منذ تأسيس إسرائيل فإنها تعتمد على استراتيجية “الردع”، إذ يجب أن ينظر إليها على أنها خطيرة جدا ولا يمكن إزعاجها أبدا، ولكن هذه الاستراتيجية قد لا تنجو من التوترات الحالية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرييل شارون، قال في أحد تصريحاته سابقا، إن الردع هو “السلاح الرئيسي للبلاد.. أي الخوف منا”، فيما قال الجنرال الإسرائيلي، موشيه ديان، “إن إسرائيل يجب أن ينظر لها على أنها كلب مسعور. خطير جدا بحيث لا يمكن إزعاجه”.
ووفق تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي ما وقع في السابع من أكتوبر الماضي، وضع هذه الاستراتيجية على المحك إذ أصبح هناك “ضرورة وجودية غير مسبوقة لإعادة بناء قوة الردع في إسرائيل، والتي تتضاءل بشكل متزايد منذ انسحابه من لبنان في عام 2000”.
ويشرح التقرير أن حرب إسرائيل في غزة “رد فعل إسرائيلي لا بد أن يكون بنفس القدر، وهو نوبة من العنف لا مثيل لها من حيث النطاق والشدة”، مذكرا بتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بأن “الجيش الإسرائيلي سيهاجم حماس بقوة لم يسبق لها مثيل”.
ولكن بعد أشهر من الحرب الضارية “فشلت العروض الإسرائيلية غير المسبوقة للقوة العسكرية في غزة، والجهود المرتبطة بها في أماكن أخرى في المنطقة في استعادة الردع الإسرائيلي” بحسب تقرير للمجلة.
ويبرر التقرير الذي أعده، سجاد صفائي، وهو باحث في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا في ألمانيا، السبب الأساسي في “الفشل” بأن “النصر العسكري الكبير وإصابة حماس بالضرر الحاسم، لا يزال بعيد المنال.. وبدلا من ذلك تثير الهجمات البرية التي تشنها القوات الإسرائيلية إدانة دولية، كما أدت معدلات الخسائر المرتفع إلى حد مثير للقلق في والتي أصابت الجيش الإسرائيلي، ما يثير مخاوف سابقة بشأن ضعف القوات البرية الإسرائيلية”.
وأضاف أن ما يحدث “لم يوصل أي رسالة قوة إلى أعداء إسرائيل، وخاصة حزب الله”.
ومنذ بدء الحرب في غزة، تسببت اشتباكات في شمال إسرائيل مع حزب الله إلى الدفع بأكثر من 80 ألف مدني إسرائيلي بعيدا عن الحدود، ما يعني أن حزب الله استطاع فرض شروط الاشتباك الخاصة به من خلال إنشاء منطقة عازلة داخل إسرائيل.
ما تواجهه إسرائيل “يشكل إهانة خطيرة للردع الإسرائيلي”، بحسب التقرير، مستشهدا بتصريحات لواء احتياط في الجيش الإسرائيلي، غيرشون هكوهين التي وصف فيها سلوك الجيش الإسرائيلي في الشمال بأنه “محرج”.
ناهيك عن أن الحفاظ على استراتيجية الردع قائمة، أصبح أكثر صعوبة من أي وقت مضى خاصة مع “الرؤوس الحربية الإيرانية التي حلقت فوق سماء إسرائيل”، وهو ما جعل من “هالة إسرائيل التي لا تقهر تهتز بشدة”.
سيناريوهات أمام إسرائيل
ويشير التقرير إلى أن قادة إسرائيل قد يجدون أنفسهم أمام عدة سيناريوهات، بأن يجبروا على “تكثيف جهودهم لإعادة بناء قوة الردع في حرب واسعة النطاق مع حزب الله، رغم أن احتمالات النجاح ستكون ضئيلة من دون مشاركة قوية للولايات المتحدة في هذه الحرب”.
وبهذا ستصعد إسرائيل من العمليات العسكرية في غزة، ما يعني زيادة الانتقادات الدولية والعزلة، أو الدفع نحو تطوير أنظمة دفاع جوي من الجيل التالي، تتضمن تقنيات متطورة.
ويلفت التقرير إلى أن ذلك قد يشكل تحفيزا للتحرك نحو المزيد من السبل الدبلوماسية كوسيلة لتأمين السلام والاستقرار الدائمين، مضيفا أنه من الواضح حتى الآن أن “محاولة إسرائيل لاستعادة أمنها لم تقترب بعد من الانتهاء منها”.
وقف إطلاق النار
وفي الوقت الذي قد يكون خيار التوسع في استراتيجية الردع الإسرائيلي مطروحا أمام قادة إسرائيل، يؤكد تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز أن هناك خيارا آخر بإعلان إسرائيل وقف إطلاق النار بشكل أحادي في غزة، وهو ما سيشكل “فرصة لقلب الطاولة على حماس وإيران” ويعزز من توجهات إسرائيل بالتطبيع مع السعودية.
ويؤكد التحليل الذي أعداه دينس روس، وهو مبعوث أميركي سابق إلى الشرق الأوسط، وشغل مناصب عليا في مجال الأمن القومي الأميركي، بالتعاون مع ديفيد ماكوفسكي وهو باحث في معهد واشنطن ومدير مشروع كوريت للعلاقات العربية الإسرائيلية، أن “إسرائيل أمام فرصة سانحة في عام بالغ الصعوبة.. وهو ما ينطبق بالقدر ذاته على الولايات المتحدة” بإظهار القدرة على “تحمل الحرب بين إسرائيل وحماس والفوضى التي أوجدها وكلاء إيران، وإيجاد شرق أوسط أكثر استقرارا”.
واشنطن: حماس لم ترد على مقترح “الفرصة الأخيرة”
أفاد البيت الأبيض، الأربعاء، بأن حركة حماس الفلسطينية لم ترد – حتى الآن – على مقترح لهدنة تفضي لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن المحتجزين بقطاع غزة، حسبما ذكر مراسل قناة “الحرة”.
ويشدد بأن العلاقات بين الرئيس الأميركي، جو بايدن ونتانياهو قد تصبح أكثر توترا، لكن اتفاق التطبيع الذي تتوسط فيه واشنطن بين إسرائيل والسعودية هو أهم شيء “يمكنه أن يغير مسار العلاقات”، إذ يدرك بايدن الحاجة إلى تقدم سياسي ذي مصداقية للفلسطينيين قبل وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق التطبيع، ولهذا على نتانياهو أن يتعامل مع قاعدته السياسية التي تعارض قيام الدولة الفلسطينية، وتخفيف الأزمة الإنسانية في غزة، وهو ما لا يمكن القيام به من دون وقف لإطلاق النار.
هذه الخيارات ستكون صعبة من الناحية السياسية على نتانياهو، ولكن الضغوطات التي تضعها إسرائيل في غزة لم تفض إلى إطلاق سراح الرهائن، والتهديد بعملية واسعة في رفح لا يمكن أن تتم إلا بإجلاء نحو 1.5 مليون فلسطيني وضمان حصولهم على مكان أمن فيه غذاء وماء ودواء، في عملية إجلاء قد تستغرق نحو ستة أسابيع أو أكثر.
وفي ضوء هذه الحقائق بحسب التحليل، ينبغي على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار، والسماح للمنظمات الإنسانية تخفيف الأوضاع في غزة، ومعالجة المخاوف الدولية، ووضع آلية أفضل لدخول المساعدات، وتوزيعها، ما يعني إعادة تركيز انتباه العالم إلى “تعنت حماس ومحنة الرهائن الإسرائيليين، ما من شأنه المساعدة في تغيير السرد المتشكك الذي يسيطر على الرواية الإسرائيلية على المستوى الدولي ويقلل الضغط عليها لإنهاء الحرب من دون قيد أو شرط”.
و”ببساطة” على حد تعبير كانت التحليل، وقف إطلاق النار الإسرائيلي من جانب أحادي لمدة أربعة إلى ستة أسابيع من شأنه أن يوجد فرصة استراتيجية لتطبيع العلاقات مع السعودية، وتحويل التحالف الإقليمي الضمني الذي ظهر بعد هجوم إيران على إسرائيل إلى واقع أكثر جدية.
بلينكن يزور معبرا إسرائيليا مع غزة لتفقد المساعدات
جال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأربعاء في معبر كرم أبو سالم الحدودي بين إسرائيل وقطاع غزة لتفقد عبور شاحنات المساعدات، وفق مراسل وكالة فرانس برس، بعد أن دعا إسرائيل إلى بذل المزيد لمساعدة القطاع.
وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن الأربعاء إنه لم يطلع بعد على خطة للهجوم الذي تتوعد إسرائيل بشنه على رفح تتضمن حماية للمدنيين، وجدد التأكيد على أن واشنطن لا يمكنها دعم مثل هذا الهجوم.
وعقد بلينكن، الأربعاء، اجتماعا في القدس على مدار ساعتين ونصف مع نتانياهو، وبعد ذلك كررت إسرائيل موقفها بأن عملية رفح ستمضي قدما رغم الموقف الأميركي وتحذير الأمم المتحدة من أنها ستؤدي إلى “مأساة”.