استبعد محللون سياسيون فتح إسرائيل جبهة حرب ثانية مع حزب الله اللبناني بالتزامن مع حربها في قطاع غزة، لكن بعضهم حذر من سوء حسابات اليمين الإسرائيلي التي قد تدحرج الأمور إلى اشتباك غير مرغوب.
وفي هذا الإطار، يقول الأكاديمي الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور محمود يزبك إن معظم المحللين العسكريين الإسرائيليين يتفقون على أن إسرائيل لا يمكنها المحاربة على عدة جبهات.
وأوضح يزبك -خلال حديثه لبرنامج “غزة.. ماذا بعد؟”- أن تصاعد الأحداث على الجبهة الشمالية نتيجة للمشاهد التلفزيونية الأخيرة المتعلقة باحتراق آلاف الدونمات بمنطقة الجليل الأعلى بشكل كامل إثر ضربات حزب الله الصاروخية، إضافة إلى عامل الطقس.
وهناك 100 ألف مستوطن من الشمال لا يزالون مهجرين في مدن أخرى -وفق يزبك- الذي قال إن هؤلاء يمثلون قوة زراعية اقتصادية وتوقفوا عن العمل هناك، مشيرا إلى أن إسرائيل لا تعرف كيف تتصرف معهم، متسائلا عن الوضع إذا زادت أعداد المهجرين مع اتساع نطاق المواجهة.
وأدى ارتفاع ألسنة اللهب لاجتماع مجلس الحرب، الذي حاول طمأنة المجتمع الإسرائيلي بأن لديه المقدرة “ولكن الحقيقة أن لا مقدرة لإسرائيل”، بحسب المتحدث الذي قال إن “الحرب ستتوقف شمالا إذا توقفت جنوبا، خاصة أن كلام حزب الله يحظى بمصداقية لدى العسكريين الإسرائيليين”.
وأشار إلى تآكل قوة الردع الإسرائيلي، خاصة مع وجود ضبابية بمكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومجلس الحرب حول إمكانية التوصل لاتفاق في غزة بناء على خريطة طريق الرئيس الأميركي جو بايدن.
وخلص إلى أن نتنياهو لا يجرؤ أن يتخلص من اليمين المتطرف والأيديولوجية الشخصية له، حيث يسوق أن الحكومة في خطر، رغم أن الحريديم ومختلف أحزاب المعارضة تؤيد إبرام الصفقة.
“الحرب مستبعدة”
بدوره، أكد الكاتب والمحلل السياسي علي حيدر أن التصعيد متوقع، وقد يشهد جنوب لبنان مزيدا من التصعيد “ولكن هناك مسافة بين التصعيد وأي حرب”، مستبعدا الوصول لتلك النقطة.
وبين حيدر أن هناك صورة ضبابية في إسرائيل بعدما رفعت السقف عاليا على مستوى أهداف حرب غزة، ولم تستطع حسمها، مضيفا أنها ستجد نفسها مرغمة في مرحلة ما على التوصل لصفقة لوقف الحرب.
ويرى المحلل السياسي أن إسرائيل غير قادرة على خوض مواجهة كبرى مع حزب الله لسببين اثنين، الأول يعود إلى أن جيش الاحتلال والمجتمع الإسرائيلي قد أنهكا، والثاني أن حلفاء إسرائيل اكتشفوا محدودية مستوى قوتها، وما يترتب عليه من نتائج وتداعيات.
وأضاف أن الأداء الإسرائيلي شمالا أثبت أن حجم وطبيعة قدرات حزب الله حاضرة، “وبذلك بنيت قواعد الاشتباك خلال 8 أشهر، والتزم بها الطرفان إلى حد كبير”.
وأشار حيدر إلى أن هناك دينامية ميدانية تفرض مستويات من التصعيد، وهو ما يصب إستراتيجيا في غزة، مبينا أن حزب الله محكوم بالتصعيد بـ3 عوامل:
- ساحة لبنان هي ساحة إسناد، في حين غزة ساحة الجهد الرئيسي.
- حزب الله حركة مقاومة، وليست جيشا إقليميا، ومفعول أي مقاومة هي تراكمية واستنزافية.
- مصالح لبنان وردع الاحتلال لكي لا يشن حربا.
“شبه حرب”
من جانبه، اتفق الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني أحمد الحيلة مع يزيك وحيدر، في خشية الاحتلال من توسيع دائرة الاشتباك، رغم أن البيئة الداخلية دافعة نحو ذلك، لكنه استدرك بالقول إن الاحتلال يدرك أن الذهاب إلى لبنان باهظ بعد عجزه في غزة مقابل قوة تسليحية أكبر في لبنان.
ووفق الحيلة، يشعر الاحتلال بحرج، لأن نظرية الردع تتآكل بشكل متسارع ليس في غزة فحسب بل بالشمال، في ظل سقوط ألف صاروخ من لبنان في مايو/أيار الماضي، وما يجري “شبه حرب”.
وبشأن تحركات واشنطن، يؤكد المحلل السياسي أنها تعمل على احتواء التصعيد مع لبنان خشية من حرب شاملة مع حزب الله أو حرب إقليمية موسعة لا يمكن ضبطها، وهو ما يقلق الولايات المتحدة ومصالحها بالمنطقة عسكريا وسياسيا.
ولفت إلى أن الانتخابات الأميركية المقبلة تقيد واشنطن في اتخاذ قرارات إستراتيجية، مشيرا إلى أن أولوية واشنطن مواجهة النفوذ الصيني والروسي، وكذلك حرب أوكرانيا وليس ما يجري بالمنطقة.
وخلص الحيلة إلى أن “طول المدة الزمنية، وتوسع المديات الجغرافية، وتراكم العمليات نوعا وكما قد تؤدي إلى تصعيد كبير”، مضيفا أن اليمين المتطرف وسوء حساباته قد تؤدي لسوء تقدير ينجم عنه اشتباك غير مرغوب.