توفي اليوم السبت الشاعر الأردني زياد العناني (1962) بعد معاناة طويلة مع المرض.
ونعت وزيرة الثقافة الأردنية الشاعر الراحل وقالت إن الشاعر العناني “كان سباقا إلى الأفكار الرائعة والجميلة في هذه الحياة، وكان كثير التأمل والوعي الثقافي، ونافذ الرؤية تجاه مفردات الكون والحياة والإنسان، فكان من الطبيعي أن يقدم لنا روائع أشعاره فيما ترك لنا من دواوين غلب عليها الحس الفلسفي والفكر العميق”.
والشاعر الراحل عرف بقصائده التي كثيرا ما تأتي في بساطة مدروسة بدقة، حتى أنها تبدو أقرب إلى فيض هادئ حتى في تناول المعقد الصعب هي أيضا حافلة بالرموز التي تعود فتجعل -وبالشكل المدروس نفسه- من بعض “بسيطها” أكثر تعقيدا مما قد يبدو لنا.
وفي كثير من قصائد زياد العناني إدانة لعالم هو في الغالب عالمنا الشرقي ولعصر بدا عنده حافلا بالآمال والآلام وبأنواع النضال والتضحيات ليتحول إلى ما يشبه مكانا للخيبات ولإذلال الإنسان.
وتميزت مجموعة شعرية للعناني بعنوان “شمس قليلة” بما تتسم به قصائد الشعر الوجداني من قدرة على التدرج شبه القصصي، وموسيقى داخلية ذات نبض يمتزج فيه الحلم بالسوداوية.
من القصائد الأولى بالمجموعة التي ضمت 43 قصيدة نص “الطاغية”. وتأتي هذه القصيدة في جو يشبه الأجواء الروائية التي تتحدث عن دكتاتوريي أميركا الجنوبية وسقوطهم الذي يكشف عن نمور من ورق، وهي تحمل وبتصويرية الواقعي جنبا إلى جنب مع الرمزي.
وبعض أجواء المجموعة تختصر في قصيدة “أعمال ليس” وفيها يقول:
ليس لي بلد
ليس لي قبر
وليس لي حتى امرأة
إذا مت تركض في الفراغ
مبددة
نعيها
وتبرز قدرة الشاعر على خلق كثير من الرسوم شبه الغرائبية في مجالات عديدة، عن المفجع الذي يوزع بعدل أو ما يشبه العدل على القاتل والقتيل، حيث يقول في قصيدة “سنة الحياة”:
كل قتلاي الآن
من تراب
الأول الذي سرق حبيبتي
والخامس الذي خلع أظافري
والسادس الذي كان يضحك وهو يلعب في دمي
كل قتلاي الآن
من تراب
وأنا في المصحة
أشرب جرعتي
وقد تميزت القصائد بتلك الأجواء التي يصعب تحديد عناصرها، وهي تنقل القارئ إلى تلك المتعة الغريبة التي يجدها أو كان يجدها بقصص الأحزان القديمة التي تعلق بالنفس وتتداخل فيها الطفولة بالشباب المولي، وبالوحدة والوحشة تحيطان بشيخوخة هادنت الدمع بل استخفت به.
وفي مجموعة شعرية أخرى بعنوان “زهو الفاعل” أورد الشاعر الراحل قصائد تحت “أرقام” واقتصر في الأولى على القول: تخيلت كرسيا فسال دمي.
أما تحت الرقم الثاني فكانت القصيدة اطول من الأولى. قال:
حين أعود إلى بدء الجريمة الأولى
أكره رأسي
وأغرس كل مخالبي
في وجه المحبة
قاتلتهم دهرا ثم قتلوني
وتحت الرقم 5 يقول بخيبة وحزن عميقين لا يتزحزحان”
ماذا أحكي عن بلاد ضيعتها
مثل قرش الطفولة
ضاع الحلم
وضاعت قطعة الحلوى.
وفي الرقم السابع تتسع الإدانة عنده فيقول:
في الشرق
يقف الرب مع الحكام
ويتركنا غلابى ومعذبين
نهتف ونركض في نشاطهم.
وتحت الرقم 9 يصور حالة “تاريخية” من الاستضعاف والظلم كأن الفقراء والطيبين المستوحدين في هذا العالم قد خصوا بها أكثر من غيرهم.
قال:
بدؤوا بالضرب واحدا واحدا
ليس جديدا أن يضربني عتاولة الوطن كي أعترف
ليس جديدا فحينما كنت طفلا
كان الأطفال يتمرسون في لطمي
فأسقط مغشيا على رأسي
من غير أن يعرفوا فضيحة أنني قد جئت إلى الدنيا أخرس.
وفي القصيدة التي حملت رقم 10 وفي جو اشتداد للإدانة قال زياد العناني:
قلما يخطئ القائد في إطعام المقابر
وهي تبتسم
قلما كان يقلل من شأن الدم
حين يتجمد أو حين يسيل
في حرب دمنا
هيأنا عبر المذياع
وذكرنا بالبطولة التي لا تقرن بتهمة الحياة
فنلنا الشهادة مبتسمين
ومشينا في جنازة مهيبة
لم يقطعها أحد
حتى الرب الطيب كان حاضرا
مثلما قالت أمي التي رأته
وهو يسير في المقدمة.
وفي الرقم 13 يتنقل الشاعر بين الشخصي والعام ليصور الخيبة والبؤس و”اليتم” الوطني، يقول:
قضى العمر
وهو يعب من نشواتها التي تذهب العقل
وحين صحا
تذكر أن الزوجة التي طلقها تزوجت
وأن الابن صار أبا له
وأن البيت مجرد زاوية عمياء
وأن الدولة/حرمته من التأمين الصحي
فبكى
ثم تبسم على هيئة جرح
وطني.
وتحت عنوان “ذكريات” يرسم صورة للواقع الانساني والروابط الإنسانية لا تشديد فيها على الاقتصاد والسياسة والتقاليد وغير ذلك. إنها عنده أبسط وأعمق من ذلك كله. يقول:
ليست الأرض
وليست اللغة ما يربط بيننا
إنها الذكريات التي تجعل من أمي أمي.
وفي “ركب من شبه لهم” قال زياد العناني في تكثيف للأحزان:
كأن لا شاعر بلا شر يتبعه
كأن بي حزن من خرجوا من الحرب
وحزن من عادوا إليها
كأنني الزلزال حين يضحك من علوم الهندسة
كأنني طبق صورته
كأنني بت أنفخ وأطرح كل مهاراتي في ليل الأرض
لكي تبكي.