مع تراجع فرص الحل السلمي لحرب السودان، تتفاقم معاناة السودانيين في مناطق واسعة من البلاد، بينما تحذر منظمات أممية من مجاعة وشيكة، بخاصة مع تراجع إنتاج الحبوب والمحاصيل التي يعتمد عليها السكان.
وتشير تقديرات دولية إلى أن الحرب التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023 أدت لمقتل الآلاف، بما في ذلك أكثر من 15 ألف في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.
وتسببت الحرب في نزوح أكثر من 9 ملايين شخص عن منازلهم، لمدن سودانية أخرى خارج دائرة المعارك، بينما وصل الآلاف منهم إلى عدد من دول الجوار، مثل تشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان.
وسلط تقرير حديث لصحيفة “نيويورك تايمز” الضوء على معاناة السودانيين في مدينة أم درمان التي استعاد الجيش السيطرة على أحياء عديدة منها، بعد أن كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
وبحسب تقرير الصحيفة، فإن مواطني أم درمان يواجهون معاناة كبيرة في الحصول على ضرويات الحياة، بينما تعرّض بعض الأطفال إلى سوء التغذية، بسبب انعدام الأكل، أو ارتفاع أسعاره، في حين اضطر السكان لدفن موتاهم أمام أبواب المنازل بسبب الحرب.
ووصل موفد الصحيفة الأميركية إلى المدينة التاريخية التي يفصلها النيل عن العاصمة الخرطوم، وأشار إلى أنه رأى بقايا الجثث ملقاة في عدد من طرقات المدينة، كما استمع إلى إفادات ناجين من معتقلات الدعم السريع، قالو إنهم تعرضوا للتعذيب.
ووفق تقرير الصحيفة، فإن العاصمة السودانية، وبخاصة أم درمان تحولت إلى ما يُشبه الخراب، إذ تضررت مبانٍ ومؤسسات رسمية من القصف، بما في ذلك القصر الجمهوري وعدد من المستشفيات الرئيسية.
ناجون من عمليات إبادة جماعية في دارفور عالقون في معركة “وحشية” جديدة
قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن ناجين من عمليات إبادة جماعية سابقة في دارفور غربي السودان باتوا عالقين في معركة وحشية أخرى تهدد بسقوط المزيد من الضحايا.
وبرأي الناشط الطوعي، محمد عبد الجبار، فإن هذه الصورة تكاد تكون مكررة في أنهاء واسعة من السودان، إذ يعاني الملايين من مشكلات رئيسية في الحصول على وجبة واحدة في اليوم.
وقال عبد الجبار لموقع الحرة، إن “السودان يشهد حالة غير مسبوقة من الغلاء، مما جعل الحصول على الاحتياجات اليومية مثل الخبز وغيره أمر عسيرا، بعامل الندرة، وبعامل ارتفاع الأسعار.
ويعاني ما يقرب من 18 مليون شخص في أنحاء السودان الذي يبلغ عدد سكانه 48 مليون نسمة، من “الجوع الحاد”، كما يواجه أكثر من 5 ملايين شخص مستويات طارئة من الجوع في المناطق الأكثر تضررا من الصراع.
بينما يعاني حوالي 3.6 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، وفق برنامج الأغذية العالمي بالسودان.
وتعني المستويات الطارئة من الجوع أن الأسر تعاني من ارتفاع شديد في سوء التغذية الحاد أو أنها معرضة للموت، أو لا تستطيع التكيف إلا من خلال تدابير الطوارئ أو تصفية الأصول.
وفي فبراير الماضي، قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، إنها تلقت تقارير عن “وفاة أشخاص بسبب الجوع في السودان”، حيث يعيق القتال توزيع المساعدات والإمدادات الغذائية على الأشخاص الأكثر جوعا.
وتشير الناشطة الطوعية، سمر سليمان، إلى أن “أوضاع النازحين في عدد من المدن السودانية آخذة في التدهور، بخاصة مع تراجع الأدوار والمساعدات التي تقدمها المنظمات الإنسانية”.
وقالت سليمان لموقع الحرة، إن “هناك غيابا ملحوظا للمساعدات التي تصل إلى النازحين في دور الإيواء التي تكتظ بآلاف النازحين، مما فاقم معاناتهم في الحصول على الغذاء، في كثير من الأحيان”.
وتتهم منظمات الأمم المتحدة العاملة في الإغاثة، الجيش وقوات الدعم بتعطيل عمليات وصول المساعدات إلى المتضررين في الحرب، كل في مناطق سيطرته.
وبرأي سمر، التي تنشط لمساعدة الذين فروا من الخرطوم والجزيرة إلى مدينة كسلا بشرق السودان، فإن “الوضع سئ للغاية”، ويحتاج إلى تدخل عاجل لتقديم العون للنازحين.
وأشارت الناشطة الطوعية إلى أن السلطات في ولاية كسلا قررت استئناف الدراسة بالمدارس الأساسية والثانوية، مضيفة أن “ذلك يضع آلاف النازحين أمام خطر حقيقي، لأن نحو 95% من المدارس مكتظة بالذين أجبرتهم الحرب على الفرار إلى الولاية”.
وعقب اندلاع الحرب، توقفت الدراسة في معظم الولايات السودانية، بما في ذلك ولايات تقع خارج دائرة القتال، بسبب أن مقار غالبية المدارس وبعض الجامعات تحولت إلى مراكز لإيواء النازحين.
ومؤخرا قررت بعض الولايات السودانية استئناف الدراسة، مما قابله نازحون بالرفض، الأمر الذي وضعهم في مواجهة مع السلطات التي نفذت حملات أمنية لإخراجهم من مقار المدارس، وفق ناشطين.
لماذا يتجاهل العالم “الإبادة الجماعية الوشيكة” في السودان؟
نقل تقرير لمجلة “فورين بوليسي” عن مسؤولين غربيين وعمال إغاثة يعملون في السودان قولهم إنهم منزعجون لقلة الاهتمام الدولي بالصراع الجاري منذ أشهر.
وفي إقليم دارفور بغرب السودان، تتخذ المعاناة شكلا “أكثر قتامة”، برأي الناشط المجتمعي عبد الله إسحق، إذ ان معظم الولايات الرئيسية في الإقليم وقعت تحت سيطرة الدعم السريع، “مما أوجد فراغا إداريا، وفاقم مشكلات السكان والنازحين”.
وقال إسحق لموقع الحرة، إن “الحصار المضروب على مدينة الفاشر بواسطة قوات الدعم السريع، وضع آلاف المواطنين والنازحين الذي فروا إلى المدنية، أمام خطر الجوع والعطش”.
ولفت إلى أن “بعض التقارير الأممية والمحلية تتهم قوات الدعم السريع باستخدام التجويع سلاحا لإجبار المواطنين على مغادرة منازلهم، حتى يسهل لها استخدام تلك المنازل في حرب المدن والشوراع التي تخوضها ضد الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة، في الفاشر”.
وتشهد مدينة الفاشر، آخر المدن الرئيسية التي يسطير عليها الجيش في دارفور، مواجهات مسلحة، بينما ظهر قائد ميداني بقوات الدعم السريع، في مقطع فيديو آمرا قواته بقفل منافذ المياه عن خزان قولو الوحيد الذي يوفر المياه لسكان الفاشر.
واتهم حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، قوات الدعم السريع بوضع السكان أمام خطر العطش. ولاحقا نشر الحاكم مقطع فيديو يبين استعادة قوة عسكرية حكومية السيطرة على الخزان.
وأوردت الصحيفة الأميركية نقلا عن الأمم المتحدة أن أكثر من 220 ألف طفل في السودان قد يموتون في الأشهر المقبلة بسبب المرض والجوع، في حين يقول مسؤولو الإغاثة إن الجيش وقوات الدعم السريع يستخدمان الجوع كسلاح في الحرب.
وبرأي إسحق، فإن أكثر من 70 في المئة من سكان دارفور لا يستطيعون توفير وجبة واحدة في اليوم، إما بداعي الندرة، أو بداعي الغلاء وارتفاع الأسعار.
وقال إن “أكثر من 90 في المئة من السكان، في السودان، وفي دارفور على وجه الخصوص، فقدوا وظائفهم، الأمر الذي وضعهم ضمن تصنيفات الفقر، في وقت تصاعدت فيه معدلات الجريمة المرتبطة بانعدام المال”.
“لقاءات محلية ودولية”.. هل يجلس نظام البشير على طاولة المفاوضات؟
مع تصاعد التحركات الرامية إلى إنهاء الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، برزت أصوات تدعو إلى إشراك نظام الرئيس السابق، عمر البشير، في المفاوضات، بعدما فشلت مبادرات وجولات سابقة كانت حصرا على طرفي القتال، في وضع حد للحرب التي دخلت عامها الثاني.
ويشير عبد الجبار إلى أن السودانيين يواجهون تحديات في الحصول على العلاج، بما في ذلك الولايات الآمنة، “بسبب عجز الحكومة عن توفير الإمداد الدوائي، وبسبب غياب الكادر الطبي”.
ولفت إلى أن “السودان يشهد غلاء كبيرا في أسعار الأدوية، بينما ينعدم بعضها كليا، بما في ذلك الأدوية المنقذة للحياة”، مشيرا إلى أن “أغلب الأطباء غادروا البلاد إلى دول الجوار”.
وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن ثلث مستشفيات السودان خرج من الخدمة، بينما تعرضت مؤسسات علاجية ومرافق صحية إلى أكثر من 50 هجوما في أنحاء متفرقة من البلاد.
وتحذر منظمات أممية من زيادة أعداد النازحين من جراء استمرار القتال، بينما تتوقع مراكز بحوث مختصة في الهجرات غير الشرعية، أن تمتد موجات لجوء السودانيين إلى أبعد من دول الجوار.
وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز” فإن الدول الأوروبية تخشى وصول موجة من المهاجرين السودانيين إلى أراضيها، بينما “حذر تقييم حديث للمخابرات الأميركية من أن السودان يصبح ملاذاً للشبكات الإرهابية والإجرامية”.
والتقى موفد الصحيفة الأميركية بضابط في الجيش السوداني يحمل رتبة العقيد، يدعى عثمان طه، تحدث عن إصابته خلال المعارك، وسرد جانبا من معاناة السودانيين في الحصول على العلاج والغذاء.
وقال الضباط الذي قام الأطباء ببتر رجله بداعي الإصابة: “لا يمكن للسلاح أن يحل هذه المشكلة، ونحن بحاجة إلى التحدث عن للسلام”، وفق الصحيفة.