وصف محللون سياسيون إستراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قطاع غزة بأنها مبعثرة وغير عملية، في حين رجح بعضهم تخلي واشنطن عن مسار مفاوضات وقف إطلاق النار دعما لتل أبيب.
وبحسب الأكاديمي والخبير بالشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى، يملك نتنياهو حكومة متماسكة لديها 64 مقعدا في الكنيست، وهي متفقة على أهدافه وسياساته في غزة.
ومع ذلك، يقول مصطفى -خلال حديثه لبرنامج “غزة.. ماذا بعد”؟- إن نتنياهو يواجه تحديات وضغوطات لم تكن موجودة في بداية الحرب، إذ بات هناك انقسام حول العمليات العسكرية في غزة، واعتبارها قد استنفدت أهدافها.
ويضيف أن نتنياهو يطرح تصورات سياسية مبعثرة غير واقعية وغير عملية وغير قابلة للتنفيذ، حيث يحاول كسب الوقت في الحرب على غزة وإفشال صفقة التبادل والاستمرار بالمفاوضات في آن واحد.
ويكشف الخبير بالشأن الإسرائيلي عن عوامل تاريخية يمكنها إخضاع نتنياهو، كبداية عصيان عسكري في الجيش مثلما حدث في حرب لبنان الثانية، مستدلا بوجود بداية احتجاج وعصيان مخفي حاليا لأهالي الجنود في غزة.
ومن ضمن العوامل أيضا -وفق مصطفى- موقف الجيش الإسرائيلي من الحرب، إلى جانب الضغط الداخلي في الحكومة كتلويح بيني غانتس وغادي آيزنكوت بالانسحاب من مجلس الحرب، فضلا عن أن العامل الخارجي قد يشكل عامل ضغط على نتنياهو.
وخلص إلى وجود صراع حالي في إسرائيل بين من يريد تحويلها إلى ثغر عسكري ومليشيات مسلحة، وبين من يريد تحويلها إلى ديمقراطية ليبرالية، مشددا على أن حرب غزة عمقت الخلاف على هوية إسرائيل وأهدافها بعد الحرب.
“تخلٍ أميركي عن مسار التفاوض”
بدوره يؤكد الباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن الدكتور حسن منيمنة، أن واشنطن متماهية مع نتنياهو في ضرورة ألا تحكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) القطاع بعد الحرب، مضيفا أنها تعمل على استمهال العالم عدة أشهر إضافية لحين إجراء الانتخابات الأميركية ومن بعدها يمكن لنتنياهو تنفيذ ما يريده.
وينبه منيمنة إلى أن هناك اعتراضا أميركيا شكليا، ورهان واشنطن بانتقال نتنياهو إلى مرحلة جديدة عنوانها “ضمان ألا تكون غزة مصدر خطر بعد الانتخابات الأميركية”، وذلك من خلال الاستيلاء على القطاع بعد جعل مقومات الحياة فيه منعدمة عقب تدمير المدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد.
ويؤكد أن ما يقدمه نتنياهو في هذا الاتجاه ليست مسألة شخصية وإنما وجودية وتاريخية، قبل أن يشير إلى أن الاعتراضات الأميركية على جزئية ما “لا يعني تحولا عن الموقف الأميركي الصارم في أهداف الحرب بل الحديث حول كيفية تحقيق أهداف الحرب”.
وتريد واشنطن -وفق منيمنة- القضاء على حماس وألا يكون القطاع مصدر تهديد لإسرائيل واستعادة الأسرى ومن ثم متابعة الحرب بدلا من استمرار الحرب لتحرير الأسرى، مضيفا أن هذا هو التباين بين إسرائيل وأميركا.
وبحسب المتحدث، ترتكز وجهة النظر الأميركية على التوصل لاتفاق على استعداد استسلام حماس، متوقعا أن تتخلى واشنطن في المرحلة المقبلة عن المسار التفاوضي بعدما كان هدفه سابقا توريط حماس دون أن تدري، ورجح أن تشهد الفترة القادمة تأييد واشنطن كل ما تقدم عليه إسرائيل.
وتوقع تصلب إسرائيل في قادم السنوات حيث يتطلع اليمين إلى “استعادة غزة والضفة الغربية، إضافة إلى القضاء على حزب الله اللبناني، وكذلك إيران النووية”.
“لا مكاسب تكتيكية”
بدوره قال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا، إن تململا بدأ يظهر علنا في إسرائيل من خلال تقديم بعض المسؤولين استقالات، بعدما كانت سابقا مرتبطة حصرا بتشكيل لجنة تحقيق عقب أي كارثة إستراتيجية.
ويوضح حنا، أن الجيش الإسرائيلي لم يستطع تحقيق مكاسب تكتيكية في غزة والحفاظ عليها، وأخفق أيضا في ترجمة أهداف الحرب على أرض الواقع، مضيفا أن هذا “يعكس الإستراتيجية الإسرائيلية الخاطئة وإستراتيجية المقاومة التي تعطي نتائج”.
ورجح الخبير الإستراتيجي استمرار جيش الاحتلال في القصف من أجل مواصلة تهجير الغزيين، لافتا إلى أن رؤية أميركا قائمة على استهداف القيادات العسكرية لحماس وبنيتها العسكرية، والتفاوض لإطلاق سراح الأسرى، ومن ثم الانتقال لمرحلة وقف إطلاق نار مستدام ومسار إقليمي متكامل.
ويتوقع حنا أن ينصب تركيز إسرائيل على السيطرة على محور صلاح الدين (محور فيلادلفيا) بدلا من الدخول إلى عمق رفح، قبل أن يقول إن هناك اتفاقا في إسرائيل على الإستراتيجية الكبرى وهي القضاء على حماس وليس التكتيك.