهم وأغلى قطع الصخور الصغيرة في تاريخنا؟
يقودنا “شازيم باشا” في هذه السلسلة المكونة من حلقتين، وهو متخصص في تجارة الأحجار الكريمة، ومن عائلة سنغافورية تخصصت في هذه التجارة، فيأخذنا في رحلة ممتعة للتعرف على هذا العالم الكبير جدا وضوابطه، وهو عالم مركب، لأن أشياء بهذه القيم المرتفعة جدا لا شك أنها ستؤثر في تركيب المجتمعات البشرية التي تبحث عنها وتجمعها، وربما تتسبب في تحولات اقتصادية وسياسية كبرى.
بناء السلسلة لطيف الطابع، تنجذب إليه بسهولة، يقدم لك المعلومات تقديما بدائيا من الصفر، حتى تنال في نهاية الجزأين قدرا جيدا من المعرفة عن هذه الأحجار.
“الرحالة”.. قصص الرجال العرب الذين استكشفوا العالم
في المجلد الثاني من مرجع “العلم وأزمنته”، يقول فريق من العلماء إن “ماركو بولو” كان أشهر كثيرا من ابن بطوطة خارج العالم العربي، لكن ابن بطوطة قد سافر وتجول في مناطق أوسع بكثير، وقد غطى مسافة 120 ألف كيلومتر على مدى 29 عاما (1325-1353م)، أي ثلاثة أضعاف المسافة حول الكرة الأرضية عند خط الاستواء.
قُدمت سلسلة الرحالة في 13 حلقة متوسطة الطول، وقد خُصصت للتعرف على مسيرة 10 من أهم المستكشفين المسلمين خلال العصر الذهبي للحضارة الإسلامية بين القرنين الثامن والثالث عشر الميلاديين، وقد استطاعوا اكتشاف أماكن برية وبحرية مهمة في كوكب الأرض، ومن هؤلاء ابن بطوطة، الرجل الذي تجول في ثلاث قارات وبين أربعين دولة من المغرب للصين، فصنع رحلة مدهشة غير مسبوقة في تاريخ هذا النشاط.
ربما كنت تعرف ابن بطوطة، أو لك معرفة بالشريف الإدريسي الذي لقب بأطلس العرب، وكان أول من رسم خارطة للعالم، وهو موضوع حلقتين في السلسلة، لكن أسماء أخرى نادرا ما نسمع بها قد تطرقت لها هذه السلسلة الممتعة، منها ابن جبير الأندلسي، وأبو بركات العبدري، وأحمد بن ماجد، وابن خليل الملطي، وأبو طالب خان الفارسي، ومحمد بيرم الخامس، وأحمد ابن فضلان.
“جراحو الأجنة”.. لحظات الإنقاذ الكبرى في الأرحام
ننتقل من الرحلات وعالم الجغرافيا إلى الطب، ولكن هذه المرة إلى أطباء نادرا ما ستلتقي بنطاق عملهم، وهم جراحو الأجنة الذين يختصون بإجراء عمليات جراحية للجنين وهو في بطن أمه ليحاولوا إنقاذ حياته، وتلك عمليات تعد الأدق والأكثر خطورة، فبعضهم يحرر رئتي جنين من إصابة قاتلة، والآخر يعدل مسار شريان قلبي دقيق، والجميع يأمل أن يولد هذا الطفل بسلام.
تتوزع السلسلة على ثلاث حلقات، وهي مقدمة بنظام تليفزيون الواقع. ففي الحلقة الأولى يقدم البروفيسور “ثيلاغاناثان” رعاية لتوأمين لا يزالان في رحم امرأة تدعى “آن ماري”، أحدهما يعاني من ورم نادر في الرئة.
أما في الحلقة الثانية، فنتعرف على توائم ثلاثة لامرأة تدعى “سوزي سوزي”، أحدهم يعاني من وجود سائل في الدماغ أكثر من كميته الطبيعية، وآخر لديه قدم متشابكة مع بطانة الرحم.
وأما في الحلقة الثالثة، فيحاول الجراحون إجراء تقنية جديدة لم تُجرَ من قبل، لإنقاذ طفل “زوي”. كما أننا نتعرف على لطيفة، وهي امرأة تبلغ من العمر 22 عاما في رحمها ثلاثة توائم.
“الهوس الكوري”.. هكذا تغلغلت ثقافة كوريا في العالم العربي
نشهد اليوم هوس الشباب واليافعين في دول العالم العربي بمختلف مظاهر الثقافة الكورية، وستجد مثلا أن أكثر مشغلي الـ”كي بوب” في المنطقة العربية هم من السعودية والإمارات ومصر والمغرب والجزائر على الترتيب، وذلك ما بين 2014-2020، وفقا لتقرير أصدره موقع “سبوتيفاي”.
وإذا تأملت قليلا في الأمر فستجد أنه قد تخطى مجرد الاعجاب بصوت أو تمثيل جيد، وصولا إلى جيوش من المعجبين يتنافسون حول أي الأبطال أفضل ويعطونهم ألقابا شديدة الأهمية. فما هو سر ذلك الهوس الكوري؟
لفهم الأمر، يمكن أن تتابع تلك السلسلة الممتازة التي تقدمها الجزيرة الوثائقية في أربع حلقات بعنوان “الهوس الكوري”، وفيها تحاول السلسلة فهم السبب الذي جعل كوريا الجنوبية نقطة انطلاق عالمية للمحتوى الترفيهي، حتى بات ما تقدمه يشغل عقول الملايين حول العالم كله، لا في منطقتنا العربية فحسب.
وما يميز السلسلة كذلك أنها تسلط الضوء على ما يقع خلف الكواليس، فهذا النجم وتلك النجمة يقفان على المسرح أيقونةً في غاية المثالية من حيث الشكل والسلوك، لكن هناك جانب مظلم في الطريق إلى تلك النجومية، فهي لا تأتي بين عشية وضحاها، بل هي نتاج سنوات طويلة وشاقة من التدريبات.
فخلال تلك السنوات، تفرض وكالات الترفيه سيطرتها على كل شيء يتعلق بحياة نجومها، من الحمية الغذائية، إلى مواعيد النوم والاستيقاظ، بل إنهم يجبرونهم على إجراء عمليات تجميلية جراحية، للوصول إلى معايير شكلية محددة، مما دفع بعض هؤلاء النجوم لمستنقع الاضطرابات النفسية، وربما يصل بهم إلى الانتحار.
“ألغاز العلم الكبرى”.. أجوبة الأسئلة المثيرة في العلوم والفلك
هل يقدم العلم إجابة عن كل الأسئلة؟ كلا، بل على العكس من ذلك، فكلما أجاب العلماء سؤالا ما، انفتحت الأبواب لعشرات أو مئات من الأسئلة الأخرى.
في هذه السلسلة الوثائقية حديثة الإنتاج (2020) يحاول فريق من العلماء -بطريقة سلسة يسيرة- فهم ست من هذه الأسئلة التي تبقى بلا إجابة حتى الآن، والمميز فيها أنها موضوعات تشغل العلوم الفلكية والكونية المعاصرة.
فمثلا، تظل العواصف الشمسية وما يسمى “طقس الفضاء” عموما موضوع بحث نشطا، ولا سيما في سياق تنامي أعداد الأقمار الصناعية التي يمكن أن تتأثر بهذه العواصف، فما هي وكيف تتكون؟ وكيف يخطط العلماء لحل هذه المسائل؟
وهكذا تستمر حلقات السلسلة في التساؤل: كم عمر كوننا تحديدا؟ ولماذا يكون وجها قمرنا مختلفين إلى هذا الحد؟ وكيف انتهى الحديد القادم من الفضاء بجوار جثة توت عنخ آمون؟ وهل توجد حياة على المريخ؟ ثم: لماذا نحن هنا؟
وتخبرنا فيزياء الجسيمات أن نشأة الكون أنتجت كميات متساوية من المادة والمادة المضادة، وكان يفترض أن يُفني بعضها بعضا، ويستمر الأمر هكذا، فلا تبنى نجوم أو كواكب، فلمَ لم يحدث ذلك؟
“عالم كومودو”.. سحر الطبيعة والحياة في أرخبيل أندونيسي
في هذه السلسلة البديعة المكونة من خمس حلقات، نسافر في رحلة غير عادية إلى الأرخبيل المحيط بجزيرة كومودو الإندونيسية، وهو من أجمل الأماكن على وجه الأرض، فنتعلم عن أشكال الحياة المزدهرة في تلك المناطق.
تتميز السلسلة بسرد سلس هادئ، يتناسب مع هدوء الطبيعة في تلك المنطقة، وتضفي الموسيقى سحرا يدفعك لإنهاء السلسلة دون ضغط.
تتنقل السلسلة بين عوالم البر والبحر، فتبدأ بأكبر السحالي وتنانين كومودو، وتبحر في عالم تحت الماء يعج بالحياة، تسكنه أسراب رائعة من الأسماك، ومخلوقات عاشت ملايين السنين، فنتعرف على سمك شيطان البحر وأسماك القرش المذهلة، ثم نتحول إلى الشعاب المرجانية وعالمها الملون، ثم نمضي في عالم السلاحف والدلافين التي تتواصل بلغتها الخاصة، وبعد ذلك ننتقل إلى شعوب ناجية، وقصص وأساطير خاصة بهم.