في مساء الخامس من مارس/آذار 2002، استحوذ أعضاء مجموعة روحية محظورة في الصين تدعى “فالون غونغ” على بث التلفزيون الحكومي الصيني، وكان هدفهم تقديم رواية مخالفة للرواية الحكومية عن حقيقتهم. ظهرت “فالون غونغ” عام 1992، ولم يكن نشاط مريديها أو طقوسهم يشكل قلقا لدى السلطة في الصين، لكن بحلول 1996، أصبح لتلك الجماعة الروحية ملايين المريدين، وضاهت شعبيتها شعبية الحزب الشيوعي الصيني الأوحد، وكان ذلك سببا كافيا لاتخاذ قرار رسمي لسحقها.
وبعد مرور قرابة 20 عاما على حادثة التلفزيون الصيني، تتابع كاميرا المخرج الوثائقي الكندي “جازون لوفتيس” خطوات رسام الصور المتحركة الصيني “داكسيونغ”، لجمع الشهادات عن تلك الليلة وتوثيق الحقيقة كاملة، بعيون وريشة “داكسيونغ” ورسومه المبهرة. وقد راوح الفيلم بين الصور المتحركة ثلاثية الأبعاد، وبين شهادات حقيقية لبعض من شاركوا أو كانوا على علاقة بعملية الاستحواذ على بث التلفزيون الصيني.
أُنتج فيلم “ليلة اختراق التلفزيون الصيني” عام 2022، واسمه الأصلي “ربيع أبدي” (Eternal Spring)، وقد جال الفيلم في أعرق مهرجانات السينما العالمية، وحصد 14 جائزة، وأشاد به النقاد والمتفرجون على حد السواء.
يروي “داكسيونغ” وهو أحد المنتسبين لعقيدة جماعة “فالون غونغ” أنه في صباح اليوم الموالي لعملية الاستحواذ كانت الشرطة تملأ الأرجاء في مدينة “تشانغشون” الواقعة شرق شمال الصين، وهي موقع تلك العملية، ويقول: لم ينتصف اليوم إلا وقد اعتُقل كثيرون، وليس مؤكدا أن جميعهم متورطون في العملية، فتلك هي عادة السلطات في الصين، فهي تستهدف مجموعة كاملة في سبيل القبض على متهم واحد. وقد أدركتُ أنهم يسعون ورائي، ولم أكن متورطا بها، لكنني كنت مطلعا عليها، وأعرف من يقف وراءها”.
تتحدث شخصيات مجهولة الهوية بصوت مرتجف، فتقول إحدى تلك الشخصيات: كانت الشرطة تفتش تفتيشا جنونيا، وقد اقتحموا شقتي من النافذة، وأوسعونا ضربا إلى أن فقدنا القدرة على المقاومة، ثم جرونا وكأننا جثث هامدة.
ثم يتكلم صوت نسائي قائلا: لولا الاضطهاد لكنا نمارس شعائرنا بسعادة. فقد ركضت بأسرع ما يمكن. ركضت طوال اليوم إلى أن اشتد الظلام.
كانت تلك الشهاداتُ المروية على ألسنة مجهولة مقدمةً للمطاردة الجنونية التي شنتها السلطات الصينية، للقبض على من تظن أن لهم علاقة بعملية الاستيلاء على بث التلفزيون الرسمي، وصورت الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد تلك المطاردات، ولم تفلت أي تفصيل، فنقلت الرعب الحقيقي الذي حدث لأتباع جماعة “فالون غونغ”.
“نحن نصنع الفن من وحي ذاكرة مشتركة”
انطلقت بداية الفيلم الحقيقية بشهادة شاب صيني اسمه “داكسيونغ”، وهو من أبرع رسامي الصين، فتحدث واضعا أمامه رسمة غير مكتملة لمجموعة من الأبطال الصينيين التاريخيين.
وُلد “داكسيونغ” في مدينة تشانغتشون، ونشأ على قراءة القصص المصورة للأبطال الخارقين في الذاكرة الشعبية الصينية، وهي ترتكز أساسا على القيم النبيلة، مثل الولاء للأصدقاء وحب العائلة والوطن، وقد شُغف بذلك الفن، وبدأ برسم شخصيات القصص الشعبية الصينية، وهو فخر الصينيين جميعا وقدوتهم.
وبعد عملية الاستحواذ على التلفزيون الصيني في بداية عقد الألفين، هرب “داكسيونغ” من مدينته، حاملا معه أقلامه وذكريات مثقلة بالحنين للوطن، والخوف من جحيم الحزب الشيوعي الصيني، ويقول: نحن نصنع الفن من وحي ذاكرة مشتركة.
في عام 1996، كان “داكسيونغ” ابن 21 عاما، وفي ذلك الوقت تعرف على مجموعة “فالون غونغ” التي تقوم عقيدتها على الممارسة الروحية، وترتكز على تعاليم بسيطة، وهي تهذيب القلب وتحسين الشخصية، وهو ما يمنح المنتمين لها صحة جسدية ونفسية أفضل حسب تلك العقيدة.
“فالون غونغ”.. جماعة أرعبت شعبيتها الزعيم الصيني
وُلدت مجموعة “فالون غونغ” في مدينة تشانغتشون، وكانت تمارس شعائرها في الأماكن المفتوحة كالحدائق والساحات. وفي بدايتها لم تكن الحكومة الصينية متوجسة من الجماعة، ولكن مع الحشود التي بدأت تظهر في الساحات والعدد الكبير للمنتمين لها، أصبحت الحكومة قلقة من أن تنافس الجماعة الحزب الشيوعي وقيمه المادية. وفي 20 يوليو/ تموز 1999، حظرت الحكومة نشاط الجماعة بسبب شعبيتها المرعبة.
يظهر تقرير تلفزيوني صيني -بث الفيلم جزءا منه- أن نشاط الجماعة قد توسع في البلاد بأسرها، حتى نافست الحزب واعتنقها بعض أعضاء الحزب الشيوعي نفسه، لذلك أصبح القضاء عليها هدفا أساسا لدى الزعيم الصيني “جيانغ زيمين”، فانطلقت حملة اعتقالات للآلاف منهم، وقيل إن 100 إنسان قُتلوا على يد الشرطة.
يقول “داكسيونغ” إنه في تلك الفترة لم يرغب بمشاهدة التلفزيون، لأنه لم يكن يقدم سوى الافتراءات عن المجموعة، فقد كانت التقارير تصفها تلك بأنها تحمل معتقدا شريرا ينسف المجتمع، وأن أي حكومة في العالم لن تتحملهم.
“أنت لست ندا للحكومة”.. حرب عنيفة تحرق الكتب وتقتل البشر
كانت الحرب الحقيقية للمجموعة بعد حظرها تقوم على جبهتين، الأولى: هي إثبات وجودها وأنها ما زالت قائمة رغم الحظر والاعتقالات، والثانية: تكذيب الرواية الرسمية عن الجماعة، وهو التحدي الأكبر.
وقد دمرت الحكومة أكثر من مليون كتاب وملصق لجماعة “فالون غونغ”، وتُظهر مشاهد في الفيلم مئات من الكتب ترفسها الجرافات، وكان ذلك إعلانا واضحا على قرارها بسحق كل ما يتعلق بتلك الجماعة الروحية، وقد التقط المنتمون لها تلك الرسالة.
يقول “داكسيونغ” في شهادته في الفيلم: طلب مني والدي شيئا واحدا، وهو أن لا أخرج إلى الشارع، وقال لي: أنت لست ندا للحكومة. وذات يوم عدت للمنزل ووجدت أن جميع كتبي المتعلقة بجماعة “فالون غونغ” قد اختفت، فذهبت إلى والدي، وسألته أين كتبي؟ فقال لي إنه أحرقها. لقد دمر والدي أكثر ما كنت أعتز به.
ثم اشتدت موجة اضطهاد المنتمين للجماعة، ففرض ذلك على بعض مريديها في مدينة تشانغتشون -معقل الجماعة- أن يضعوا خطة للحرب على الجبهة الثانية، فكان لزاما عليهم البحث عن وسيلة لبث رواية مضادة للرواية الرسمية، حتى تصل إلى أكبر عدد من الأشخاص.
قرص الحقيقة.. محاولة لتفنيد الرواية الرسمية الزائفة
في الرابع من مارس/آذار 2002، لم يبدُ أن هناك شيئا غير عادي في التلفزيون الرسمي الصيني، فقد أطل مذيع على الشاشة كعادته، ليتحدث بنبرة دعائية عن القيم الشيوعية، وعن احترام القانون، وعن لزوم الدفاع عن استقرار الصينيين ووحدتهم، ثم قطع خطابه شيء صادم فجأة، لقد استحوذت “فالون غونغ” على التلفزيون الحكومي، وكانت تلك العملية بالغة الجرأة، وتحديا كبيرا لهيمنة الحزب الشيوعي الصيني على التلفزيون.
يقول “داكسيونغ”: خشيت أن يكون الاستحواذ على التلفزيون أمرا غير صائب، فلم يكن ذلك يتماشى مع تعاليم “فالون غونغ”، لقد كان مخالفا للقانون، ثم إن الاستيلاء على بث التلفزيون سيعرّضنا لاضطهاد جماعي أكبر.
كان “داكسيونغ” محقا في ذلك، فمنذ ذلك الحين انقطعت أخبار من قاموا بعملية الاستحواذ طيلة سنوات، حتى ظهر اسم أحد المخططين للعملية في كوريا الجنوبية، وكان يدعى السيد “وايت”، وقد قضى سبع سنوات في السجن، وهو الوحيد الذي استطاع مغادرة الصين، من بين الذين شاركوا في العملية.
وفي سيول عاصمة كوريا الجنوبية، التقى داكسيونغ بـ”جين زويجي” الملقب بالسيد “وايت”، فروى في شهادته أنه سمع عن خطة الاستحواذ على بث التلفزيون الحكومي الصيني من “ليانغ زين جونغ”، الذي التقى به في أحد المطاعم أول مرة.
كان جلوس “داكسيونغ” أمام السيد “وايت” ملهما له، لأنه سيبدأ حينها برسم كارتوني للقصة وشخصياتها الحقيقية، مثلما رسم في صغره شخصيات أسطورية من القصص الشعبية الصينية. وبقلم حبر أسود وأمام حزمة صغيرة من الأوراق البيضاء، رسم رواية السيد “وايت” بالتفصيل.
يبدأ رسم القصة بمشهد كرتوني للسيد “وايت” جالسا على طاولة بالمطعم أمام “ليانغ زين جونغ”، وهو يتحدث عن استحواذ الرواية الرسمية حول جماعة “فالون غونغ” في التلفزيون، وهي لا تقدم سوى الافتراءات والأكاذيب، حتى أثرت في الصينيين، فشعروا بالخوف من الجماعة، وصدقوا تلك الرواية، وقد روجت تقارير تلفزيونية أن مؤيدين لحظر الجماعة وقّعوا على عريضة يبلغ طولها 200 متر، وكان ذلك تبريرا من السلطات الصينية لحصارهم.
قدم “ليانغ زين جينغ” قرصا للسيد “وايت”، قال إنه يحتوي على فيديو يمثل برهانا على زور الرواية الحكومية التي تروجها عن الجماعة، وسيفضي اطلاع الصينيين عليه إلى تكذيب تلك الرواية.
في البداية، قررت المجموعة توزيع أقراص نُسخ عليها الفيديو المذكور، لكن ذلك لم يكن كافيا لتفنيد الرواية الرسمية، فكان الخيار هو الوصول إلى التلفزيون الرسمي، لبلوغ أكبر عدد من المشاهدين للفيديو.
كان “ليانغ” منسقا للجماعة، وقاد مهمة تعليم قيم الجماعة للمنتمين الجدد، فكان يستضيف فصولا جماعية في شقته. يقول “ليتل ويه” في شهادته في الفيلم وهو ممن قابلوا “ليانغ”، إنه لا ينبغي للمنتمين للجماعة أن يشتموا أو يردوا الشتيمة أو الضرب، وفق ما تنص عليه تعاليم “فالون غونغ”.
وفي تلك الفترة بدأ “ليانغ زين جينغ” بالتفكير في مواجهة الرواية الرسمية، وجرب كل الطرق، ومن ذلك تعليق لافتات كتب عليها “الحقيقة والرحمة والتسامح” و”فالون غونغ جماعة صالحة” على بالونات طارت في سماء الميدان الثقافي، ليشاهدها أكبر عدد من الناس.
ولم يكن “ليانغ” الفاعل الرئيس وحده، فقد كان معه رجل يلقب “بيغ تراك”، وهو عامل في مستودع حبوب في مقاطعة تشانغجون، وقد أسهما معا في تعليق اللافتات على الجدران، وقاما بكل ما يمكنهم لضرب الرواية الرسمية عن الجماعة، وأفضى ذلك إلى سجنهما في معسكر عمال.
يروي “ليتل ويه” أنه قابل “بيغ تراك” في معسكر للعمال، ويقول إن الرجل رفض الأوامر، وهو ما قاده إلى السجن الانفرادي، حتى استطاع في أحد أيام يونيو/ حزيران 2001 أن يهرب من السجن، وعبر كل البوابات، ثم لاحظه شرطي في الباب الأخير، لكنه لم يستطع إيقاف “بيغ تراك”، فقد قفز من فوق سور السجن وعبَر الحقول، ثم اختبأ لدى أحد أقاربه.
اعتقال أحد أفراد المجموعة.. فشل على قاب قوسين أو أدنى
كان الاضطهاد الذي تعرض له أتباع جماعة “فالون غونغ” قد قادهم إلى التفكير في وضع خطة أنجع، لفضح قمع الحكومة وافترائها، وذلك بالاستحواذ على بث التلفزيون الرسمي، لكنهم انقسموا إلى موقفين، الأول احترز على ذلك الفعل بالقول إنه فعل غير قانوني، والموقف الآخر اتجه إلى أهمية بيان كذب الحكومة الصينية، بغض النظر عن قانونية الفعل.
وقد استقر القرار على تنفيذ خطة الاستحواذ، وصوّرت رسوم “داكسيونغ” الكارتونية -المستهلمة من شهادات المشاركين- تفاصيل تلك الليلة، فقد سحب منفذو العملية خطا للبث من الجانب الجنوبي لمبنى متفرع عن الخط الرئيسي لبث التلفزيون الحكومي، وشارك في العملية “بيغ تراك” وأحد المنتمين للجماعة، ويدعى “زهانغ وونغ”، وهو فني كهرباء.
بدأت الخطوة الأولى بإيجاد الخط الرئيسي للسلك، وبدأ استطلاع المنطقة قبل 3 أسابيع من تاريخ العملية. وكان الخط الرئيسي في مقر محطة التلفزيون الحكومي، وهو ما جعل المهمة مستحيلة من تلك النقطة، وتفطن واضعو خطة الاستحواذ إلى أن الخط الرئيسي للبث متفرع إلى فرعين، وانقسموا إلى فريقين للبحث عن النقطة المناسبة لقطع خطوط البث.
ولكن في تلك الأثناء قُبض على “ليانغ” وخشيت المجموعة أن يؤدي اعترافه إلى القبض عليهم، ومع ذلك فقد أصر “بيغ تراك” على مواصلة العملية، وكان متفائلا بنجاحها، فقد كان عدد كبير من الصينيين يشاهدون نشرة الأخبار المسائية التي يبثها التلفزيون الحكومي عند السابعة مساء، لذلك اختارت المجموعة ذلك الموعد للاستحواذ على البث.
ليلة الاستحواذ على بث التلفزيون الحكومي.. ذكريات الرعب
في ذلك المساء، انطلقت النشرة بتقرير يقول إن الحكومة الصينية أطلقت حملة لتثقيف أعضاء الحزب، لمعالجة مشكلة “فالون غونغ”، وكان فريق الاستحواذ قد وصل قبل بداية نشرة الأخبار بنصف ساعة تقريبا، وذهبت مجموعة إلى موقع التنصت في الشمال، حيث يتفرع أحد خطوط البث للتلفزيون، واتُّفق على أن يعترض الفريقان الإشارة في نفس الوقت.
صعد “زهانغ وونغ” إلى العمود لقطع البث الرسمي، في حين اتصلت المجموعة الأخرى، لتعلن عن استعدادها لبدء البث الجديد، كانت الدقائق والثواني حاسمة، فقد كان فريق الاستحواذ على البث خائفا من فشل العملية، لا سيما أن أحد أعضاء المجموعة -وهو “ليانغ”- كان حينئذ بين يدي الشرطة، وقد تنتزع منه اعترافا تحت التعذيب.
زاد التوتر تأخر المجموعة التي يقودها “زهانغ وونغ” عن التنفيذ بعشرين دقيقة، فكانوا يسابقون الوقت، في حين كان صديقهم “ليانغ” يصارع الصعقات الكهربائية في غرفة التحقيق، وأما “زهانغ وونغ” فكان معلقا على عمود البث محاولا إنهاء الخطوة الأولى من العملية، وفي نهاية المطاف استطاع الفريق الأول قطع البث، ثم بدأت المجموعة الثانية بث الفيديو بدلا من تقرير الأخبار الرسمية.
ظهر برنامج على الشاشة يقدم رواية مغايرة للرواية الرسمية عن “فالون غونغ”، وهو ما يعني نجاح خطة فريق الاستحواذ على التلفزيون الرسمي. ويعرّف التقرير “فالون غونغ” بأنه نظام بوذي انتشر في غضون عشر سنوات في تسعين دولة، وأن هناك 100 مليون مريد لهذه الجماعة، وأن مبادئ تلك الجماعة الروحية تقوم على التسامح والصحة البدنية والعقلية، وأن “فالون غونغ” هي طريقة لتطوير الذات.
“أذاقوني ألوان العذاب 10 أيام لإجباري على ترك معتقدي”
بعد بث الفيديو على التلفزيون، طوقت الشرطة كل المباني وبدأت بمطاردة “زهانغ وونغ” ومن معه، وكانت وجهة المجموعتين المنفذتين للعملية هي مخبأ سري اتفقوا على الالتقاء فيه بعد التنفيذ، لكن لم يعد كل أفرادها، فقد قُبض على “لاي مينغ”، وهو أحد مرافقين “زهانغ وونغ”.
ولم تكن نجاة أغلب أعضاء الفريق من الاعتقال إلا مسألة وقت، فقد اعتقل “زهانغ وونغ” نفسه بعد أيام، وفتشت الشرطة كل الشوارع بحثا عن رجل بمواصفات “بيغ تراك”، وأجبرت كل رجل يستجيب لتلك المواصفات على إظهار يديه، فقد كانوا في الواقع يتثبتون من وجود جرح ما بإحدى أيدي هؤلاء، وذلك بعد عثورهم على نقاط دم في أحد الأماكن التي نفذت بها العملية، لكن رسالة عبر الهاتف أوقعت “بيغ تراك”، فقد اعترضتها الشرطة، وحوصر منزل عمته الذي كان يختبئ به، وهددت الشرطة قريبه بإيقاع الأذى بجدته إذا لم يدلهم على موقع “بيغ تراك”.
أشعلت الشرطة مخبأ “بيغ تراك”، حتى أجبرته النيران على الخروج، وما لبث أن استقر تحت أحذية الشرطة والجيش التي رفسته، ثم أطلق شرطي النار مرتين على قدمه، ولم يكن سهلا على “داكسيونغ” أن يسمع الشهادات عن المرحلة التي أعقبت تنفيذ العملية، وكان الأصعب هو أن تنتقل خطوط قلمه من رسم أبطال الذاكرة الشعبية الأقوياء، إلى رسم أجسام أناس يشاركهم العقيدة ذاتها، وهم تحت أحذية الشرطة وعصيهم الكهربائية.
قُبض على السيد “وايت” بعد عام من عملية الاستحواذ، ويقول في شهادته في الفيلم: كنت أمشي في الشارع، وفجأة وضع أفراد من الشرطة كيسا على رأسي، ورموني على الأرض. أذاقوني كل ألوان العذاب طيلة 10 أيام لإجباري على ترك معتقدي، ولم أستطع المقاومة أكثر، وأُجبرت تحت الإكراه على التوقيع على ورقة أعلن فيها عن ارتدادي عن معتقدي.
أما “ليانغ” الذي قبض عليه قبل تنفيذ العملية، فقد كان يقبع في سجن “سي بينغ”، وكان تحت تعذيب متواصل، ولم يكن حاضرا في الفيلم ليصف حجم التعذيب الذي مارسه حراس السجن عليه، لكن رسوم “داكسيونغ” الكارتونية نقلت ببراعة حجم ما ذاقه “ليانغ”. يقول السيد “وايت” إن “ليانغ” كان رجلا قويا، وإنه في إحدى المرات وضع فوق أرضية مبللة بالماء وصعقته الشرطة بثماني هراوات كهربائية، حتى نفذت بطاريتها ولم يصدر أي صوت.
أبطال يجسمون القيم التقليدية الصينية.. نهايات أليمة
بعد توقيع السيد “وايت” على وثيقة ارتداده عن مذهب جماعته، طلب منه حراس السجن أن يقنع “ليانغ” بالعدول أيضا عن عقيدته. ويقول في شهادته في الفيلم: كان “ليانغ” يقبع على كرسي، وقد خارت قواه ولم يعد يقوى على شيء، فنظرت إلى قدميه وهما مقيدتان بسلاسل ثقيلة، وكانت الجروح تغطي قدميه ورجليه، فانحنيت ولمست قدميه وقلت “أخي ليانغ لقد عانيت كثيرا” ثم بدأت بالبكاء، وحين شاهد رجال الشرطة ذلك أخذوني بعيدا عنه.
أما “بيغ تراك” فقد كان يخطط للهرب، وقرر الإضراب عن الطعام حتى ينهك جسده وينقل للمستشفى ومن هناك يمكنه الهرب، لم يأكل شيئا 10 أيام، فتدهورت صحته ونُقل إلى مستشفى السجن، لكنه توفي وأحرق جثمانه بعد ساعات من وفاته. وقد لاقى “ليانغ” نفس المصير وتوفي في السجن أيضا.
يقول “داكسيونغ”: عندما رسمت “ليانغ” وفريقه، أدركت أنهم يجسمون القيم التقليدية الصينية، فقد كانوا قادرين على إيثار الصالح العام على أنفسهم، بالنظر إلى الماضي. أجد أنهم هم الأبطال الذين قرأت عنهم في طفولتي. كل ما في الأمر أنهم لا يركبون حصانا ولا يلوحون بسيف، إنهم يعيشون بيننا، ولا يعرف عنهم أحد شيئا.
في سبتمبر/ أيلول 2002، حُكم على 15 مشاركا في عملية الاستحواذ على التلفزيون الحكومي بالسجن سنوات يصل بعضها إلى 20 عاما، بينما كان يحلم من بقي من معتنقي عقيدة “فالون غونغ” الروحية بالعودة إلى الصين، وممارسة شعائرهم بحرية كاملة.