واشنطن- تلقّت مبادرة إدارة الرئيس جو بايدن لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ضربة موجعة في ظل الخلافات بشأنها داخل الحكومة الإسرائيلية، وعدم موافقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عليها حتى الآن، وكذلك وسط هجوم مكثف من اللوبي الصهيوني على الرئيس ومؤيدي خطته.
وكان بايدن قد وصف مبادرته بأنها “خطة إسرائيل لوقف إطلاق النار”، وأيّده بعض المسؤولين في حكومة الاحتلال، لكن آخرين رأوا أنها تبدو شبيهة بالخطة التي طرحتها حركة حماس قبل أسابيع، في حين قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاثنين، إن ما طرحة بايدن “ليس دقيقا”.
وتضمّنت المبادرة، التي أعلنها بايدن الجمعة الماضي، مسارا يفضي إلى توقف كامل لإطلاق النار، بما يشمل هدنة مبدئية تستمر 6 أسابيع مع انسحاب جزئي لجيش الاحتلال وإطلاق سراح بعض المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية.
وبينما يتفاوض الجانبان على وقف دائم لإطلاق النار، تتبع ذلك مرحلة ثانية تتضمن الإفراج عن جميع الأسرى الأحياء المتبقين بمن فيهم الجنود الإسرائيليون، تزامنا مع انسحاب إسرائيلي من كامل قطاع غزة. ثم تتبعها مرحلة ثالثة تبدأ بخطة لإعادة إعمار غزة وإعادة أي رفات متبقية للأسرى الإسرائيليين.
جدل الاقتراح ومصدره
يقول ديلان ويليامز، المسؤول السابق بمجلس الشيوخ، والخبير حاليا بمركز السياسة الدولية، في تغريدة على موقع “إكس”، إن “نتنياهو يتراجع عن خطة وقف إطلاق النار بسبب تمرد وزراء اليمين المتطرف.
وهذا الموقف يتناقض بشكل صارخ مع الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي وصف بوضوح في خطابه شروط اتفاق وقف إطلاق النار المتدرج بأنه “اقتراح إسرائيلي”.
وفي تصريح للجزيرة نت، لفت السفير ديفيد ماك، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، والذي سبق له العمل في قنصلية بلاده بالقدس، إلى أهمية إعلان بايدن.
وقال إن “خطة بايدن لا تعكس تغييرا حقيقيا. ما تغير هو قراره التكتيكي بالإشارة إليه على أنه اقتراح إسرائيلي، ودعوة حماس إلى قبوله. وقد حصل على الضوء الأخضر من قبل مجلس الحرب الإسرائيلي، الذي لا يضم شركاء نتنياهو في الائتلاف اليميني المتطرف”.
وبرأيه فإن ذلك زاد الضغوط داخل إسرائيل من بعض قادة الوسط الرئيسيين، وربما من المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين، كما أدى إلى زيادة مظاهرات عائلات المحتجزين لدفع نتنياهو إلى قبول هذا الاقتراح.
وعلى الجانب الآخر، فإن تشارلز دان، المسؤول السابق بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية، والخبير حاليا بالمعهد العربي بواشنطن، والمحاضر بجامعة جورج واشنطن، لا يعتبر أن الخطة الجديدة -التي يتم تسويقها على أنها خطة إسرائيلية- “خروج عن موقف الإدارة السابق بقدر ما هي مخطط لوقف إطلاق نار طويل الأمد ودائم بشكل أساسي، دون تسميته في الواقع”.
وفعليا، مثّلت خطة بايدن خطوة كبيرة تخالف موقفه السابق والرافض لوقف كامل لإطلاق النار حتى تحقق إسرائيل أهدافها بالقضاء التام على حركة حماس.
رغم ذلك، يقول مدير مؤسسة دراسات دول الخليج جورجيو كافيرو، إن إدارة بايدن تدرك أن تحقيق إسرائيل لأهدافها القصوى في غزة “أمر غير واقعي ولا يخدم المصالح الأميركية خاصة مع رغبة إسرائيل إطالة أمد هذه الحرب إلى عام 2025”.
حسابات انتخابية
من ناحية أخرى، لا يمكن استبعاد الحسابات الانتخابية في أي مبادرة يتبناها الرئيس الأميركي. ومن هنا يشير السفير ماك إلى أن خطة بايدن “تلمس وترا حساسا لدى المواطنين الأميركيين، فهو يعطي حججا جيدة للديمقراطيين والمستقلين وحتى الجمهوريين المعتدلين الذين قد يفضلون إعادة انتخابه”.
وبرأي ماك، أظهر بايدن “حكمة سياسية”، فضلا عن اتخاذ خطوات ستكون مفيدة دوليا وخاصة في عواصم الشرق الأوسط الرئيسية التي كانت حريصة على تغيير صورته من حليف نتنياهو إلى صانع سلام.
من جانبه، رجح تشارلز دان، أن تزايد الضغط الذي يتعرض له بايدن بسبب حرب غزة ودعمه المفتوح لإسرائيل، ولا سيما خسارته دعم الناخبين الشباب، “لعبا دورا مهما في طرح بايدن للاقتراح”.
وقال جورجيو كارفيو إن “بايدن يتعرض لضغوط من العناصر الأصغر سنا والأكثر تقدمية في قاعدة الحزب الديمقراطي الذين يعارضون بشدة دعم إدارته الصارم لحرب إسرائيل على غزة”.
وأشار إلى قلق بايدن وحلفائه السياسيين من قدرة الرئيس السابق دونالد ترامب على الفوز ببعض الولايات المتأرجحة الرئيسية مثل ميشيغان ومينيسوتا وويسكونسن نتيجة لبقاء الناخبين الأصغر سنا والأكثر تقدمية في منازلهم يوم الانتخابات، أو ربما التصويت لمرشح حزب ثالث.
نكران الجميل
وضمن الجدل الذي يسود واشنطن بعد إعلان خطة بايدن، تجاهلت منظمات اللوبي اليهودي الأميركية دعم بايدن الكبير للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة سياسيا وماليا وعسكريا ودبلوماسيا.
كما تجاهلت لجوء واشنطن لاستخدام حق النقض (الفيتو) عدة مرات بمجلس الأمن، ورفض البيت الأبيض لقرارات ومواقف محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل.
وأدانت المنظمة الصهيونية الأميركية “زوا” بشدة خطة بايدن، واعتبرتها “انتحارا مروعا لإسرائيل”. واتهم بيان للمنظمة -اطلعت عليه الجزيرة نت- بايدن باختياره توقيت إعلان خطته بالتزامن مع بدء يوم السبت المقدس عند اليهود كي يمنع الحكومة اليهودية من الرد الفوري.
واتهمت بايدن بعدم الدقة في قوله إن إسرائيل “عرضت” أو “قبلت” أو “يمكن أن تقدم” اقتراحا جديدا شاملا أحالته قطر إلى حماس. وقالت إن بنود “الاقتراح المزعوم كانت متطابقة تقريبا مع مطالب حركة حماس”.
كما اتهمته بتحريف ما تم الاتفاق عليه مع إسرائيل كطريقة أخرى للضغط عليها للتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يلحق ضررا بالغا بأمنها وقدرتها على “ردع الإرهاب” لسنوات مقبلة، وتشجيع حماس وحزب الله وإيران على مهاجمة إسرائيل.
واعتبرت المنظمة الصهيونية الأميركية أن خطة بايدن تحقق لحركة حماس كل ما تريده من أهداف، ومنها:
- انسحاب إسرائيل من كل قطاع غزة، وعدم احتفاظها بمنطقة عازلة منزوعة السلاح.
- بقاء حماس واستمرار سيطرتها على غزة؛ إذ لا تنص الخطة على القضاء عليها.
- سيكون هناك وقف فوري “مؤقت” لإطلاق النار يؤدي إلى وقف دائم للحرب.
- إرسال 600 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية يوميا إلى غزة، “وبالتأكيد ستستولي عليها حماس” على حد قول المنظمة.
من ناحية أخرى، شن باحثو “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” (FDD)، والمعروفة بقربها من اليمين الإسرائيلي، هجوما ضاريا على بايدن. وقال رئيسها مارك دوبويتز، إن “الحكومة الإسرائيلية أعادت التأكيد على مبدأ أساسي: لا وقف لإطلاق النار في غزة حتى تتم إعادة جميع الرهائن وتدمير قدرات حماس العسكرية”.
وأضاف “على الرغم من تأكيدات بايدن في 31 مايو، يعرف الإسرائيليون أنه طالما بقيت حماس في غزة، واحتفظت ببنيتها التحتية العسكرية.. فإن احتمال وقوع مذبحة أخرى مثل 7 أكتوبر، ما يزال قائما”.
الأكثر عداء لإسرائيل
كما وصفت المنظمة الصهيونية الأميركية الرئيس الأسبق باراك أوباما، بأنه “أكثر رؤساء أميركا تطرفا في العداء لإسرائيل”، على الرغم من دعمه للمصالح الإسرائيلية.
وذكر أوباما في تغريدة، الجمعة، على منصة “إكس” أن “خطة بايدن واقعية وعادلة لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس وإعادة الرهائن إلى بلادهم، وزيادة المساعدات إلى غزة لتخفيف الظروف القاسية التي يواجهها الفلسطينيون بعد نحو 8 أشهر من الحرب”.
Today, President Biden put forward a clear, realistic and just plan to establish an immediate ceasefire and end the war in Gaza – a plan that ensures Israel’s security, returns hostages taken on October 7th to their families, increases aid into Gaza and relieves the suffering of…
— Barack Obama (@BarackObama) May 31, 2024
ويُعد دعم أوباما لموقف بايدن تجاه إسرائيل ذا أهمية خاصة؛ إذ يتمتع أوباما بشعبية كبيرة، في الوقت ذاته جمعته علاقات متوترة مع نتنياهو أثناء وجوده في منصبه بين عامي 2008 و2016.
وقال أوباما إن بايدن أظهر “قناعة أخلاقية ووضوحا”، وإن خطته “يمكن أن تنقذ الأرواح” وتوفر بعض الأمن لكل من إسرائيل والفلسطينيين في غزة.
ويعتبر أوباما من أكثر الرؤساء الأميركيين دعما للعلاقة الخاصة مع إسرائيل. وخلال عهده، وقّعت الدولتان على مذكرة تفاهم عام 2016 حيث تعهدت واشنطن بتقديم 33 مليار دولار في صندوق التمويل العسكري و5 مليارات دولار لتمويل الدفاع الصاروخي خلال الفترة من عام 2019 إلى عام 2028.
وبسبب أوباما، فإن جميع المساعدات الأميركية لإسرائيل تقريبا هي في شكل منح لشراء أسلحة. وتتلقى إسرائيل 3.3 مليارات دولار سنويا من برامج التمويل العسكري الأجنبي الأميركي. كما أنها تتلقى 500 مليون دولار للبحث والتطوير ونشر أنظمة الدفاع الصاروخي مثل القبة الحديدية.