هل تخضع رئيسة المفوضية الأوروبية لمحاكمة دولية بسبب إسرائيل؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

باريس- وقّعت المئات من الشخصيات الأوروبية والأميركية البارزة على بلاغ مقدم إلى مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية يتهم رئيسة المفوضية الأوروبية المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بالتواطؤ في عدد من انتهاكات القانون الإنساني الدولي التي ترقى إلى مستوى الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة.

ونشرت “مجموعة الحقوقيين من أجل احترام الالتزامات الدولية” في فرنسا و”معهد جنيف الدولي لأبحاث السلام” وثيقة مشتركة مكوّنة من 27 صفحة ـحصلت الجزيرة نت على نسخة منهاـ تكشف تقديم حقائق وأدلة عن “الأسباب المعقولة” للاعتقاد أن الدعم غير المشروط الذي تقدمه المواطنة الألمانية أورسولا فون دير لاين لإسرائيل مكّنها من ارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة.

كما تدعو المذكرة القانونية، المقدمة عملا بالمادة 15 من نظام روما الأساسي للجنائية الدولية، المدعي العام كريم خان إلى بدء التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات والحقائق المقدمة ضد رئيسة المفوضية الأوروبية.

فون دير لاين قبل منصبها الحالي كانت تشغل منصب وزيرة الدفاع الألمانية (أسوشيتد برس)

دعم غير مشروط

ويحتوي البلاغ على مجموعة من الاقتباسات من تصريحات فون دير لاين السابقة، والتي يمكن اعتبارها -وفق الموقعين- مستوفية لجميع معايير “التواطؤ”، وتتمثل في المساعدة أو التحريض بأي شكل من الأشكال على ارتكاب أو محاولة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي لا تزال ترتكبها القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتعليقا على هذا الطلب الرسمي، أوضح الخبير في القانون الدولي جان بيير دوبان، أنه تم تدعيم الملف بمجموعة من المستندات إلى مكتب المدعي العام لفتح تحقيق.

ولفت دوبان إلى أن “رئيسة المفوضية الأوروبية والزعماء الغربيين هم الأكثر انخراطا وتصميما على تقديم أي شكل من أشكال الدعم غير المشروط لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وتعد فون دير لاين على رأس القادة الذين أظهروا أكبر قدر من الدعم العسكري والاقتصادي والمالي”.

وأضاف في حديث للجزيرة نت “أشرنا في نص الدعوى إلى اتفاقية الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي التي يعود تاريخها إلى عام 2001 والتي تنص على إمكانية التشكيك فيها أو تعليقها في حالة انتهاك حقوق الإنسان لأن الاتفاق مشروط باحترام هذا البند، لأن هناك خيطا رفيعا جدا بين المجرم المباشر الذي يقتل والشريك في الجريمة”.

وتابع دوبان قائلا “في المقابل، لم ترفض رئيسة المفوضية الأوروبية تعليق الاتفاق فحسب، بل إنها تفاوضت منذ عملية طوفان الأقصى على اتفاقيات دولية جديدة. إذن، نحن أمام دعم اقتصادي ومالي ضخم على اعتبار أن الاتحاد الأوروبي أحد أهم الشركاء الاقتصاديين لتل أبيب”.

ويذكر أن فون دير لاين، كانت وزيرة الدفاع في ألمانيا قبل توليها رئاسة المفوضية الأوروبية. وفي هذا السياق، تم توثيق تصدير برلين لنسبة كبيرة من الأسلحة إلى إسرائيل في عام 2023.

تواطؤ دبلوماسي

وبعد هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الزعماء الغربيين ضمان حرية إسرائيل في التصرف في ردها على هجمات المقاومة الفلسطينية. وتعتبر فون دير لاين واحدة من أولئك الذين استجابوا على وجه السرعة لهذه الدعوة تحت غطاء “الدفاع عن النفس”.

وفي تحليل لهذا التواطؤ، أشاد الأستاذ في “مدرسة جنيف للدبلوماسية” والخبير المستقل والمقرر السابق المعني بالنظام الدولي في الأمم المتحدة ألفريد موريس دي زاياس، بقوة الملف المقدّم إلى الجنائية الدولية.

وعزا ذلك “لأن اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 تتحدث عن التواطؤ، ويعني ذلك الدعم الذي يكون عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا ودعائيا وحتى ما نسميه الكراهية”. ووصف تصريحات فون دير لاين والعديد من مسؤولي الاتحاد الأوروبي بـ”الدفاع عن الإبادة الجماعية”.

ويرى الأستاذ الأميركي زاياس أن المفوضية الأوروبية “تمتلك نوعا من نشاط العلاقات العامة الصريح، ليس فقط لصالح إسرائيل، ولكن أيضا لصالح كل الأفكار التي أطلق عليها اسم “الاستعمار الجديد”. و”أن إسرائيل دولة مستعمرة احتلت أرضا فلسطينية بحتة وتسببت تدريجيا في الإبادة العرقية لشعب فلسطين”.

من جانبه، وصف المحامي الفرنسي دوبان، ذلك بـ”الدعم المعنوي والسياسي” لأن “الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني لم تكن لتحدث ـ على الأقل بهذه الفظاعةـ لو لم تُمنح تل أبيب الضوء الأخضر.

و”حتى لو اعتقد الجميع أن تأثير ودعم الولايات المتحدة هو الأكثر حسما، إلا أنه لا يجب إنكار قوة أوروبا التي لا تزال تحظى بوزن كبير على الساحة الدولية” على حد تقدير دوبان.

وفي ظل رفض إسرائيل الامتثال للقانون الدولي ولأوامر المحاكم الدولية، يرى المقرر السابق للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ريتشارد فولك، في حديث للجزيرة نت، أن أحد أدوار المحاكم الدولية هو توعية المجتمع المدني. ويبدو أن اهتمام الناس بالتاريخ والأخلاق له تأثير فعال أكثر من المؤسسات وحكومات الدول ذات السيادة التي فشلت في حماية الشعب الفلسطيني والوفاء بالتزاماتها بمنع الحرب”.

ريتشارد فولك، مقرر سابق للأمم المتحدة معني بحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وناشط سلام يهودي أميركي ــ المصدر: خاص للجزيرة نت (أرسلها لنا ويمكننا نشرها)
ريتشارد فولك المقرر السابق للأمم المتحدة: إسرائيل تجد نفسها مارقة ومنبوذة والأكثر رفضا في التاريخ الحديث (الجزيرة)

تجاوز وظيفي

وفي الوقت الذي وُصفت فيه مواقف الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل بـ”الأكثر توازنا” في الصراع الحالي، يجد الموقعون على المذكرة القانونية أن فون دير لاين، تدخلت في مهام بوريل لفرض أجندتها الداعمة لإسرائيل.

وفي هذا الإطار، أشار الأستاذ في مدرسة جنيف للدبلوماسية موريس، إلى أن “رئيسة المفوضية الأوروبية تتحدث نيابة عن الاتحاد الأوروبي على أساس أخبار كاذبة وتركز على هجوم السابع من أكتوبر متجاهلة أن حصار قطاع غزة غير القانوني بدأ عام 2007. لذا لا يجب غض الطرف عن حق هذا الشعب في الدفاع عن نفسه وانتهاكات المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949”.

وأكد موريس أنه “بفضل قناة الجزيرة ووسائل الإعلام الأخرى التي تنشر الأخبار المثبتة، ينتشر الوعي بين عامة الناس لتسليط الضوء على موضوع التواطؤ في الإبادة الجماعية”.

ومشددا على حقيقة أن فون دير لاين تجاوزت واجباتها الموكلة إليها كرئيسة للمفوضية، أوضح دوبان أن “منصبها لا يخولها مسؤولية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي لأن هذه المهام تقع ضمن اختصاص بوريل الذي حذر على الفور من انتهاكات إسرائيل للقانون الإنساني الدولي وأدانها في وقت مبكر جدا، كما أنه ذهب إلى حد التساؤل بشأن وقف تسليم الأسلحة إلى إسرائيل”.

بدوره، يعتقد المقرر السابق ريتشارد فولك، أن فشل المؤسسات والحكومات في حماية حقوق الفلسطينيين أتاح “فرصة ومسؤولية التصرف للمجتمع المدني لممارسة نفوذه وتحدي ما تفعله حكوماتهم”، واصفا التخبط الذي تعيشه تل أبيب في الفترة الأخيرة بـ”أكثر أعمال التدمير الذاتي” التي اتخذتها إسرائيل على مدار تاريخها بأكمله، لتجد نفسها اليوم “دولة مارقة ومنبوذة والأكثر رفضا في التاريخ الحديث”.

ومن المتوقع أن تستدعي المحكمة الجنائية الدولية فون دير لاين لتبرير موقفها، ثم سيعود القرار إلى المدعي العام في المحكمة لإعلان الأمر بفتح تحقيق أم لا.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *