حذرت دراسة جديدة من أن التدخلات البشرية ربما أسهمت بتسريع معدل تحلل المواد العضوية في الأنهار والجداول على نطاق عالمي. ووفقا للدراسة التي نشرت يوم 30 مايو/أيار الماضي في مجلة ساينس، قد يشكل ذلك تهديدا للتنوع البيولوجي في الممرات المائية حول العالم ويزيد من كمية الكربون في الغلاف الجوي للأرض، مما قد يؤدي إلى تفاقم تغيّر المناخ.
ويقول باحثو هذه الدراسة إنها الأولى التي تجمع بين التجربة العالمية والنمذجة التنبؤية لتوضيح كيف يمكن أن تساهم التأثيرات البشرية على الممرات المائية في أزمة المناخ العالمية.
التدخلات البشرية
توفر الأنهار والجداول أكثر بكثير من مجرد مناظر طبيعية جميلة أو فرصة للاسترخاء في فصل الصيف، إذ تشكل عنصرا هاما في النظام الكوكبي الذي يحدد كمية الكربون المخزنة في التربة أو المرسلة إلى الغلاف الجوي. فعندما تسقط فضلات الأشجار في مجرى مائي، فإنها تصبح وقودا للنظام البيئي بأكمله، حيث تتغذى الكائنات الحية الدقيقة على المخلفات، وتستهلكها الأسماك أو تسقط في قاع النهر حيث يحبس الكربون.
لكن النشاط البشري يمكن أن يسرع من تحلل الأوراق وغيرها من النفايات، مما يؤدي إلى إطلاق المزيد من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي. وعلى سبيل المثال، تعمل المواد الكيميائية الموجودة في الأسمدة -مثل الفوسفور والنيتروجين- على تغذية الميكروبات، وتؤدي إلى تحلل القمامة بشكل أسرع.
وفي الدراسة، أُرسلت شرائح قطنية موحدة إلى أكثر من 150 باحثا في 40 دولة، وعوضا عن أوراق الأشجار التي تُستخدم عادة لقياس معدل التحلل العضوي في المواقع المحلية في 550 مجرى مائيا، دمج الباحثون هذه العينات الميدانية مع مجموعات البيانات الشاملة لإنشاء خوارزمية للتعلم الآلي تُقدر معدلات التحلل حول العالم، وفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع “يوريك آلارت”.
وتقول الباحثة المشاركة في الدراسة “كريستا كابس” أستاذة الأحياء المائية المساعدة في جامعة جورجيا بالولايات المتحدة: “الأمر الصادم بشأن بياناتنا هو أنه على الرغم من أننا اخترنا هذه المواقع ذات التأثير البسيط نسبيا، فإنه لا يزال بإمكاننا رؤية النقاط الساخنة التي كان للبشر فيها تأثير حقيقي، إما من خلال التوسع الحضري أو الزراعة أو مزيج منهما”.
وتضيف “كابس” في حديث مع “الجزيرة نت”، أن الخريطة العالمية الناتجة عن هذه النمذجة توضح الآثار الضارة للنشاط البشري. فعلى سبيل المثال، كانت أجزاء من وسط الولايات المتحدة وجنوب كندا وأوروبا -وهي مناطق ذات كثافة سكانية عالية وتنمية حضرية وزراعية- نقاطا ساخنة للتحلل السريع للشرائح المستخدمة في التجربة الميدانية، مما يشير بقوة إلى نشاط بشري على نطاق قاري، وتأثيرات واضحة على دورة الكربون في الأنهار”.
تسريع وتيرة التغيرات المناخية
وفقا للدراسة فإن مدى سرعة تحلل الأوراق في المجاري المائية يعد بمثابة مؤشر على مستوى الخطر الذي يرتبط بالتغيرات المناخية. وتوضح الباحثة المشاركة في الدراسة أن المعنى الضمني الذي يعنيه تحلل الأوراق في مجاري الأنهار هو أننا لم يعد بإمكاننا الاعتماد على المسطحات المائية -بما في ذلك الأنهار والجداول والبحيرات- لمواصلة الاحتفاظ بالكربون كما كان الأمر في السابق.
وشددت “كابس” على أن الباحثين درسوا التحلل وعلاقته بالمناخ في الماضي، وأشارت إلى أن إدخال هذه البيانات في خوارزمية تنبؤية يسد فجوات مهمة في معرفتنا بالتغيرات المناخية، خاصة في مناطق مثل المناطق الاستوائية والمناطق النائية أو التي يصعب الوصول إليها حيث يمكن أن يكون جمع البيانات أمرا صعبا.
وأظهرت الخريطة العالمية التي أُنشئت باستخدام الخوارزمية؛ نتائج ذات صلة تصل إلى مكان أقرب إلى المنزل أيضا. فعلى سبيل المثال، قالت الباحثة إن الخريطة تظهر تدرّجا واضحا من الشمال إلى الجنوب في كندا، مع تباطؤ معدلات التحلل وانخفاض درجات الحرارة. ويرتبط هذا التفاوت أيضا بأنواع الأشجار التي تزدهر في هذه البيئات.
وكجزء من الدراسة، قام الباحثون بنمذجة معدلات تحلل القمامة الطبيعية مقارنة بنطاقات زراعة القطن، ووجدوا أن مخلفات أشجار الصنوبر تتحلل بشكل أبطأ من مخلفات أشجار البلوط. ومع ارتفاع درجة حرارة المناخ، قد تنتشر الغابات النفضية الكثيفة (البلوط) شمالا، مما يعني احتمالية أعلى لمعدلات تحلل أسرع وإطلاق المزيد من الكربون في الغلاف الجوي.
وأشار الباحثون إلى أن من بين أكثر الأماكن التي يجب الانتباه إليها؛ أجزاء من العالم مثل الغابات الشمالية الكندية التي هي حاليا أقل مناطق العالم على مقياس التحلل، إذ إن دوائر العرض الشمالية ترتفع درجة حرارتها بشكل أسرع بكثير من الدوائر الجنوبية، لذلك فإن هذه الأماكن التي تحدث فيها التغيرات المناخية بوتيرة أسرع من غيرها، ستكون ذات أهمية أكبر في المستقبل.