يقترب قطاع النفط في السودان من الانهيار، بعد أكثر من 13 شهرا من الحرب، إثر حرق حقول وتوقف مصفاة التكرير الوحيدة، ومحطات ضخ، بالإضافة إلى تخريب أنابيب تصدير خام نفط دولة جنوب السودان، ما يزيد متاعب الاقتصاد المنهك.
- ويعد السودان أصغر منتج في تحالف “أوبك بلس”، ويُنتج نحو 60 ألف برميل نفط يوميا قبل أن يتراجع إنتاجه بعد الحرب.
- وفقد السودان 3 أرباع قدرات إنتاجه النفطي إثر انفصال جنوب السودان في العام 2011.
ونقلت قوات الدعم السريع الحرب من المواجهات العسكرية في الجبهات إلى حقول النفط في إقليمي دارفور وكردفان، ومنشآت مصفاة التكرير في شمال الخرطوم.
وقال وزير الطاقة والنفط محي الدين محمد سعيد، لوكالة الأنباء السودانية الرسمية، إن إعادة تأهيل قطاع النفط الذي جرى تدميره خلال الحرب يكلف 5 مليارات دولار، مشيرا إلى تدني الإنتاج النفطي طوال هذه الفترة، ما أدى إلى فقدان حوالي 7 ملايين برميل نفط حُرمت البلاد من إنتاجها بسبب الحرب.
وأوضح الوزير أن الأضرار في قطاع النفط شملت المنشآت النفطية ومحطات الكهرباء، وفقدان الخام النفطي والمشتقات النفطية في المستودعات الإستراتيجية من إنتاج مصفاة الخرطوم.
وزير الطاقة والنفط السوداني: إعادة تأهيل قطاع النفط الذي جرى تدميره خلال الحرب يكلف 5 مليارات دولار
تفاصيل خسائر قطاع النفط السوداني
طالت الحرب حقل بليلة في ولاية غرب كردفان، الذي ينتج 16 ألف برميل من الخام يوميا، واحترق مطار بليلة بالكامل، ونُهبت مكاتب الشركات، ودمرت قوات الدعم السريع جميع مرافقه، وشملت عمليات التخريب مكاتب شركة “بترو إنرجي” المالكة للحقل بالشراكة مع الشركة الوطنية الصينية.
وحسب تقرير رسمي، خرجت 10 حقول بولاية غرب كردفان من الإنتاج، منها دفرة، ونيم، وأم عدارة، وموقا، وبرصاية، في وقت تعرضت فيه الآبار النفطية للتخريب.
وفي إقليم دارفور استهدفت قوات الدعم السريع الحقول النفطية، وهاجمت حقل سفيان بولاية شرق دارفور، كما تم نهب مخازن الشركات، ومحطات الكهرباء، ودمرت آليات النفط في الحقول.
وتسببت الهجمات في إيقاف الإنتاج النفطي بحقل سفيان، وشمل التخريب حقول شارف، وأبو جابرة، وزرقة أم حديد، وطال النهب السيارات والأثاث، والكوابل الخاصة بالآبار، وسكن العاملين ومخازن قطع الغيار ومحطات الكهرباء.
وكانت آخر الحوادث حرق أجزاء من حقل لإنتاج النفط في منطقة زرقة أم حديد، حيث التهمت النيران أكبر الآبار إنتاجا الأسبوع الماضي بالكامل.
وقالت قيادات أهلية إن ما حدث هو عمل تخريبي، القصد منه تعطيل آبار النفط وتدميرها بالمنطقة.
مصفاة الجيلي
كانت مصفاة الجيلي لتحرير النفط (70 كيلومترا شمال الخرطوم) أول المواقع التي استولت عليها قوات الدعم السريع منذ الأيام الأولى للحرب، لأنها كانت تشارك في حراستها، وذلك لقربها من إحدى قواعدها، إذ تبعد عنها حوالي 7 كيلومترات.
وتعد الجيلي من كبريات المصافي في السودان، وترتبط بخط أنابيب للتصدير بميناء بشائر على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان بطول 1610 كيلومترات، وتبلغ طاقتها الإنتاجية 100 ألف برميل يوميا، وتنتج نحو 10 آلاف طن من الغازولين و800 طن من غاز الطهي يوميا.
وتعرضت المصفاة للتخريب، خصوصا في مستودعات النفط ومكاتب الشركات، وطال تبادل القصف جانبا من مركز التحكم ومستودعات المشتقات الإستراتيجية، وجزءا من خط الأنابيب، وتقدر خسائر التوقف بنحو 5 ملايين دولار يوميا.
ويستفيد السودان من عائدات النفط الذي تُنتجه جارته الجنوبية، إذ تحصل الخرطوم على رسوم مقابل نقل نفط جنوب السودان (170 ألف برميل يوميا) عبر خط الأنابيب السوداني إلى ميناء بشائر على ساحل البحر الأحمر.
وأعاقت قوات الدعم السريع الروابط اللوجستية وأنابيب النقل بين حقول النفط في جنوب السودان والميناء، وسيطرت على منطقة العيلفون في شرق الخرطوم، التي توجد بها إحدى محطات ضخ نفط الجنوب، مما أدى إلى توقف الضخ.
وقال وكيل وزارة النفط السودانية الأسبق وليد الأسد إن الحرب ألحقت بقطاع النفط خسائر كبيرة في أقسامه الثلاثة (حقول الإنتاج وأنابيب النفط ومصفاة الخرطوم).
ويوضح الأسد، في تعليق للجزيرة نت، أن الإنتاج في حقول النفط تراجع بشكل كبير، في حين خرج حقل بليلة بولاية غرب كردان وما جاوره عن الخدمة.
وأشار إلى أن الإنتاج يقتصر حاليا على حقل هجليج، الذي تراجع إنتاجه من 35 ألفا إلى 18 ألف برميل في اليوم، بينما توقفت كل عمليات الحفر والصيانة للآبار ومنشآت المعالجة النفطية، وتقدر خسائر الإنتاج بمليوني دولار يوميا.
ويقول الأسد إن الحرب تسببت في تفاقم المشاكل اللوجستية لتشغيل محطات الضخ الموزعة على طول خط الأنابيب، مما أدى إلى تصلب الخام وحدوث تهتكات بجدار الأنبوب، وتوقف الضخ كليا من “مزيج الدار” المنتج في دولة جنوب السودان، والذي يشكل تصديره 60% من إجمالي الناتج القومي لدولة الجنوب، وبذلك يفقد السودان مليون دولار يوميا هي رسوم عبور ومعالجة نفط دولة جنوب السودان.
ويضيف الأسد أن تبادل النيران داخل وحول المصفاة دمر جزءا مقدرا من آلياتها ومستودعاتها، ما أدى إلى خروجها كليا عن الخدمة منذ أكثر من 7 أشهر، وبذلك فقد السودان مصدرا رئيسيا كان يوفر 32% من جملة احتياجاته النفطية.
وأشار إلى أنه لتعويض هذا النقص يحتاج السودان إلى حوالي 200 مليون دولار شهريا لتمويل استيراد المشتقات النفطية.
ولدرء الخسائر وإعادة تشغيل صناعة النفط يعتقد الأسد أن الأمر يتطلب مسحا هندسيا دقيقا لتقدير تكلفة إعادة المنشآت إلى التشغيل، لكن التقديرات المبدئية، يضيف المتحدث، لا تقل عن ملياري دولار.
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي هيثم فتحي إن توقف إنتاج النفط أدى إلى تحمل الدولة كل تكاليف استمرار التيار الكهربائي منذ عام تقريبا.
وحسب حديث الخبير للجزيرة نت، فإن استمرار الحرب ودخولها العام الثاني، بجانب توسيع رقعة التدمير الممنهج للبنى التحتية لقطاع النفط، يدفع القطاع إلى نفق مظلم لن يكون الخروج منه أمرا ممكنا قريبا.
ويعتقد المتحدث ذاته أن ما جرى سيُسبب للسودان معاناة كبيرة، ويضيف أن الأضرار المحتملة ستكون ضخمة اقتصاديا وبيئيا وبشريا تطال العاملين داخل المنشآت النفطية وخارجها.