“مقيدون ومعصوبو الأعين يرتدون حفاضات” هكذا يعيش فلسطينيون أيامهم في معتقل إسرائيلي “غامض” في الصحراء، يسميه البعض بـ”جنة المتدربين” حيث يجري أطباء غير مؤهلين عمليات بتر لأطراف معتقلين فلسطينيين، وفق ما ذكره مخبرون إسرائيليون لشبكة “سي إن إن” .
وعرضت الشبكة في تقرير ما وصفه المخبرون عن حالة المحتجزين الفلسطنيين في مركز “اعتقال غامض” في إسرائيل، والذي كان قاعدة عسكرية في صحراء النقب.
والتقط إسرائيلي يعمل في مركز الاعتقال صورا لما وصفه بـ”مشهد لا يزال يطارده”، حيث تظهر إحداها صفوف من الرجال يرتدون بدلات رمادية يجلسون على مراتب “رقيقة كالورق”، متكدسين بأعين معصوبة تحت وهج أضواء ساطعة.
وقال هذا المصدر لشبكة “سي إن إن” إن الرائحة في هذا المعتقل كريهة جدا، وتضج بأصوات الرجال الذين يجبرون على الصمت، ما يدفعهم إلى الحديث بصوت خافت جدا مع أنفسهم.
وأضاف أنه “قيل لهم (للمحتجزين) أنه لا يسمح لهم بالتحرك، أو الجلوس في وضع مستقيم، أو الحديث، أو حتى إلقاء نظرة خاطفة من تحت غطاء العين”.
المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، قال في مؤتمر صحفي، الجمعة، إن “البيت الأبيض يشعر بقلق عميق بسبب تقارير حول سوء معاملة المعتقلين”، مشيرا إلى أن واشنطن “بصدد طرح أسئلة على المسؤولين الإسرائيليين”.
ويشرح المصدر الإسرائيلي لـ”سي إن إن” أن الحراس تلقوا تعليمات صارمة بأن يصرخوا على المحتجزين بكلمة “اسكت” بالعربية، وطُلب منهم “اختيار أشخاص يثيرون المشاكل لمعاقبتهم”.
وتحدثت الشبكة مع ثلاثة إسرائيليين عملوا في مركز اعتقال “سدي تيمان” الصحراوي، والتي ذكرت أنها قاعدة عسكرية تعمل الآن كمركز احتجاز، تحتفظ فيه إسرائيل بالمعتقلين خلال الحرب في غزة.
ورسموا هؤلاء صورة مرعبة وقاسية وغير إنسانية لما يحدث في مركز الاعتقال هذا، حيث يقوم “الأطباء ببتر أطراف السجناء بسبب إصابات ناجمة عن تكبيل أيديهم المستمر”، ناهيك أن بعض هؤلاء الأطباء غير مؤهلين، مع أكسب المعتقل سمعة بـ”جنة المتدربين” حيث يتدرب أشخاص غير مؤهلين طبيا على إجراء هذه العمليات.
وبحسب الروايات، تبعد المنشأة حوالي 18 ميلا (28.9 كلم) عن حدود غزة، وهي مقسمة إلى قسمين: حيث يتم وضع نحو 70 معتقلا فلسطينيا تحت ظروف شديدة، ومستشفى يتم ربط المعتقلين المصابين إلى أسرتهم، ويرتدون الحفاظات وتتم تغذيتهم عن طريق أنابيب خاصة.
وقال أحد المصادر الذي كان يعمل مسعفا في مستشفى ميداني في المنشأة: “لقد جردوهم من أي شيء قد يربطهم بإنسانيتهم”.
وقال مصدر آخر إن “التعذيب والضرب” للمعتقلين لم يكن بغرض جمع المعلومات، ولكن “عقابا” على فعلته حماس في السابع من أكتوبر.
ورد الجيش الإسرائيلي على هذه التسريبات التي تحدث بها أشخاص عملوا في المعتقل في بيان للشبكة، وقال إنه “يضمن .. السلوك المناسب تجاه المعتقلين في الاحتجاز، ويتم فحص أي ادعاء بسوء سلوك الجنود.. والتعامل معه على هذا الأساس. في الحالات المناسبة، يقوم قسم التحقيقات الجنائية التابع للشرطة العسكرية (MPCID) بفتح تحقيقات عندما يكون هناك اشتباه في سوء سلوك يبرر مثل هذا الإجراء”.
ونفى الجيش معرفته بحالات “تكبيل غير قانونية” مشيرا إلى أنه “يتم تكبيل أيدي المعتقلين بناء على مستوى الخطورة والحالة الصحية”.
ولم ينكر الجيش روايات تجريد المعتقلين من ملابسهم واحتجازهم في حفاظات، وقال إن “المحتجزين تعاد ملابسهم لهم بمجرد أن يقرر الجيش الإسرائيلي أنهم لا يشكلون أي خطر أمني”.
ونوهت الشبكة إلى أن مركز الاحتجاز يعتبر كجزء من نظام “فلترة”، حيث يتم التحقيق مع المعتقلين فإن تأكد ضلوعهم مع حماس يقومون بإرسالهم نحو نظام السجون الإسرائيلية، أما في حال عدم ثبوت التهمة يفترض الإفراج عنهم.
“شاويش” و”جحيم”
ونقلت الشبكة الأميركية قصة “إل ران”، الذي قال إنه بعد أسبوع من سجنه، أمرته السلطات المشرفة على مركز الاعتقال بالعمل كوسيط بين الحراس والسجناء، وهو الدور المعروف باسم “الشاويش”.
ووفقا للمخبرين الإسرائيليين، فإن “الشاويش” هو عادة سجين تمت تبرئته من صلاته المشتبه بها بحماس بعد الاستجواب، ويقول شهود عيان إنه عادة يكون متمكّنا من الحديث بالعبرية والعربية لنقل إرشادات الحراس للمعتقلين.
ونفى الجيش الإسرائيلي احتجاز المعتقلين دون داع أو استخدامهم لأغراض الترجمة. وقال للشبكة في بيان: “إذا لم يكن هناك سبب لاستمرار الاعتقال، فسيتم إطلاق سراح المعتقلين وإعادتهم إلى غزة”.
وتلقي روايات كلٍّ من المخبرين والمحتجَزين، وخاصة المتعلقة بالشاويش، “بظلال من الشك” على رواية الجيش الإسرائيلي وفق “سي إن إن”، ويقول “إل ران” إنه خدم في منصب الشاويش لعدة أسابيع بعد أن تمت تبرئته من صلاته بحماس. وأكد المخبرون أيضا أن “الشاويش” الذي تمت تبرئته كان عادة يعمل وسيطا لبعض الوقت.
ولهذا السبب، قال “إل ران” إنه حصل على “امتياز خاص”، حيث تمت إزالة العصابة عن عينيه. وقال إن هذا كان “نوعا آخر من الجحيم”، وفق تعبير الشبكة الأميركية.
وأضاف “كان جزءا من تعذيبي هو قدرتي على رؤية كيفية تعذيب الناس”.
وقال: “في البداية لم تتمكن من الرؤية. لم تتمكن من رؤية التعذيب والانتقام والقمع.. عندما أزالوا العصبة عن عيني، استطعت أن أرى مدى الذل والإهانة.. استطعت أن أرى إلى أي مدى كانوا ينظرون إلينا كحيوانات وليس كبشر”.
وخلال الشهر الماضي، قامت “سي إن إن” بتغطية احتجاج لإسرائيليين خارج بوابة “سدي تيمان” طالبوا فيه بإغلاق المنشأة، حيث قامت قوات الأمن الإسرائيلية باستجواب فريق الشبكة، وطالبوا برؤية المقاطع المصورة، حيث تخضع السلطات الإسرائيلية مثل هذه التغطيات للرقابة العسكرية بذريعة القضايا الأمنية، وفق تعبير الشبكة ذاتها.
وفي أبريل الماضي، عرضت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان الإسرائيلية تقريرا تحدثت فيه عن الإخفاقات الأخلاقية في “سدي تيمان”، والأضرار الصحية التي تلحق بالمعتقلين نتيجة لظروف الاعتقال.
وذكرت أن تكبيل الأيدي المتواصل يؤدي إلى “الشعور بالألم والمعاناة طيلة فترة تكبيله، وما بعدها” وهذا من شأنه أن يؤدي إلى ضرر في “الأعصاب التي تؤثر على أداء اليدين” والتي قد تؤدي إلى “تلف الأعصاب” تماما.
أما الحرمان من الرؤية وعصب العينين، من شأنه أن يؤدي إلى “ظاهر الهلوسة البصرية لدى الأشخاص على المستوى المتوسط والبعيد”، ناهيك عما تسببه من آثار نفسية باضطرابات “القلق والاكتئاب والإدمان”.
وتتسبب ظروف الاعتقال من “عنف وتنكيل وإهانات” بحالات وفيات، حيث تشير بعض التقارير إلى أن العديد من “سكان غزة لاقوا حتفهم في المعتقلات العسكرية منذ بداية الحرب” بحسب التقرير.
وقالت المنظمة “إن ما يحصل في سدي تيمان عموما، وفيما يتعلق بالعلاج الطبي المقدم للمحتجزين في ذلك المعسكر، يعكس نقطة تدني غير مسبوقة للأخلاقيات والمعايير الطبية المقبولة”.
ودعت كل طبيب وطبيبة عضو في الطاقم الطبي إلى “مناهضة وجود هذا المعسكر وإغلاقه”، ونقل المعتقلين إلى منشآت ومراكز طبية تخضع للمعايير المقبولة.
ووقع على هذا التقرير، الذي أسموه بـ”المرافعة الأخلاقية”، عددٌ من الأطباء الإسرائيليين.
وفي مطلع مايو، قالت مؤسسات حقوقية فلسطينية إنه لا تتوفر أي معلومات عن ألف عامل من قطاع غزة كانوا يعملون في إسرائيل عند مهاجمة حماس بلدات ومعسكرات إسرائيلية في السابع من أكتوبر الماضي، بحسب وكالة رويترز.
وقالت مؤسسات “هيئة شؤون الأسرى والمحررين” و”نادي الأسير الفلسطيني” و”مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان” في بيان مشترك أن “ما يقارب 1000 عامل مفقودين في ضوء جريمة الإخفاء القسري المتواصلة بحق معتقلي غزة”.
وواصلت المؤسسات الحقوقية في البيان “رفض الاحتلال الإفصاح عن أي معطيات بشأنهم، واكتفى الاحتلال بالإعلان عن وجود معسكرين تابعين للجيش لاحتجاز معتقلي غزة، ومنهم معسكر سدي تيمان بالقرب من بئر السبع، ومعسكر عناتوت بالقرب من مدينة القدس، ولكن لم تقتصر أماكن الاحتجاز على هذه المعسكرات لأن جزءا من العمال تم احتجازهم في سجن عوفر”.
اندلعت الحرب في السابع من أكتوبر بعدما نفذت حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل أسفر عن مقتل أكثر من 1170 شخصا معظمهم مدنيون حسب تعداد لفرانس برس يستند إلى بيانات إسرائيلية رسمية.
وخطف أكثر من 250 شخصا ما زال 128 منهم محتجزين في غزة توفي 37 منهم وفق مسؤولين إسرائيليين.
ردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل “القضاء” على حماس وتنفذ مذاك حملة قصف مدمرة وعمليات برية في قطاع غزة تسببت بسقوط 34 ألفا و943 قتيلا غالبيتهم مدنيون وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.