أبوجا– في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة، تبنت مجموعة دول غرب إفريقيا (إيكواس) مبادرة طموحة لإنشاء قوة مكافحة “الإرهاب” الإقليمية، في ظل الحاجة الملحة لاستعادة الأمن ومنع تفشي الإرهاب من منطقة الساحل إلى الدول المطلة على البحر في خليج غينيا.
ويهدف المشروع، الذي تم اعتماده في القمة رقم 62 لرؤساء الدول والحكومات في إيكواس -التي عقدت بالعاصمة النيجيرية في 4 ديسمبر/كانون الأول 2022- إلى توحيد الجهود وتعزيز القدرات الإقليمية في مواجهة التهديدات المتنامية بحسب التصريحات الرسمية.
وأوضح مفوض إيكواس عبد الفتاح موسى -في مؤتمر صحفي بعد جلسة استشارية عُقدت في أبوجا يوم السابع من مايو/أيار الجاري- أن المستودع اللوجستي لإيكواس في منطقة لونجي قد تم تجهيزه بنسبة 98%.
ومن المنتظر أن يدعم المستودع بنشاطٍ العمليات العسكرية ضد “الإرهاب” بمنطقة غرب أفريقيا، مما يعزز قدرات إيكواس في تنفيذ مهام دعم السلام ومكافحة “التطرف العنيف” معتمدة كليًا -للمرة الأولى- على خبرائها.
وقد ورد بالتقرير الرسمي لمنظمة إيكواس، لعام 2023، أنّ منطقة غرب أفريقيا تتصدر المشهد العالمي كمركز لتصاعد الأنشطة “الإرهابية” مع تسجيل أكثر من 3500 هجمة “إرهابية” عام 2023 وحده، مخلفة نحو 7 ألف ضحية. وهذه الهجمات لم تكن مقتصرة على خسائر بشرية فحسب، بل تسببت في أزمات إنسانية واسعة النطاق، حيث نزح 2.4 مليون شخص وأغلقت نحو 9 آلاف مدرسة، مما عمّق من معاناة المنطقة.
على الرغم من الجهود الدولية المستمرة، فشلت الإستراتيجيات السابقة في القضاء على “الإرهاب” -أو إضعافه- بفعالية بحسب مراقبين.
وواجهت المبادرات الإقليمية (مثل مجموعة الساحل الخماسية) والمبادرات الفرنسية (عبر عمليات مثل سرفال وبرخان) وصولًا إلى تاكوبا، بل حتى الوجود الأميركي المُكثف بالساحل، تحديات كبيرة لجهة الفجوات الإستراتيجية بين الأهداف المعلنة والإجراءات المطبقة.
أهمية التوقيت
انتقادات عديدة وُجهت لهذه المبادرات باعتبارها تفتقر للفهم العميق للديناميكيات المحلية، وأنها تخدم أجندات خارجية أكثر من تعزيز الأمن الإقليمي. ودفعت هذه الفجوات دولًا مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو إلى الانسحاب من مجموعة الساحل الخُماسية وتقليص التعاون مع فرنسا، مما أشار إلى تغييرات جذرية في النهج تجاه مكافحة ما يسمونه لإرهاب.
ويقول محمدن الحبيب آيب، الباحث المتخصص في الساحل والجماعات المسلحة -للجزيرة نت- إن المبادرة الأخيرة من إيكواس تحمل أهمية بهذا التوقيت. وأشار إلى أن التنظيمات مثل القاعدة غرب أفريقيا و”الدولة الإسلامية” بالساحل قد بدأت تنفيذ ما تعتبره “المرحلة الأولى” لتأسيس دولتها، التي تتضمن إجراءات مثل تطبيق الحدود، وتشكيل هياكل إدارية، وحتى محاولات سك نقود ذهبية.
ويعتبر آيب هذه الخطوة من إيكواس ضرورية ومتأخرة، مؤكدًا حاجة المنطقة لتوحيد الموارد المالية والاستخباراتية لمواجهة مشروع الدولة لدى الجهاديين بمنطقة الساحل والصحراء بفعالية، على غرار إحباط المجتمع الدولي مشروع تنظيم الدولة في العراق والشام بعد قتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي.
ميزات وتحديات
ويرى الخبير الأمني موسى تشانغاري الأمين العام لمؤسسة “فضاء المواطن البديل” أنه بالإضافة إلى أعضاء إيكواس، يمكن إدراج دول مثل تشاد وموريتانيا والجزائر بالمبادرة، نظرًا لأهميتها في تعزيز الأمن ومنع انتشار “الإرهاب” من منطقة الساحل إلى السواحل.
ووفق مفوض إيكواس عبد الفتاح موسى، الذي تحدث إلى الصحف المحلية هذا الشهر، فإن الميزانية المخطط رصدها للمشروع تبلغ 2.4 مليار دولار، وقد تعهدت الدول الأعضاء بتقديم مليار دولار، بينما تسعى المجموعة لجمع الأموال الإضافية لتغطية النفقات المتبقية. وأوضح أن هذا التمويل المالي موجه لبناء بنية تحتية لوجستية قوية وتمويل شامل لعمليات مكافحة “الإرهاب”.
وبهذا الصدد يرى تشانغاري -في حديث للجزيرة نت- اختلافات تنظيمية بين هذه المبادرة والمبادرات السابقة، حيث سيتم تشكيل هيكل قيادة متكامل يضمن التعاون والتنسيق الفعال بين القوات المسلحة للدول المشاركة، مع إستراتيجيات تشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية والتخطيط المشترك للعمليات، بالإضافة إلى تعزيز الدعم المتبادل.
كما ستركز التكتيكات المتبعة، بحسب الخبير الأمني، على تنفيذ عمليات سريعة وفعالة لاستعادة القواعد التي يسيطر عليها “الإرهابيون” وتأمين المناطق الحدودية لمنع تسلل المسلحين.
ويتطلب نجاح هذه المهام قوات مدربة جيدًا، ومجهزة بشكل كامل، وقادرة على العمل بتجانس تحت قيادة موحدة لتحقيق أهداف المبادرة الإقليمية، كما يقول تشانغاري.
ومع ذلك، يؤكد المتحدث أن المبادرة تواجه تحديات كبيرة بما في ذلك تأمين الميزانية الكاملة، وهو ما كان سبب إخفاق مجموعة الساحل الخُماسية قبلها.
كما أن إقناع الدول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو -التي غادرت المجموعة ولديها تحالف ثُلاثي جديد- بالمشاركة يُمثل عقبة إضافية. ويكمن التحدي الآخر، وفقًا لتشانغاري، في التحالف الإستراتيجي للقوة المشتركة، حيث قد تُفضّل بعض الدول التعاون مع قوى خارجية مثل روسيا أو تركيا بدلاً من الغرب أو فرنسا.
معايير الفاعلية
من جانبه، ربط باندا كاني، الناشط السياسي وزعيم حزب الحركة الشعبية الجديدة من الكاميرون -في حديث للجزيرة نت- فعالية القوة المشتركة في مكافحة الإرهاب، بعدة مؤشرات يمكن من خلالها تقييم نجاحها بعد انطلاقها، مقابل المبادرات السالفة التي أخفقت.
وأبرز تلك المؤشرات، بحسب كاني، انخفاض معدلات الهجمات “الإرهابية” وتحسن الاستقرار في المناطق الأكثر عرضة للخطر، وأن يكون هناك تأثير ملموس على الظروف المعيشية والاقتصادية في المنطقة، بما في ذلك تقليل عدد النازحين داخليًا والأثر السلبي على المدنيين.
وإضافة إلى ذلك، يقول الناشط السياسي إن مستوى الدعم الذي ستتلقاه القوة المشتركة من المجتمعات المحلية والحكومات الوطنية يعتبر دليلًا آخر على شرعيتها وفعاليتها، مما يعزز من التزامها بحماية المواطنين وتعزيز الأمن الإقليمي.
كما أكد أهمية استقلالية الدول الأعضاء في التعامل مع التهديدات الأمنية بشكل فعال، دون الاعتماد المفرط على التدخلات الأجنبية.