بوادر تصعيد.. لماذا يتمسك لبنان بإعادة اللاجئين السوريين؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

بيروت- انتهت، الاثنين، في العاصمة البلجيكية بروكسل أعمال المؤتمر الثامن لـ “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”، وكان عنوانه الأبرز، رفض أوروبا تسهيل عودة أكثر من 5 ملايين لاجئ سوري هجّرتهم الحرب منذ 2011، إلى دول عدة في طليعتها لبنان والأردن وتركيا والعراق.

وتلقت معظم الأطراف السياسية اللبنانية، باستياء، موقف الاتحاد الأوروبي، الذي اختصره مسؤول سياسته الخارجية جوزيب بوريل بالقول: “الظروف الحالية لعودة آمنة وطوعية إلى سوريا ليست متاحة”.

وبينما رمى بوريل الكرة في ملعب الرئيس السوري بشار الأيسد، لأن نظامه “يتحمل المسؤولية الأساسية بتحقيق شروط العودة”، كما قال؛ أكد الموقف اللبناني المضي في إجراءات إعادة أكثر من مليوني لاجئ سوري.

ويستضيف لبنان أعلى نسبة لجوء عالميا، قياسا لمساحته (10 آلاف و452 كيلومتر) وعدد سكانه (نحو 4.5 ملايين نسمة).

الأمن اللبناني يشرف على عملية إعادة لاجئين سوريين إلى سوريا (الفرنسية)

تحذير صريح

ومن بروكسل، تقاطع وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب مع قول نظيره الأردني أيمن الصفدي إن الاتحاد الأوروبي “يتخلى عن البلدان المضيفة للاجئين السوريين”، فوجّه الأول تحذيرا صريحا. وفي تلميح لهجرة السوريين بحرا من لبنان إلى أوروبا، قال بو حبيب “عندما يصاب لبنان بالرشح ستصاب أوروبا بالعدوى وسنتحول جميعا إلى ضحايا”.

وأعلن مؤتمر بروكسل عن تقديم نحو 2.2 مليار دولار للاجئين السوريين بين عامي 2024 و2025، سيخصص منها 560 مليون يورو لدعم اللاجئين في سوريا ولبنان والعراق والأردن، ومليار يورو أخرى لتركيا.

ولم تُعرف بعد الحصة النهائية للبنان من المبلغ، علما أنه سيتسلم مساعدة أوروبية بقيمة مليار يورو حتى عام 2027، وفق ما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يوم الثاني من مايو/أيار الجاري.

وأثارت هذه الهِبة سجالا سياسيا، بين مؤيدين ورافضين لها بوصفها “رشوة”، لأن إعلان فون دير لاين عنها جاء أثناء مرافقتها لرئيس قبرص نيكوس كريستودوليدس، الذي زار بيروت عقب تصدي نيقوسيا لنحو 5 قوارب لاجئين سوريين، انطلقت من شمال لبنان منتصف أبريل/نيسان الماضي.

وأطلق الأمن العام اللبناني، في 14 مايو/أيار الجاري، قافلة ضمت قرابة 330 لاجئا سوريا، بالتنسيق مع المفوضية والجانب السوري، وكانت مؤشرا سلبيا على صعوبة جذب السوريين إلى قوافل العودة.

تصعيد حكومي

وعقد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، الثلاثاء، جلسة لبحث موقف بلاده في بروكسل والخطوات التي ستليه. وقال ميقاتي إن لبنان قدم -لأول مرة- خطة عمل لتنظيم ملف السوريين، تتبناها الحكومة ويدعمها البرلمان، وقوامها إعادة اللاجئين ضمن مهل زمنية محددة.

وخلصت الجلسة الحكومية إلى تشكيل لجنة وزارية للتواصل مع الحكومة السورية، سيتم تقريرها بالجلسة المقبلة.

ومن بروكسل، وجه وزير خارجية لبنان اللوم إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين واتهمها بالتسويف والمماطلة، في تقديم كامل معلومات اللاجئين السوريين لديها للدولة اللبنانية.

وأعلن عن رغبة التعاون مع المجتمع الدولي لتنفيذ رؤية لبنان وفق نقاط عدة من بينها:

  • تخصيص الإمكانيات الدولية اللازمة للأجهزة العسكرية لضبط الحدود البرية وحصر حركة الدخول والخروج عبر المعابر الشرعية.
  • التزام لبنان بعدم الإعادة القسرية للاجئين.
  • المطالبة بالتعويض العادل للدولة اللبنانية، كوسيلة مؤقتة، عبر دعم مؤسساتها نتيجة الأعباء الجسيمة المقدرة بنحو 100 مليار دولار.
  • تطبيق مبدأ تقاسم الأعباء بإعادة توزيع اللاجئين على دول أخرى، لمن يتعذر إعادته إلى سوريا.
  • أي سوري مسجل يغادر لبنان بشكل غير قانوني بحرا أو برا، يجب أن تُنزع عنه صفة اللجوء لدى المفوضية.

ويرى مراقبون أن ثمة اختلافا بوجهات النظر الأوروبية، حيث تصر مجموعة دول أبرزها فرنسا وألمانيا، على مواصلة القطيعة مع النظام السوري أو لا تسمح بعودة السوريين، في مقابل رغبة دول أخرى بإعادة النظر في ملف اللجوء، وعلى رأسها دول جنوب أوروبا، التي تواجه تحدي التصدي لقوارب المهاجرين من لبنان، مثل قبرص واليونان وإيطاليا.

واستطلعت الجزيرة نت مواقف بعض القوى السياسية من نتائج مؤتمر بروكسل، مع كل من نائب “حركة أمل” محمد خواجة، ونائب “التيار الوطني الحر” سيزار أبي خليل، ومسؤول جهاز الإعلام في “حزب القوات اللبنانية” شارل جبور.

لبنان يستضيف أكثر من مليوني لاجئ سوري (الفرنسية)

قضية سيادية

ينطلق نائب حركة أمل من كلفة اللجوء السنوية التي تتجاوز المليار و700 مليون دولار. إذ يمكن تتويج لبنان كدولة تشهد على أكبر معدل لجوء بتاريخ البشرية، وفق تعبيره، فلا يوجد بلد آخر يستضيف مقدار نصف عدد سكانه منذ 13 عاما.

ويعقّب على مؤتمر بروكسل قائلا إن القضية سيادية بالنسبة لهم، ولن يسمحوا بإملاء ما يجب عليهم فعله، وإنهم -ولأول مرة- بحالة إجماع سياسي على ضرورة إعادة اللاجئين إلى بلدهم ولن يتراجعوا رغم التمايز بالمواقف.

ويتحدث خواجة عن 3 أطراف معنية بملف اللجوء السوري في لبنان: وهي الدولة اللبنانية، ونظيرتها السورية والمجتمع الدولي. ومع غياب التجاوب من الأخير، “فمن حقنا التنسيق المباشر مع دمشق، وهو ما نفعله”، وفق قوله.

ويؤيد دعوة الأمين العام لـحزب الله حسن نصر الله، إلى فتح البحر اللبناني أمام قوارب اللاجئين السوريين نحو أوروبا، “لأنها تتخذ إجراءات انتهازية بحقهم وبحق السوريين لحماية دولها من المهاجرين”.

ويوضح النائب خواجة أن مؤتمر بروكسل لم يدعُ الجانب الأميركي إلى رفع عقوبات “قانون قيصر”، علما أنه كفيل ببدء الحل السياسي وبعودة السوريين، الذين دفعتهم العقوبات إلى الهجرة الاقتصادية نحو لبنان، برأيه.

خيبة أمل

من جانبه، يعتبر نائب التيار الوطني الحر أن مؤتمر بروكسل كرس نهج الضرر بمصلحة لبنان، “بينما نجد أن سوريا آمنة، وليس دورنا أن نتحول إلى أداة أوروبية للضغط على الحكومة السورية”، حسب قوله. ويتحدث عن عمل تشريعي جارٍ بأروقة البرلمان، لإقرار قوانين إضافية تلزم الإدارات والأجهزة الأمنية بإعادة السوريين.

ويلفت أبي خليل إلى أن تياره لن يترك الساحة الخارجية، وأنهم يتواصلون مع سياسيين أوروبيين يعارضون نهج الاتحاد بإدارة ملف اللجوء، ويسعون إلى توسيع دائرة المؤيدين لموقفهم. ويعرب عن استغرابهم كفئة سياسية وطائفية، من “قبول فرنسا وألمانيا، كصديقتين للشعب اللبناني بتهديد هوية لبنان ووجوده وديمغرافيته”.

ويقول إن لبنان “لن يعمل خفر سواحل بخدمة حماية دول جنوب أوروبا من قوارب المهاجرين على حساب سيادته”.

من جهته، يفيد مسؤول جهاز الإعلام في حزب القوات اللبنانية شارل جبور، بأن لبنان اتخذ قرارات عملية، أمنيا وبلديا لإخراج كل سوري غير قانوني. وعبّر عن خيبة أمل القوات من مؤتمر بروكسل، قائلا “كنا نأمل لو أعلن تعزيز دعم السوريين ببلدهم”.

وتحدث عن تصاعد المخاطر الأمنية والاجتماعية والسياسية والديمغرافية داخل لبنان، واعتبر أن “ثمة تمييزا لديهم بين الموقف السياسي الثابت وغير المتردد ضد النظام السوري وحليفه حزب الله”، لذا “ندعو إلى إعادة اللاجئين حتى يتحملوا مسؤولية ونتائج الحرب التي تسببوا بها”، وفق تعبيره.

وبرأي جبور، فإن نسبة كبيرة من السوريين بلبنان تؤيد النظام السوري، ودعاها إلى العودة إلى مناطقه. في حين تعتبر منظمات حقوقية أن نتائج الخطاب المعادي للوجود السوري ستكون كارثية على الشعبين، وسط انسداد أفق الحل في لبنان وسوريا.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *