قال موقع ميدل إيست آي البريطاني إن محاولة أعلى محكمتين في العالم دعم القانون الدولي وإنهاء الفظائع في غزة، حوّل إسرائيل إلى “عدو عنيد”، وبعد أن كان من المفترض أن تؤدي الإعلانات المنفصلة الصادرة عن محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية إلى إجبار إسرائيل على وقف هجومها الحالي على مدينة رفح، ردت بتكثيف فظائعها.
وسرد الموقع -في تقرير بقلم جوناثان كوك- بعض ما قامت به إسرائيل من فظائع أطلق عليها مسؤولو الأمم المتحدة اسم “الجحيم على الأرض”، وقال إنها هي التي حذر منها الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أشهر عندما أشار إلى أن الهجوم الإسرائيلي على رفح سيشكل “خطا أحمر”، ولكن الخط الأحمر الأميركي تبخر لحظة تجاوز إسرائيل له، ووصفت واشنطن الصور من رفح بأنها “تفطر القلب”.
اقرأ أيضا
list of 2 items
وول ستريت جورنال: لا يصرخ ولا يهدد.. بيرنز في مهمة دبلوماسية شاقة وطويلة المدىوول ستريت جورنال: لا يصرخ ولا يهدد.. …
أكاديمي أميركي: عندما ينتهك القادة القانونأكاديمي أميركي: عندما ينتهك القادة …
end of list
آلية ذات سلطة
وأضاف أنه قبل أيام من طلب محكمة العدل الدولية بأن توقف إسرائيل هجومها على رفح، بدأت المحكمة الجنائية الدولية بدورها تتحرك، وأعلن كريم خان كبير المدعين العامين، أنه سيسعى إلى إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، بالإضافة إلى 3 من قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وكلا القياديين الإسرائيليين متهمان بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، منها محاولات إبادة سكان غزة من خلال التجويع المخطط له، حيث منعت إسرائيل تسليم المساعدات لعدة أشهر، مما أدى إلى حدوث مجاعة، وهو الوضع الذي تفاقم بعد استيلائها مؤخرا على المعبر الذي كان يتم من خلاله تسليم المساعدات بين مصر ورفح.
ونبه الكاتب إلى أن المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة “ذات أسنان” وهي أكثر خطورة على إسرائيل من محكمة العدل الدولية، لأن أحكامها تفرض التزاما على أكثر من 120 دولة بموجب نظام روما الأساسي، باعتقال نتنياهو وغالانت إذا وطئا أراضيها.
“محكمة معادية للسامية”
ولهذا السبب، اتهمت إسرائيل المحكمة بأنها “معادية للسامية” وهددت بإيذاء مسؤوليها، ووقفت واشنطن بعضلاتها إلى جانبها -كما يقول الكاتب- وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ردا على سؤال بمجلس الشيوخ عما إذا كان سيدعم اقتراحا جمهوريا بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، “نريد العمل معكم لإيجاد الرد المناسب”.
وتابع التحقيق أنه من المرجح أن تكون الأعمال الانتقامية الأميركية، وفقا لصحيفة فايننشال تايمز، على غرار العقوبات التي فرضها سلف بايدن عام 2020 بعد أن هددت المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها كل من إسرائيل والولايات المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وأفغانستان على التوالي.
وقد اتهمت إدارة الرئيس دونالد ترامب آنذاك المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب “فساد مالي ومخالفات على أعلى المستويات”، وهي اتهامات لم يتم إثباتها قط، ولكن مُنعت المدعية العامة وقتها فاتو بنسودا، من دخول الولايات المتحدة، كما تعهدت الإدارة باستخدام القوة لتحرير أي أميركيين أو إسرائيليين يتم اعتقالهم.
الحرب السرية
وأشار جوناثان كوك إلى أن تحقيقا أجراه الموقع الإسرائيلي 972 وصحيفة غارديان البريطانية كشف هذا الأسبوع أن إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، كانت تدير حربا سرية على المحكمة الجنائية الدولية منذ فترة ليست بالقصيرة، بدأت منذ أن أصبحت فلسطين طرفا في المحكمة الجنائية الدولية عام 2015، وتكثف بعد أن بدأت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية السابقة فاتو بنسودا تحقيقا أوليا في جرائم الحرب الإسرائيلية.
وجدت بنسودا نفسها وعائلتها مهددين، وزوجها يتعرض للابتزاز عندما انخرط رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين شخصيا في حملة ترهيب، شبهها مسؤول مطلع على سلوكه “بالمطاردة”.
وبالفعل حاول رئيس الموساد تجنيدها إلى جانب إسرائيل، قائلا لها “يجب أن تساعدينا وتسمحي لنا بالعناية بك. أنت لا تريدين التورط في أشياء يمكن أن تعرض أمنك أو أمن عائلتك للخطر”.
وتدير إسرائيل أيضا -حسب التحقيق- عملية تجسس معقدة على المحكمة، وتقوم باختراق قاعدة بياناتها لقراءة رسائل البريد الإلكتروني والوثائق، وقد حاولت تجنيد موظفي المحكمة الجنائية الدولية للتجسس على المحكمة من الداخل.
ولأن إسرائيل تشرف على الوصول إلى الأراضي المحتلة، فقد منعت مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية من التحقيق بشكل مباشر في جرائم الحرب التي ترتكبها، وقامت بمراقبة جميع المحادثات بين المحكمة الجنائية الدولية والفلسطينيين الذين يبلغون عن الفظائع، وسعت لإغلاق المنظمات الحقوقية الفلسطينية وصنفتها “منظمات إرهابية”.
وأشار التحقيق إلى أن مراقبة المحكمة الجنائية الدولية استمرت خلال فترة ولاية خان، وعلمت أن مذكرات الاعتقال قادمة، وبالفعل تعرضت المحكمة، وفقا لمصادر تحدثت إلى صحيفة الغارديان وموقع 972، “لضغوط هائلة من الولايات المتحدة” لمنعها من المضي قدما في إصدار أوامر الاعتقال، بل إن مجموعة من كبار أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في الولايات المتحدة أرسلت رسالة تهديد إلى خان تقول “استهدف إسرائيل وسوف نستهدفك”.
حبل المشنقة القانوني
وعلى الرغم من الترهيب، فإن الحبل القانوني يضيق بسرعة حول عنق إسرائيل، منذ أن أصبح من المستحيل على أعلى السلطات القضائية في العالم أن تتجاهل المذابح التي ترتكبها منذ 8 أشهر في غزة والدمار شبه الكامل للبنية التحتية، من المدارس والمستشفيات إلى مجمعات المساعدات والمخابز.
ولأن دور المحكمة الدولية ومحكمة جرائم الحرب هو على وجه التحديد وقف الفظائع وأعمال الإبادة الجماعية قبل فوات الأوان، فإن هناك التزاما على أقوى دول العالم بالمساعدة في فرض مثل هذه الأحكام، وبالتالي على مجلس الأمن أن يصدر قرارا لتنفيذ القرار.
وقد دعمت واشنطن بقوة، رغم أنها ليست طرفا في نظام روما الأساسي، مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة ضد الزعيم الروسي فلاديمير بوتين عام 2023، وفرضت مع حلفائها عقوبات اقتصادية على موسكو، وزودت أوكرانيا بأسلحة لا حصر لها، ولكنها الآن لا ترى القيام بذلك في حالة إسرائيل.
الانقسامات في أوروبا
ولأن دور الولايات المتحدة لا يقتصر على ترك إسرائيل تواصل الإبادة الجماعية في غزة -كما يقول الكاتب- بل هي تساعد بشكل نشط من خلال تزويد إسرائيل بالقنابل، وقطع التمويل عن وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة التي تعد شريان الحياة الرئيسي لسكان غزة، ومن خلال تبادل المعلومات الاستخبارية مع إسرائيل، ورفض استخدام نفوذها لوقف المذبحة، فإنه يعتقد بشكل جازم أنها سوف تستخدم حق النقض ضد أي قرار ضد تل أبيب.
ونبه الموقع إلى أن ازدراء واشنطن لأعلى السلطات القضائية في العالم صارخ لدرجة أنه بدأ يؤدي إلى توتر العلاقات مع أوروبا التي ألقى منسق سياستها الخارجية جوزيب بوريل بثقله خلف المحكمة الجنائية الدولية، ودعا إلى احترام أي حكم ضد نتنياهو وغالانت.
القوة تصنع الحق
ونبه الكاتب على أن محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية تدركان تماما المخاطر المترتبة على التعامل مع إسرائيل، وهما لذلك تتحركان ببطء شديد وحذر في التعامل مع الفظائع الإسرائيلية.
وذكر أن حملة القصف “الصدمة والرعب” وسنوات الاحتلال الوحشي للعراق من قبل القوات الأميركية والبريطانية، والاحتلال الأطول والأكثر دموية لأفغانستان، هي التي مزقت كتاب قواعد القانون الدولي ورفعت فوقه نظاما، القاعدة الوحيدة المهمة فيه هي أن القوة هي التي تصنع الحق.
ولهذا السبب، بذل خان كل ما في وسعه لعزل نفسه عن الانتقادات، وذلك بحرصه على وضع اتهامات ضد حماس أكبر من إسرائيل، وفي لائحة الاتهام ورط كلا من جناحي حماس السياسي والعسكري في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حين تجاهل تماما دور الجيش الإسرائيلي الذي ظل ينفذ رغبات نتنياهو وغالانت حرفيا على مدى الأشهر الثمانية الماضية.
والجدير بالذكر أيضا أن خان اتهم رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، مع أن كل الأدلة تشير إلى أنه لم يكن لديه علم مسبق بالهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وبالتأكيد لم يكن له أي دور في العمليات.
كما تجاهل خان الكثير من جرائم الحرب الإسرائيلية التي يسهل إثباتها، مثل تدمير المستشفيات ومرافق الأمم المتحدة، والقتل المستهدف لأعداد كبيرة من عمال الإغاثة والصحفيين، وحقيقة أن 70% من المساكن في غزة قد تم تدميرها وأصبحت غير صالحة للسكن.
مواجهة جالوت
ومن خلال رفع القضية ضد إسرائيل، عرف خان بوضوح أنه كان يواجه خصما شرسا، نظرا للدعم القوي الذي تتلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة، حتى إنه قام بتعيين لجنة من الخبراء القانونيين على أمل أن يوفر له ذلك بعض الحماية من الانتقام.
وفي مقابلة حصرية مع شبكة “سي إن إن”، بدا خان حريصا على استباق الهجمات القادمة، وأشار إلى أن سياسيا أميركيا كبيرا لم يذكر اسمه حاول بالفعل ردعه عن توجيه الاتهام إلى القادة الإسرائيليين، وأشار إلى وجود تهديدات أخرى خلف الكواليس.
وخلص الكاتب إلى أن الولايات المتحدة والدولة العميلة المفضلة لديها لا تبديان أي علامة على استعدادهما للخضوع للقانون الدولي، وهم يفضلون مثل شمشون هدم البيت، على احترام قواعد الحرب الراسخة، لتصبح القوة وحدها هي التي تصنع الحق في عالم بلا قوانين، وسيكون الجميع خاسرا في نهاية المطاف.