أنقرة- منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انخرط الشباب الأتراك بشكل لافت في سلسلة من الفعاليات والمبادرات دعما للقضية الفلسطينية، فبرزت أمثلة لا تُنسى لشبان آمنوا بقدسية هذه القضية، منهم من قدم حياته شهيدا، في حين اتخذ آخرون مواقف بطولية تحملوا بموجبها تبعات قد تعصف بمستقبلهم.
تفاعلت الأوساط التركية والعالمية يوم الأحد 17 ديسمبر/كانون الأول 2023، مع الشاب التركي نجم الدين أربكان أكيوز الذي احتفل بفوزه بالميدالية الذهبية في البطولة الأوروبية في الكونغ فو التي أقيمت في مدينة إسطنبول برفع العلم الفلسطيني وأداء “رقصة أصحاب الأرض” المعروفة بـ “الدبكة”.
وقرر الاتحاد الأوروبي للكونغو فو إحالة البطل التركي للتحقيق، وهدده بسحب اللقب بحجة أن ما قام به يتنافى مع القيم والقوانين الخاصة بالاتحاد، مستنكرا إقحام السياسة في الأنشطة الرياضية.
وفي حوار خاص مع الجزيرة نت، قال بطل الكونغو فو التركي نجم الدين أربكان أكيوز، إنه ليس مهمّا على الإطلاق أن ينتهي مستقبله الرياضي أو أن تؤخذ منه ميدالياته، فهو يؤمن بعدالة القضية التي يدافع عنها واستحقاقها أكثر من ذلك بكثير.
وفيما يلي نص الحوار:
في الحقيقة، اسمي هو من اختيار الأستاذ نجم الدين أربكان نفسه، حيث كان والدي، عبد الرحمن أكيوز، يعمل معه منذ بداية الثمانينيات. الأستاذ أربكان كان يتعامل مع والدي الذي بقي معه في جميع محطات حياته كأحد أبنائه الأعزاء، وبالطبع تعامل معي ومع أخواتي كأحفاده، وهذا يعكس العلاقة العميقة التي جمعته بكل من حوله، حيث كان ينظر إلينا جميعا كأفراد من عائلته الكبيرة، الأمر الذي أضفى على علاقاتنا معه طابعا من القرب والتقدير.
-
ماذا وراء اهتمامك البالغ بالقضية الفلسطينية ودعمها؟
تأصل حبنا لفلسطين والوعي بقضيتها من خلال توجيهات والدي والأستاذ نجم الدين أربكان، اللذين فتحا عيوننا على حقائق الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والانتهاكات الجسيمة للحقوق الإنسانية والدولية التي تُرتكب هناك، بما في ذلك الأعمال العدائية ضد المدنيين الأبرياء. هذه الأفعال جعلتنا ندرك بشكل أعمق الظلم الذي يُمارس ضد الشعب الفلسطيني.
فلسطين، بالنسبة لنا، ستظل حرة من النهر إلى البحر، ونحن مؤمنون بأن اليوم الذي تتحرر فيه بالكامل سيأتي. من واجبنا أن ندعم ونتضامن مع الشعب الفلسطيني بكل الوسائل المتاحة لنا حتى يتحقق ذلك اليوم.
-
ما الدافع وراء رفعك للعلم الفلسطيني خلال تتويجك، وهل كان أحد على علم بنيتك هذه مسبقا؟
لقد كان من الحماقة أن لا يتوقع الاتحاد الأوروبي أنني سأفعل شيئا كهذا على منصة التتويج، لقد أقيمت البطولة في إسطنبول وكنا منذ البداية نشغل الأغاني الفلسطينية داخل القاعات وكنا واضحين بشأن موقفنا من القضية الفلسطينية والأحداث بغزة، توصلنا بالكثير من التعليقات والانتقادات بسبب هذا سواء من الاتحاد الأوروبي أو رؤساء اتحاد الدول الأخرى.
وفي الحقيقة، عندما رأيت انزعاجهم من مجرد استماعهم لأغاني فلسطين في المكان، قررت أنه يجب إزعاجهم بشكل أكبر يمكنني من خلاله لفت الأنظار إلى شيء واحد فقط وهو فلسطين.
وبخصوص تنفيذ هذا الأمر، لم أخبر أحدا بما نويت القيام به سوى والدي، الذي شجعني على فعل ما أراه مناسبا، وزميلي الذي كان بجانبي على المنصة. طلبت منه أن يبقى بعد التتويج ليتسلم شهادتي، مما سمح لي بإخراج العلم الفلسطيني والرقص به.
وهنا أذكر لكم قصة، عندما خطرت ببالي الفكرة يوم التتويج، بدأت بالبحث عن علم فلسطين فاتصلت بأصدقائي ولم أجد لديهم، بحثت في قبو الاتحاد التركي للكونغ فو ولم أجد، وذهبت لأكثر من بائع أعلام إلى أن وجدت واحدا، إذ كنت مصرا على فعل هذا الأمر مهما كلفني.
وأخفيت العلم تحت قميصي لكي لا يراني أحد، وحتى لو كانوا قد اكتشفوا ما أخفي، كنت سأمضي في خطتي على أي حال، لكنني لم أكن أرغب في الدخول في أي جدال أو نقاش حول صحة أفعالي قبل تنفيذها.
-
كيف تقيم رد فعل الاتحاد الأوروبي للكونغ فو على تصرفك؟ وهل كنت تتوقعه؟
بالفعل، كنت أتوقع الاحتجاجات والاعتراضات منهم، وبصراحة، كان هذا هدفي منذ البداية. انزعاجهم كان يمثل بالنسبة لي نوعا من الراحة النفسية، وكلما تلقيت انتقادات أكثر، تأكدت من صواب ما قمت به.
على سبيل المثال، عندما رفعت العلم، كان بجانبي متسابقان من أوكرانيا، وقد غادروا سريعا عند رؤيته. بعد ذلك، اقترب رئيس الاتحاد الأوكراني للكونغ فو من والدي، عبد الرحمن أكيوز، رئيس الاتحاد التركي، وتساءل لماذا لا نتعاطف مع أوكرانيا وندعمها كما ندعم فلسطين. أجابه والدي بأن تركيا وشعبها يدعمون جميع الشعوب المظلومة حول العالم، ولا يحق لأحد أن يفرض علينا من ندعم أو نتعاطف معه.
وأما بالنسبة لقرار فتح تحقيق بالأمر، لم أكن أعلم بقرارهم حتى ذلك اليوم الذي نشرت فيه فيديو على منصات التواصل، وقلت إنه لا يهمني لا ميدالياتهم ولا بطولاتهم، لكن في الواقع كانوا قد اتخذوا قرارهم بفتح تحقيق منذ لحظة نزولي من منصة التتويج.
الجزء المثير للسخرية في الأمر هو أنهم ذكروا في قرارهم أن ما فعلته يخالف القيم والمبادئ التي يحملها الاتحاد. أتساءل، عن أي قيم يتحدثون عندما يُقتل الأطفال والنساء يوميا؟ ما هي القيم التي تُعتبر أهم من حياة قرابة 35 ألف شخص استُشهدوا في نصف عام؟ أقولها مرة أخرى، أنا ممتن لأنني قمت بفعل شيء يُزعجهم ويكشف تواطؤهم بهذه الطريقة.
-
هل تعتقد أن قرارات الاتحاد الأوروبي للكونغ فو ستؤثر على مستقبلك الرياضي؟
لا تهمني العواقب التي قد تنجم عن قراراتهم، حتى لو أدت إلى انتهاء مسيرتي الرياضية. بالنسبة لي، الرياضة هي رسالة وأمانة، وأن يُمنع شخص من مواصلة مسيرته الرياضية لأنه نقل رسالة معينة، فهذا يعني ببساطة أن الرسالة قد وصلت. وهذا يكفيني.
أود أن أشير هنا إلى أنه تم منعي من المشاركة في البطولات الدولية في عام 2016 بعد أن عبرت عن استيائي الشديد من التمييز الواضح ضد اللاعبين الأتراك، حيث كانت تُعطى الأفضلية للاعبي الدول الأخرى. في إحدى المناسبات، انفجرت غضبا وصرخت في وجههم مطالبا بوقف الظلم، مما أدى إلى منعي من اللعب دوليا لمدة عامين. والآن، عدت مجددا وأنا مستعد لتحمل كافة العواقب مهما كانت.
أود أن أوضح أن تعليقاتي السابقة لا ينبغي أن تُفسر على أنها عدم اكتراث بالرياضة أو بمسيرتي الرياضية. أنا شغوف جدا بالكونغ فو، وقد بدأت بممارسته منذ طفولتي، وقد حصلت على العديد من الجوائز على مستوى تركيا وأوروبا والعالم.
ما يزعجني هو المعايير المزدوجة، فلو كنت قد رفعت علم أوكرانيا أو دعمت الشذوذ الجنسي، لكان قد تم استقبالي بحفاوة بالغة وتقدير كبير. لكن عندما يتعلق الأمر بفلسطين، يتغير الوضع ويُثار الانزعاج. إذا كان هذا يزعجهم، فليكن.
-
كيف كانت ردة فعل عائلتك وأصدقائك على ما فعلت؟
بالتأكيد، عائلتي وأصدقائي كانوا مساندين لي بشكل كبير، فقد نشأت في بيئة متدينة تولي اهتماما كبيرا لقضايا الأمة وتدافع عنها بقوة.
بعد نشري للفيديو الذي أعقب قرار الاتحاد، تلقى والدي، الذي يتولى رئاسة الاتحاد التركي، اتصالا من رئيس الاتحاد الأوروبي. كان ذلك بعد أن اتصل رئيس الاتحاد الإسرائيلي به ليطلب منه أن أحذف المقطع.
والدي أوضح لرئيس الاتحاد الأوروبي أن كل ما بوسعه فعله هو نقل الرسالة إليّ، وأنه لن يجبرني على أي شيء. لقد نقل والدي الرسالة إليّ بالفعل، وأشار إلى أن أقوم بما يليق بي وبتقاليدنا.
-
ما الرسالة التي تريد إيصالها للعالم؟
لم يكن ما فعلته أمرا مهما أو ذا قيمة مقارنة بما يحصل حتى اللحظة في غزة، فقتل الأطفال والنساء والشيوخ لم يتوقف ولا تزال إسرائيل ترتكب جرائمها دون حسيب أو رقيب.
أدعو الجميع، إذا كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، لتكونوا صوت فلسطين. انقلوا معاناة أهلها، وتضامنوا معهم، وكونوا سندا لهم وأعدكم أن أكون أنا أيضا كذلك، وتذكروا دائما أنه لا يحمل أحد إلى قبره شيئا، لا جاه ولا مال ولا سلطة.