نشرت مجلة فورين أفيرز الأميركية مقالا للمحللة السياسية داليا شيندلين، تناولت فيه تباين مواقف الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة تجاه حرب إسرائيل على قطاع غزة، وكيف أنها أدت إلى استفحال الانقسام بين القوى السياسية والاجتماعية في البلدين.
وكتبت شيندلين أنه على الرغم من أن واشنطن تتباهى بإرثها المتمثل في دعم أحزابها السياسية لإسرائيل، إلا أن واقع الحال يدل على أن هناك فجوة حزبية تزداد اتساعا بمرور السنوات.
اقرأ أيضا
list of 2 items
إنترسبت: منظمة أميركية “غير ربحية” تموّل وحدة عسكرية إسرائيليةإنترسبت: منظمة أميركية “غير …
الغارديان تفضح التعذيب الذي يتعرض له غزيون بمعتقل إسرائيليالغارديان تفضح التعذيب الذي …
end of list
وأوضحت أن العديد من الناخبين الديمقراطيين، والأميركيين الشباب عموما، ينتقدون إنكار إسرائيل المتواصل لحقوق الإنسان الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره. وقد أدت سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشعبوية وغير الليبرالية، وحلفائه في الائتلاف “الديني” الحاكم إلى زيادة عزلتهم، وفق المقال.
ومن ناحية أخرى، ذكرت شيندلين -التي تعمل أيضا باحثة في مؤسسة سنشري الدولية، وكاتبة عمود في صحيفة هآرتس- أن أنصار الحزب الجمهوري والعديد من المحافظين المتدينين ينظرون إلى دعمهم إسرائيل، وتأييدهم المطلق لحكوماتها اليمينية، على أنه قضية إيمانية واختيار سياسي.
انقسام
ووصفت شيندلين امتناع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن إرسال شحنة أسلحة كبيرة إلى الجيش الإسرائيلي، بأنه أكبر خطوة تتخذها الولايات المتحدة منذ عقود لكبح جماح إسرائيل.
وأشارت إلى أن هذه الخطوة أكدت على شيء آخر أيضا، وهو وجود انقسام حزبي آخذ في الازدياد داخل الولايات المتحدة بشأن إسرائيل، مضيفة أن قادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس والعديد من الناخبين الديمقراطيين يعتقدون أن الإدارة الأميركية كانت متساهلة جدا إزاء تصرفات إسرائيل في الحرب التي يرون أنها ساهمت في تفاقمها بدعمها العسكري والمالي والسياسي الجارف لدولة الاحتلال.
وعلى الجانب الآخر، وجَّه عشرات الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس انتقادات لاذعة لقرار بايدن بشأن تأجيل إرسال الأسلحة، ووصفوا الرئيس الأميركي بأنه “بيدق” لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، و “صديق سيئ لإسرائيل”، حسب مقال فورين أفيرز.
وأفادت شيندلين -وهي خبيرة في استطلاعات الرأي تقيم في تل أبيب- أن قراءة الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة للعلاقة الثنائية بين واشنطن وتل أبيب لا تقتصر على الجانب الأميركي وحده، فالإسرائيليون أظهروا أنهم يفضلون المرشح الجمهوري دونالد ترامب على خصمه بايدن بهامش واسع من الأصوات.
وأضافت أنه ليس من الواضح أن هؤلاء الإسرائيليين قلقون كثيرا من حدوث قطيعة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، أو أن التحدي الإسرائيلي قد يعرض للخطر يوما ما المساعدات العسكرية الكبيرة التي تعتمد عليها تل أبيب.
توتر قديم
على أن كاتبة المقال تزعم أن التوتر المتزايد بين الإسرائيليين والأميركيين لم يبرز إلى حيز الوجود مع الحرب المستعرة في غزة.
وتوحي تطورات الأحداث الاجتماعية والسياسية طويلة الأمد في كلا البلدين أن “القيم المشتركة” المعروفة التي كانت لعقود من الزمن تدعم العلاقة بينهما كانت ترزح بالفعل تحت وطأة ضغوط، لم تسترسل شيندلين في سرد تفاصيلها.
غير أنها تشير إلى أن الحرب قد أبرزت إلى العلن هذا التوتر، والسياسات الحزبية التي تحركه. وهذا لا يعني -كما تقول- أن البلدين على مسار تصادمي، لكنه يثير أسئلة مهمة حول طبيعة التحالف في السنوات القادمة.
ولفهم أهمية هذا التوتر، من المهم –برأي الكاتبة- التذكير بأن التحالف الأميركي الإسرائيلي سبق له أن تجاوز العديد من الخلافات على مر العقود. ففي الماضي، اعتبر كل طرف أن العلاقة بينهما اتسمت في الأصل بالمتانة بما يكفي لامتصاص التوترات أو حتى الأزمات.
ولفتت شيندلين إلى أن استطلاعات الرأي -حيثما توفرت- دلت على أن الإسرائيليين طالما أذعنوا للأميركيين عندما يطالبونهم بتقديم تنازلات كبيرة تثير جدلا، بغض النظر عمن كان في البيت الأبيض.
ومع ذلك، فإن هذه الأدلة لا تصح في كل الأحوال اليوم، حيث يؤكد المقال أنه على الرغم من الدعم الكاسح الذي قدمه بايدن لإسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول وطوال فترة الحرب، فإن الإسرائيليين لم يظهروا سوى تأييد فاتر له.
سخط الديمقراطيين
في الأشهر التي سبقت إعلان بايدن عن تأجيل شحنة الأسلحة، كان استياء الديمقراطيين من الحرب الإسرائيلية على غزة في أوجه. وكان أعضاء الكونغرس التقدميون يضغطون على إدارة بايدن لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد سياسات نتنياهو.
وفي مارس/آذار الماضي، قام زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر -وهو ديمقراطي ومؤيد معروف لإسرائيل- بانتقاد نتنياهو علنا والدعوة إلى إجراء انتخابات إسرائيلية مبكرة.
وكانت قطاعات من الناخبين الديمقراطيين، وخاصة الأميركيين الأصغر سنا والمنتمين إلى اليسار، قد أبدوا على الأقل نفس القدر من الانتقاد للحرب، طبقا للمقال.
غير أن هذه التطورات تعكس أيضا اتجاهات طويلة الأمد في الرأي الأميركي حول إسرائيل، من وجهة نظر الكاتبة التي تعتقد أن من المهم ملاحظة أن أغلبية راسخة من الأميركيين تدعم إسرائيل.
استطلاعات الرأي
وقد أشار نتنياهو نفسه إلى استطلاع للرأي أجراه مركز هارفارد كابس/هاريس في مارس/آذار، والذي أظهر أن 82% من البالغين الأميركيين يدعمون إسرائيل على حماس في الحرب الحالية. وفي الشهر الذي تلاه، وجد استطلاع أجراه نفس المركز أن 52% من الأميركيين أبدوا تأييدهم أو تأييدهم الشديد لإسرائيل مقارنة بـ16% فقط للسلطة الفلسطينية و14% لحماس.
ورغم ذلك، أصبح الأميركيون ينتقدون بشكل متزايد السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. ووفقا لاستطلاع غالوب، انخفضت النسبة الإجمالية للأميركيين الذين يؤيدون إسرائيل على الفلسطينيين من 64% في عام 2018، إلى 51% فقط في أوائل عام 2024.
وبما أن الرأي العام متقلب الأهواء، فإن شيندلين تشدد على أنه لا ينبغي أن تقود الاستطلاعات السياسة. واستندت في ذلك على ما ادّعاه السفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن، مايكل أورين، من أن رأي الجمهور الإسرائيلي حول الولايات المتحدة ليس مؤثرا جدا على صانعي السياسة الأميركية.
وعلقت المحللة السياسية في مقالها على هذا التصريح بأن رأي الجمهور في إسرائيل قد يكون له تأثير غير مباشر لأنه يلقي بظلاله على الرأي العام لليهود الأميركيين.
ومع أنه من غير المعروف حتى الآن إلى أين تتجه العلاقات الأميركية الإسرائيلية، خاصة في ظل استمرار الحرب والاضطرابات داخل دولة الاحتلال، فإن شيندلين تعتقد أنه إذا تباعدت القيم الجوهرية للولايات المتحدة وإسرائيل أكثر، فإن الجيل القادم من القادة في كلا البلدين قد لا يرى أن “أرواحهما متآلفة”، ومن ثم، قد لا تعود “العلاقة الخاصة” بينهما إلى سابق عهدها.