لندن- بإعلان النرويج وإسبانيا وأيرلندا اعترافها -أمس الأربعاء- رسميا بدولة فلسطين، يزداد الاهتمام بالدول التي قد تحذو حذوها، رغم الغضب الإسرائيلي الواضح على هذه الخطوة. وسيكون لاعتراف أيرلندا تأثير داخلي خارجي.
فعلى المستوى الداخلي، سيطلق يد المؤسسات المتضامنة مع الحق الفلسطيني للتحرك أكثر، أما خارجيا فما يحدث بهذه الجمهورية يلقي بظلاله على جارتها أيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة، وعلى أسكتلندا، مما يسيتبعه بالضرورة فتح نقاش في لندن أيضا.
ويُتوقع أن يعيد اعتراف أيرلندا بدولة فلسطين النقاش وبقوة إلى البرلمان البريطاني خصوصا بعد إعلان وزير الخارجية ديفيد كاميرون -قبل أسابيع- أن بلاده تنظر بجدية لذلك، مع تزايد الضغط من الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي كان أول حزب بريطاني يتقدم بمشروع الاعتراف بدولة فلسطين إلى البرلمان.
نقاش جدي
يعتبر هوغ لافات، الخبير بالعلاقات الدولية في المعهد الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن القرار الأخير لأيرلندا سيفتح نقاشا جديا حول الاعتراف بفلسطين في بريطانيا، خصوصا وأن “وزير الخارجية فتح الباب للأمر عندما قال إن بلاده قد تقدم على الاعتراف عندما تنضج الأسباب لذلك”.
ونبه لافات -في حديثه مع الجزيرة نت- إلى أن الاعتراف الأيرلندي من المتوقع أنه لن يكون رمزيا بالنظر إلى تاريخ أيرلندا.
وقال إن هذا الاعتراف سيدفع الأمور للحديث عن حل الدولتين بناء على القانون مع وجود مقتضيات واضحة حول الحدود، التي بدونها، سيبقى الحديث عن دولة فلسطين دون أي وزن سياسي أو قانوني “ويمكن أن تعيدنا لتصور الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن دولة فلسطينية مشتتة المناطق بين غزة والضفة الغربية”.
ويؤكد لافات أن بريطانيا سيكون عليها ضغط أكبر خصوصا وأن دولا أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا مرشحة لأن تعترف بدولة فلسطين خلال المرحلة المقبلة.
ولا يخفى السياق السياسي في بريطانيا الموسوم بقرب حدوث تغيير بالحزب الحاكم مع إجراء الانتخابات العامة بداية يوليو/تموز المقبل، والتي من المنتظر أن يظفر بها حزب العمال وهو أقرب لمسألة الاعتراف بدولة فلسطين مقارنة بحزب المحافظين.
في المقابل، شدد لافات على أهمية ما تقوم بريطانيا حاليا من فرض عقوبات على الشخصيات التي تدعم الاستيطان ودعم تحقيق المحكمة الجنائية الدولية حول المستوطنات وإمكانية فرض عقوبات على الشركات التي تتعامل مع المستوطنات.
وبرأيه، فإن كل هذا سيمنع سياسة الأمر الواقع التي تريد إسرائيل فرضها، لكن تبقى خطوة الاعتراف بدولة فلسطين مهمة جدا وضرورية.
خلفية تاريخية
من جهتها، أثنت السياسية الأسكتلندية إيفون ريدلي على قرار الاعتراف، معبرة عن أملها في أن تحذو دول أوروبية أخرى حذو الدول الثلاث التي أعلنت اعترافها بدولة فلسطين.
وحول الموقف الأيرلندي من القضية الفلسطينية، أكدت ريدلي -في حديثها للجزيرة نت- أن للأمر خلفية تاريخية راسخة تنطلق من المشترك مع الشعب الفلسطيني، والاحتلال الذي عانى منه ولا يزال الشعب الأيرلندي الذي ما زال يطمح للاستقلال والوحدة “وهو ما تتقاسمه معه أسكتلندا”.
وأضافت القيادية في حزب “ألبا” الأسكتلندي -المنادي بالانفصال عن المملكة المتحدة- أن الخلفية التاريخية مهمة في فهم الموقف الأيرلندي “لأنه شعب عانى من مصادرة حقه في تقرير مصيره واستقلاله، مما يجعله الأكثر تفهما وتضامنا مع الشعب الفلسطيني الذي يخوض معركة وجود يومية على أرضه من أجل البقاء والحفاظ عليها”.
وعبرت عن أملها في أن تتخذ الحكومة الأسكتلندية الخطوة نفسها، مستبعدة ذلك بسبب ما قالت عنها ورقة الرفض التي ستشهرها الحكومة المركزية في لندن التي تؤيد -بشكل غير مسبوق- الاحتلال الإسرائيلي وتدعم الجرائم التي يرتكبها في قطاع غزة.
توافق
ورغم عقبة “الفيتو” البريطاني على أي قرار أسكتلندي، إلا أن ريدلي أكدت أن هذا لا يغير من واقع أن النخبة السياسية والمزاج الشعبي في أسكتلندا داعمان للقضية الفلسطينية ويؤيدان الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لأنه في الذاكرة السياسية والشعبية بأسكتلندا لديهم أيضا “نكبتهم الخاصة” ويعون عذابات التهجير ومصادرة الأرض التي يكابدها الفلسطينيون.
وقالت السياسية الأسكتلندية إنه في حال الحصول مستقبلا على استقلال بلدها فإنه بشكل مباشر وتلقائي سيتم الاعتراف بدولة فلسطينية، لأن هناك توافقا سياسيا بهذا الشأن، ومطالبات من أعضاء في البرلمان لرئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بذلك، على غرار بعض الدول الأوروبية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وجّه رئيس الحكومة الأسكتلندية المستقيل حمزة يوسف طلبا للسلطات البريطانية في هذا السياق، ولكن حكومة لندن تربطها شبكة مصالح قوية بإسرائيل، وهناك لوبي إسرائيلي نافذ يدافع عن مصالح تل أبيب في بريطانيا.