باحثون يطورون طريقة لصنع مسكّن آلام من الأشجار

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

منذ عدة قرون استخدم الطب التقليدي الأشجار والنبات في صناعة الأدوية، ولا تزال تشكل حتى اليوم مورداً قيّماً في صناعته، إذ تُستخلص العديد من الأدوية من مصادر نباتية، لتنتج النباتات مجموعة واسعة من المركبات الكيميائية التي ظهر أن لها خصائص علاجية.

ومن أمثلة الأدوية التي تُستخلص من النباتات يمكن أن نذكر:

  • الأسبرين: وهو مشتق من لحاء شجرة الصفصاف، ويستخدم لتخفيف الألم وخفض الحمى وتقليل الالتهاب.
  • التاكسول: وهو دواء للعلاج الكيميائي مشتق من لحاء شجرة الطقسوس، ويستخدم لعلاج سرطان المبيض والثدي والرئة.
  • الكينين: ويُشتق من لحاء شجرة الكينا، ويستخدم لعلاج الملاريا.
  • المورفين: ويشتق من خشخاش الأفيون، ويستخدم لتخفيف الألم الشديد.
  • الأرتيميسينين: ويُشتق من نبات الشيح الحلو، ويستخدم لعلاج الملاريا.

وفي هذا الاتجاه طور مؤخرا علماء في جامعة ويسكونسن ماديسون الأميركية، طريقة فعالة من حيث التكلفة ومستدامة بيئيًا لصنع مسكن للألم ومنتجات قيمة أخرى من النباتات بدلاً من النفط.

وبحسب البيان الصادر من جامعة ويسكونسن ماديسون المنشور في موقع فيز أورغ، تعتمد الدراسة على تقنية حاصلة على براءة اختراع لتصنيع الباراسيتامول باستخدام الكتلة الحيوية من أشجار الحور (Poplar trees)، والتي نجح فريق العلماء في تحويل كتلتها الحيوية إلى باراسيتامول متبلور ومنتجات أخرى عالية القيمة، مما يدل على تنوع العملية.

كما أن هذا الاكتشاف يعد أكثر مراعاة للبيئة لواحد من الأدوية والمواد الكيميائية الأخرى الأكثر استخداما في العالم، والأهم من ذلك أنه يمكن أن يوفر مصادر جديدة لجعل الوقود الحيوي السليولوزي (المشتق من الألياف النباتية غير الغذائية) قادرا على المنافسة من حيث التكلفة مع الوقود الأحفوري، وهو المحرك الرئيسي لتغير المناخ.

The paracetamol or acetaminophen is a drug with analgesic properties, Close-up of doctor holding a pill container

اختراع سابق لإنتاج الباراسيتامول

تعمل مسكّنات الألم (Analgesic) بطرق مختلفة على الأجهزة العصبية المحيطية والمركزية، وتختلف مسكنات الألم عن الأدوية المخدرة التي تُذهب الشعور كليا بشكل مؤقت، ومن تلك المسكنات الباراسیتامول أو الأسيتامينوفين، وهو المعتمد كمسكن وخافض للحرارة واسع الاستخدام، ويُستخلصه من القطران الذي يتبقى في قاع برج التقطير عقب التكرير التجزيئي للنفط، وهو أثقل منتجات النفط وأعلاها في درجة الغليان، وكان يستخدم في عملية رصف الطرق.

وفي عام 2019، أظهر ستيفن كارلين من مركز أبحاث الطاقة الحيوية في جامعة ويسكونسن ماديسون وجون رالف أستاذ الكيمياء الحيوية في الجامعة نفسها؛ كيف يمكن تصنيع الباراسيتامول من مركّب في أشجار الحور باستخدام تفاعل كيميائي معروف.

وحصل الباحثان على براءة اختراع لطريقة تصنيع عقار الباراسيتامون من مركب طبيعي مشتق من مادة نباتية، ويقدم هذا النهج بديلا متجددا لعملية التصنيع الحالية التي تَستخدم المواد الكيميائية المشتقة من القطران، كما أنه يخلق منتجا مفيدا من مكون وفير ولكن يصعب التحكم فيه في جدران الخلايا النباتية يسمى اللجنين، وهو عبارة عن بوليمر معقد للغاية.

Empty freeway with poplar trees

مسكّن ألم من الأشجار

وبحسب بيان جامعة ويسكونسن ماديسون، قام فريق كارلين في اختراعهم الجديد بتحسين عملية تصنيع الباراسيتامول بالإضافة إلى صناعة أدوية أخرى وأصباغ المنسوجات والمواد البلاستيكية القابلة للتحلل، وهي مجموعة من المنتجات التي يمكن أن تدعم عشرات المنتجات الحيوية الصغيرة التي تغذي منتجات أكبر.

يقول ستيفن كارلين الذي قاد البحث الجديد: “لقد قمنا بالبحث والتطوير لتوسيع نطاق الاختراع الذي توصلنا له في عام 2019 كي يكون قابلا للتحقيق”.

يتكون جزيء الباراسيتامول المصنوع من الأشجار من حلقة بنزين سداسية الكربون مع مجموعتين كيميائيتين متصلتين، حيث تنتج أشجار الحور مركبًا مشابهًا في اللجنين والذي يسمى “بي هيدروكسي بنزوات” (p-hydroxybenzoate)، وهو جزء من جدار الخلية الذي يربط السكريات النباتية معا ، كما أنه مادة طبيعية موجودة في العديد من النباتات وبعض الحشرات. كما يمكن تصنيعه لاستخدامه في مستحضرات التجميل والأدوية والأغذية.

واللجنين مركب كيميائي معقد يُستخرج في أغلب الأحيان من الخشب، ويعد اللجنين من مكونات الجدار الخلوي للنباتات، وهو مليء بالمركبات العطرية القيمة التي يمكن أن تحل محل العديد من البتروكيماويات، وكذا إنتاج الوقود النباتي.

ووفقا للدراسة اتضح أنه من السهل نسبيا فصل المركب “بي هيدروكسي بنزوات” الذي تنتجه أشجار الحور، ومن ثم تحويله إلى باراسيتامول.

آفاق الابتكار الجديد

بحسب بيان جامعة ويسكونسن ماديسون، فإن هذا الابتكار لا يعمل على تبسيط إنتاج الباراسيتامول فحسب، بل يفتح الباب أيضا لتصنيع العديد من الأدوية والأصباغ والمنسوجات والمواد البلاستيكية القابلة للتحلل.

يقول كارلين: “يمكننا بواسطة الطريقة المتبعة في هذا الابتكار صنع أصباغ مثل الحبر الأسود، أو البوليمرات التي يمكن استخدامها في المنسوجات أو تطبيقات المواد، أو تحويلها إلى مواد لاصقة أو إلى أشياء من هذا القبيل، وبالتالي فان أشجار الحور يمكن اعتبارها بانها تتمتع بسوق ضخمة وقيمة كبيرة.”

ويضيف كارلين: “من خلال إعادة تدوير المنتج مرة أخرى في مفاعل مستمر، نجح العلماء في تحويل 90% من المادة الخام إلى باراسيتامول، والذي استُخلص باستخدام طريقة أرخص من تقنيات التنقية التقليدية، حيث يُمكن رفع العائد من المادة الخام إلى 99%، وتعتمد هذه العملية في المقام الأول على الماء، كما تعتمد على المذيبات الخضراء، وهي مستمرة مما يجعلها مثالية للتطبيقات الصناعية، بالإضافة إلى أن هذه الطريقة الفعالة والمستدامة تتوافق مع الجهود المبذولة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتعزيز نهج أكثر صداقة للبيئة في إنتاج الأدوية”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *