باستخدام مرصد جيمس ويب الفضائي، تمكن فريق بحثي من اكتشاف أقدم وأبعد مجراتٍ على الإطلاق، حيث وُجدت بعد 300 مليون سنة فقط عقب الانفجار الكبير، الأمر الذي يفتح الباب للعلماء لدراسة الكون المبكر بشكل أفضل.
وصُمم مرصد جيمس ويب الفضائي بالأساس للإمساك بهذا النوع من المجرات، إلى جانب عدة مهام أخرى مثل دراسة الكواكب التي تدور حول نجم غير الشمس، وفهم عمليات نشأة ونمو النجوم مع الزمن.
كيف يرصد العلماء المجرات القديمة؟
ولفهم الفكرة تخيل مثلا أن أحدهم في دولة ما -ولتكن مصر- أصيب في حادثة، ولم تكن هناك أي أداة اتصال لإخبار أصدقائه في السعودية مثلا، لذلك سيضطر أحدهم للسفر من مصر إلى هؤلاء الأصدقاء في السعودية، ليصل إليهم بعد ثماني ساعات مثلا ليخبرهم بما حصل. وإلى أن يصل إليهم كان كل ما يعرفونه هو أن رجلهم في مصر بخير وفي أمان.
الضوء كذلك يشبه الخبر أو الرسالة التي نقلت بين بلدين، ولكنه دون شك أسرع بفارق هائل، حيث يجري بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية، ولأن المسافات بين المجرات هائلة فإنه يقضي وقتا ليصل إلى الأرض. فمثلا لو رأيت الشمس عند شروقها، فما تراه هو الشمس منذ ثماني دقائق، لأن ما يضرب عينيك من ضوء هو ما خرج منها قبل ثماني دقائق.
ولذا فإنك حينما ترى مجرة يقال إنها تبتعد عنا مسافة 30 مليون سنة ضوئية، فإن ذلك يعني أنك تراها منذ 30 مليون سنة حينما خرج منها الخبر (فوتونات الضوء) ووصل إلى عينيك على الأرض.
وكلما تمكن العلماء من تكبير تلسكوباتهم وإدخال تحسينات على نطاقات رصدها، تمكنوا بالتبعية من رصد مجرات أبعد في المسافة وبالتبعية تكون أبعد في الماضي. وإذا تمكنوا من رصد مجرة تقع على مسافة 13,5 مليار سنة ضوئية، فإن ذلك يعني أن عمرها 13.5 مليار سنة، أي أنها نشأت بعد الانفجار العظيم بـ300 مليون سنة فقط، وهذا هو الحال في المجرة “جاديس جي إس زد 14-0” المعلن عنها من قبل الفريق البحثي.
لغز جديد من جيمس ويب
وبحسب بيان رسمي صادر من جامعة كامبردج المشاركة في الدراسة، فإن المجرة تتميز بكبر حجمها وسطوعها الشديد، الأمر الذي يتناقض مع تصورات العلماء عن نشأة المجرات في هذا الزمن القديم جدا، حيث افترضوا أنها ستكون بدائية الشكل صغيرة الحجم.
وكانت مكتشفات المرصد الفضائي خلال الأعوام القليلة الماضية صادمة للعلماء في هذا النطاق، حيث كشف عن عدة مجرات بدا أنها مكتملة تماما وزاخرة بالنجوم الساطعة، مما دفع فريقا كبيرا منهم لتغيير أفكارهم عن نشأة المجرات، والاعتقاد بأن سرعة تكوين المجرات في بداية الكون كانت أكبر مما ظُن سابقًا، ويعد ذلك مجالا بحثيا نشطا حاليا.
ونشر الفريق 3 ورقات بحثية تبين طبيعة الكشف وتدرس طبيعة “جاديس جي إس زد 14-0″، بعد دراسة استمرت أكثر من عام لهذه المجرة، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، أجرى الفريق تصويرا أعمق وأدق للمجرة عبر كاميرات جيمس ويب لمدة خمسة أيام كاملة، وهو ما أكد صدق حدسهم بأنها أقدم مجرة معروفة حتى الآن.