قالت مجلة لوبس إن الدول الغربية مخطئة بشكل فادح في تقسيم العالم إلى معسكر ديمقراطي وآخر استبدادي، وإنه قد حان الوقت لأن تقدم إلى الدول التي لا تعتبر نفسها جزءا من أي من المعسكرين نظاما أكثر إنصافا للعالم.
وأوضحت المجلة في مقال بقلم بيير هاسكي أن اعتبار معركة التفوق العالمي التي تجري الآن مواجهة بسيطة بين كتلتين معسكر الديمقراطية مقابل معسكر الاستبداد خطأ فادح، لأن هناك لاعبا ثالثا يمثل بقية العالم، وهو لا يجد نفسه في أي من المعسكرين.
وأكد الكاتب أن هناك بالفعل عالما غربيا أعاد التأكيد على قيمه وتضامنه في إعلان جديد عبر الأطلسي نُشر على هامش احتفالات الذكرى السنوية لإنزال النورماندي، وهناك معسكر يريد قلب الطاولة لمصلحته وتمثله الصين وروسيا، وفي الدائرة الثانية هناك كوريا الشمالية وإيران، وتصفهما مجلة “فورين أفيرز” الأميركية بمحور “الفوضى” بدل “محور الشر” التي أطلقته عليه الإدارة الأميركية في عهد جورج بوش الابن “غير الحكيم”.
لكن هذا لا يكفي لوصف العالم الأكثر تعقيدا في عشرينيات القرن الحالي، حيث الأغلبية العظمى من الدول التي تندرج تحت مسمى “الجنوب العالمي” ترفض أن تكون رهينة لهذه المواجهة الثنائية، والخطأ الغربي هو دفعها إلى أحضان “محور الفوضى”، حسب الكاتب.
ويتجلى العمى الغربي والغطرسة في التعامل المتباين مع الصراعين الرئيسيين اليوم في أوكرانيا وغزة، إذ لم يفهم الغربيون منذ “الغزو الروسي” في فبراير/شباط 2022 سبب إحجام دول الجنوب الكبيرة عن إدانة انتهاك روسيا القانون الدولي وكيف لم تحذُ الهند والعالم العربي والبرازيل وأفريقيا حذوهم في العقوبات على موسكو.
ترك المعايير المزدوجة
وإذا كان الغرب بحاجة إلى تفسير لذلك فما عليه إلا أن ينظر إلى “العنف” في الشرق الأوسط والظلم الذي تعرض له الفلسطينيون على مدى عقود دون أن يتألم لهم أحد، وهو ظلم أقرت به الأمم المتحدة دون أن تُطبَق أي من قراراتها، ولن يمحوه هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.
أما الحل -كما يرى الكاتب- فيبدأ بالابتعاد بوضوح عن “المعايير المزدوجة” التي أبرزتها الحروب الحالية لكل ذي عينين، ولن يتمتع الغرب بالمصداقية إلا إذا دعم القانون الدولي في كل الحالات، لا ضد خصومه فقط، فعندما يفرض الكونغرس الأميركي عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية لأنها تهدد إسرائيل بعد أن صفق لها عندما اتهمت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فإننا لا نسلك الطريق.
إذا كان الغرب بحاجة إلى تفسير ابتعاد الآخرين عنه فما عليه إلا أن ينظر إلى العنف في الشرق الأوسط والظلم الذي تعرض له الفلسطينيون على مدى عقود دون أن يتألم لهم أحد، وهو ظلم أقرت به الأمم المتحدة دون أن تُطبَق أي من قراراتها
وخلص بيير هاسكي إلى أنه لا بد من اقتراح “صفقة جديدة” على “دول الجنوب” بتبني نظام جديد أكثر إنصافا للعالم، لأن المواجهة بين “الديمقراطية” و”الاستبداد” نهايتها الحفاظ على النظام الدولي الذي أنشئ عام 1945، في وقت كان فيه العالم الاستعماري مهيمنا، ولم يكن لثلثي البشرية الحق في التعبير.
وبهذه المواجهة سنكون قد وسعنا الفجوة العميقة بين عالم الأمس المهيمن والبؤساء في الأرض الذين أصبحوا قوى لها أهميتها اليوم، مما يعني أن هناك حاجة ملحة لإعادة تصحيح وضع العالم دون التضحية بالقيم التي تم التأكيد عليها من جديد على شواطئ النورماندي، ولكن من خلال اختراع هياكل جديدة وتوازنات عالمية جديدة أكثر عدالة واحتراما لتنوع هذا العالم.