مخيم عين الحلوة في لبنان.. فلسطين مصغرة خلف سور

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

عين الحلوة- إلى مدينة صيدا عاصمة جنوب لبنان كانت الوجهة، وتحديدا إلى كيلومتر مربع محاط بسور يبلغ ارتفاعه 9 أمتار وعليه أسلاك شائكة ويقطنه أكثر من 85 ألف شخص. أهلا بكم في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين.

ندخل عاصمة “الشتات الفلسطيني” عبر أحد مداخلها الـ4 التي يسيطر عليها الجيش اللبناني، فمن هذه المداخل يحق للبناني والفلسطيني في لبنان (بعد إبراز هويته) فقط الدخول إلى المخيم الذي أنشئ عام 1948 من قبل “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” بهدف إيواء اللاجئين الفلسطينيين عقب النكبة.

وسمي المخيم بـ “عين الحلوة” نسبة إلى المياه العذبة الّتي كانت موجودة حين إنشائه، فهو مستأجر من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” مباشرة من الدولة اللبنانية لمدة 99 عاما.

“زاروب لشخص واحد”

نواصل سيرنا إلى قلب المخيم -يقع جنوب مدينة صيدا ويبعد عن الحدود مع فلسطين المحتلة 67 كيلومترا- الذي ظل ٧ عقود ونيف من الزمن على مساحته المحدودة وسط زيادة سكانية مضطردة.

وخلال سيرنا سمعنا شكوى سكانه من ضيق المساحات بين الحارات والأحياء، وشاهدنا تلاصق المنازل التي تراكمت فوق بعضها بعضا وتعاني من سوء التهوئة والرطوبة وعدم دخول أشعة الشمس إليها.

كما أن عددا كبيرا من أحياء المخيم بات عبارة عن أزقة فرعية أو ما يسمى بالمخيم “زاروب لشخص واحد”، في إشارة إلى ضيق حجمها، وعدم اتساعها لمرور شخصين معا.

ولهذه الأسباب وغيرها مثل غياب الإمكانيات المادية وارتفاع أسعار استئجار أو شراء الشقق خارج المخيم، اضطرت الكثير من العائلات إلى اعتماد نمط البناء العامودي، والتخلي عن “الحاكورة” (حديقة صغيرة جدا)، ليستفيدوا منها ببناء غرفة أو أكثر لتوسعة منازلهم، أو لإسكان ولدهم المتزوج.

مخيم عين الحلوة قدم الكثير من الشهداء على درب تحرير فلسطين (الجزيرة)

وتضخم عدد سكان المخيم نتيجة لعوامل عدة، أبرزها:

  • النزوح إلى المخيم نتيجة الحرب الأهلية اللبنانية،
  • تدمير مخيم تل الزعتر والاجتياح الإسرائيلي عام 1982،
  • تدمير مخيم النبطية وحرب المخيمات والنزوح القسري من الجنوب،
  • إضافة تجمعات ملحقة بالمخيم لكنها غير معترف بها رسميا من قبل “الأونروا”.

ويبلغ عدد سكانه حسب “اللجان الشعبية” نحو 85 ألفا بينهم أكثر من 57 ألف لاجئ مسجل لدى “الأونروا”، كما أن هناك 1400عائلة صنفوا من ضمن حالات الفقر المدقع.

35 مدينة فلسطينية في المخيم

ينتمي سكان المخيم إلى أكثر من 35 مدينة وبلدة، ولا تزال أحياء المخيم تحمل أسماء القرى والمدن الفلسطينية واللافت فيها أن ترتيبها بقي تباعا كما كانت في فلسطين وكأنها حضرت على شكل مصغر إلى المخيم، فهذا حي طيطبا، وعكبرة، والصفصاف، وعرب الزبيد، وذاك حي صفورية والزيب، وحطين وغيرها.

ولكن هذا المخيم الذي بات الحديث عنه مرتبطا بالاشتباكات والاغتيالات والقتلى والدمار لم يكن كذلك منذ نشأته، بل لعب دورا سياسيا ونضاليا بارزا في مسيرة القضية الفلسطينية، وقدم الكثير من الشهداء والجرحى على درب تحرير فلسطين، ولكن في العقدين الأخيرين شهد اشتباكات داخلية دامية بين حركة “فتح” من جهة والقوى والمجموعات الإسلامية، من جهة أخرى، أسفرت عن قتلى وجرحى ودمار ونزوح ومغادرة عشرات العائلات للمخيم.

ويقول أبو علي دهشة الذي سكن في المخيم منذ إنشائه، إن أبناء المخيم كانوا عائلة واحدة متضامنين ومتكافلين اجتماعيا فيما بينهم ولكن الأحداث المتتالية التي عصفت بالمخيم فرقت الناس عن بعضها، متمنيا أن تتوقف الاشتباكات وتحل المسائل العالقة بين الأطراف المتقاتلة ويعود النازحون إلى منازلهم داخل المخيم.

وختم بأمنية لافتة، أن “الفلسطنيين لا يريدون العودة للمخيم بل إلى فلسطين العربية”.

أما صلاح عوض أحد سكان المخيم، فيشرح كيف كان “أهلنا يعيشون بالخيم عندما قدموا من فلسطين أيام النكبة، ثم بنوا منازلهم في المخيم الأكبر في لبنان على أمل العودة إلى فلسطين ورغم كل ما حصل والدمار الذي لحق بالمخيم وخاصة خلال الاجتياح الإسرائيلي وأعيد بناؤه بعد أن بعنا ذهب أمهاتنا وزوجاتنا.

وختم هذا المخيم بالنسبة لنا هو “عنوان الصمود والعودة إلى فلسطين”.

بدوره يقول الصحفي الفلسطيني عبد الحليم شهابي “كلاجئ فلسطيني ولدت وترعرعت وتعلمت في مخيم عين الحلوة، تغير كثيرا صورة مخيمي، إذ كان نموذجا يجمع بين حياة اللجوء الذي فرض على أهلنا الذين تركوا أرضهم وبين الحب لفلسطين التي لم أعش فيها، ولكن كانت ترتسم في مخيلتي صورا جميلة بسبب حكايات والدي عن ذلك الزمن الجميل”.

وأضاف شهابي -الذي لا يزال يقطن في المخيم- أنه “في ظل الظروف الصعبة والقاسية التي عشناها وما زلنا نعيشها هذه الايام، تغير الوضع في المخيم، بالأمس كانت صباحات المخيم مفعمة برائحة القهوة وكان الجيران يتحدثون في أمور الحياة والسياسة وعن القضية الأم، أما اليوم يصحو الجار ليجد حاجزا يفصل بينه وبين جاره وتتحول الأحياء إلى جزر تفصل بينها ستائر وشوادر تحجب نظر كل منهما عن الآخر، ولعل أقسى ما شاهدته أو سمعت عنه هو أن يتحول أبناء العائلة الواحدة أو أبناء الحي الواحد إلى أعداء، يحملون البنادق ويطلقون النار على بعضهم بعضا”.

وخلص “مخيمي لم يعد كما كان في السابق. بالأمس كان عنوانا للمحبة والتلاقي، يجمع أهله حب فلسطين وحلم العودة، اليوم أشعر أن هناك تهديدا حقيقيا للأمل بالعودة”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *