يرى رئيس وزراء أستراليا السابق مالكولم تيرنبول أن أهم انتخابات تُجرى في العالم هي تلك التي ستكون يوم الثلاثاء الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في الولايات المتحدة، والتي قد تعيد الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى في يناير/كانون الثاني 2025.
وفي مقال له بمجلة فورين أفيرز، يقول تيرنبول إن ترامب إذا فاز سوف يعود إلى منصبه، ربما ليس أكثر حكمة، لكنه بالتأكيد أكثر خبرة وأكثر اقتناعا بـ”عبقريته الاستثنائية”، وأكثر تصميما على تصحيح ما يصر على أنه كان سبب الفشل الرئيسي في ولايته الأولى، وهو أن مستشاريه والمسؤولين الرسميين في واشنطن اعترضوا طريقه.
ويضيف رئيس الوزراء الأسترالي السابق أن المرشح المحتمل للحزب الجمهوري غالبا ما يكون مخطئا مثل معظم الناس، لكنه خلافا لهم، لا يشك أبدا في نفسه، لما منحه الإيمان النرجسي القوي بالنفس من قوة على تحدي أعدائه الكُثر، بل وتحدي الواقع، فهو على مدى 4 سنوات، ظل ينكر نتائج انتخابات 2020، وأقنع معظم حزبه وملايين الأميركيين بتصديقه.
وكتب تيرنبول أن ترامب سيسعى لإحاطة نفسه بالأشخاص الذين يقولون له ما يريد سماعه، وسيملأ إدارته بالرجال المؤيدين له بقوة، كما سيسعى إلى سحق أي انتقادات، واصفا منتقديه في الداخل بأنهم معارضون سياسيون إذا كانوا ديمقراطيين، وخونة إذا كانوا جمهوريين، وكأنه إمبراطور روماني لا يُقهر، ولكن دون أن يكون لديه من يهمس له “تذكر أنك فانٍ”.
كما يقول في مقاله بمجلة فورين أفيرز إن القادة الآخرين، خاصة من حلفاء الولايات المتحدة المقربين، عليهم تحمل المسؤولية والتحدث إلى ترامب بصراحة مباشرة ولكن محترمة، لا يستطيع سوى القليل من مستشاريه التحدث بها، و”تجربتي معه عندما كنت رئيسا لوزراء أستراليا هي أنه قد لا يحب القوة والصراحة من الزعماء الآخرين، لكنه يحترمهم على ذلك بمجرد أن يهدأ غضبه”، كما يقول تيرنبول.
ويتابع تيرنبول أن الزعماء في مختلف أنحاء العالم اليوم يتساءلون كيف يمكنهم تملق ترامب وتجنب غضبه، لكن ذلك النهج الناعم لا يشكّل إستراتيجية سيئة فحسب، بل هو آخر شيء تحتاجه الولايات المتحدة، وفق تعبيره.
سوء فهم
ويقول رئيس وزراء أستراليا السابق إن معظم قادة العالم كان لديهم افتراضان يدلان على سوء الفهم، عندما أصبح دونالد ترامب رئيسا عام 2017، أولهما أن خطابه الجامح خلال الحملة الانتخابية سوف يُنبذ بعدها، ظنا منهم أن المنصب ومسؤولياته ستقيده، وأن النظام الأميركي لن يسمح له بالتصرف بطريقة تقوض المصلحة الوطنية، مرددين ملاحظة حاكم نيويورك السابق ماريو كومو التي قال لترامب فيها “حملتك اعتمدت على الشعر ولكنك ستحكم بالنثر”.
غير أن ترامب، كما يقول تيرنبول، كان في منصبه أكثر وحشية وغرابة مما كان عليه في الحملة الانتخابية، وختم 4 سنوات غير عادية بتشجيع الغوغاء على اقتحام مبنى الكابيتول (الكونغرس)، في محاولة وقحة للإطاحة بالنقل الدستوري للسلطة للرئيس الجديد، وإذا عاد إلى البيت الأبيض عام 2025، فإن المخدوعين فقط هم من يتخيلون أن إدارة ترامب الثانية ستكون أقل تقلبا وإثارة للقلق من إدارته الأولى.
ويوضح الكاتب أن سوء الفهم الثاني الذي تصوره زعماء العالم أن التعامل الصحيح مع ترامب هو اتباع نصيحة رئيس الوزراء البريطاني في القرن الـ19 بنيامين دزرائيلي، للناس بالتعامل مع الملوك باستخدام الإطراء والتملق، لكنها الطريقة الخاطئة للتعامل مع أمثال ترامب، لأن الاستسلام للمتجبرين يشجعهم على المزيد من الطغيان، والطريقة الوحيدة لكسب احترامهم هي الوقوف في وجههم.
لا تستسلم
لكن هذا التحدي، بحسب رئيس الوزراء الأسترالي السابق، يحمل في طياته مخاطر كبيرة، لأن كل زعماء العالم الذين يأملون في إقامة علاقة جيدة أو ودية مع الولايات المتحدة، لا يأمنون إذا اختلفوا مع ترامب، تنقلب عليهم شعوبهم، ناهيك عن وسائل إعلامهم، خاصة وسائل الإعلام اليمينية التي تتبنى أسلوب ترامب في السياسة.
ويذكّر مالكولم تيرنبول بموقف وقع له مع الرئيس الأميركي السابق عندما أصبح رئيسا وعرض عليه الالتزام باتفاقية تتعلق بالهجرة كانت وقعت بين بلديهما في عهد الرئيس باراك أوباما، فغضب ترامب أثناء المكالمة بينهما وقال إن الاتفاقية تقتله سياسيا، لكنه في النهاية وافق عليها مع الإصرار وظل يكرر بعد ذلك أنه قبلها على مضض.
وأشار الكاتب إلى أن العمل في البيت البيض أيام ترامب لم يكن يجري بالطريقة المعتادة في العالم، حيث يقوم معظم الرؤساء ورؤساء الوزراء بتفويض قدر كبير من السلطة لمستشاريهم ومسؤوليهم، فقد كان ترامب هو صانع القرار الوحيد، وحتى لو قدم له مستشاروه النصح وكتبوا له النص، فإنه لا يقرأ غالبا ما في الورق، ويسعى إلى عقد الصفقة فورا مع الزعيم الذي يقابله، مما يعني “حسب تجربتي أن السفراء وغيرهم من المسؤولين ليس لديهم دور يُذكر في المفاوضات”.