استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والوضع المعقد على حدود إسرائيل الشمالية كبدا اقتصادها قدرا كبيرا من عدم اليقين، وهو يظهر من خلال عدة مؤشرات، وفق ما ذكرت صحيفة “غلوبس” الاقتصادية الإسرائيلية.
وأشارت الصحيفة إلى أن المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران ساهمت في إضعاف الشيكل ودفع علاوة المخاطر على السندات الحكومية إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من 10 سنوات، وعلى النقيض، عندما انتشر في الأيام الأخيرة حديث عن قرب اتفاق مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى، تلقت بورصة تل أبيب التي استأنفت نشاطها أمس (بعد عطلة عيد الفصح الذي استمر أسبوعا) دعما، كما ارتفعت المؤشرات الرئيسية.
ونقلت الصحيفة الاقتصادية الإسرائيلية، ما قاله 3 ممن وصفتهم بـ”كبار المحللين”، لرسم ما قد يحدث للاقتصاد المحلي في حال التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى أو مزيد من التصعيد بما في ذلك العمليات العسكرية الإسرائيلية واسعة النطاق في قطاع غزة.
الشيكل
يعد أحد المقاييس الرئيسية والأسرع تفاعلا للمعنويات تجاه الاقتصاد المحلي هو سعر صرف الشيكل مقابل الدولار، ورغم الارتفاع الحاد في قيمته في الأيام القليلة الماضية، مع تزايد الحديث عن صفقة، فإن سعر الشيكل مقابل الدولار لا يزال يسعّر بعلاوة مخاطرة عالية، وفق الصحيفة.
وحتى الآن هذا العام، انخفضت قيمة الشيكل بنسبة 4% مقابل الدولار مع استمرار الحرب على قطاع غزة لأكثر من 6 أشهر.
ووفق تقديرات مختلفة، فإن سعر صرف الشيكل مقابل الدولار في علاوة مخاطر تبلغ حوالي 0.30 شيكل، وتوقع بنك أوف أميركا قبل بضعة أيام، ارتفاع الشيكل تدريجيا لما يصل إلى 3.5 شيكلات مقابل الدولار بحلول أوائل العام المقبل، على أساس افتراض تراجع حالة عدم اليقين (السعر الحالي يحوم حول 3.73 شيكلات مقابل دولار).
ونقلت الصحيفة عن كبير إستراتيجيي الأسواق المالية في بنك هبوعليم الإسرائيلي مودي شفرير، قوله: “حتى نهاية الأسبوع الماضي، لم تتوقع الأسواق احتمالية كبيرة لنشوء وضع يبدأ فيه وقف إطلاق النار ويتم صياغة صفقة أسرى بين إسرائيل وحماس، لذلك واصل الشيكل ضعفه مقابل سلة العملات وارتفعت علاوة المخاطرة في إسرائيل”.
وأضاف شفرير أن العامل الأساسي الذي أثر على أداء الأسواق الإسرائيلية في الآونة الأخيرة هو التصعيد تجاه إيران، وهو ما أثار مخاوف من نشوب صراع إقليمي، وفي الأسبوعين الماضيين، تراجعت حدة المخاوف بصورة ما، إذ أدركت الأسواق أنه لن يكون هناك تصعيد مع إيران، لكنها في الوقت نفسه لم تتوقع التوصل إلى اتفاق، حسبما نقلت عنه الصحيفة.
وتابع: “التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن يمكن أن يضع التقدم في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية على الطاولة مرة أخرى، إذ يقوم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بجولات مكوكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ما من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض مماثل في علاوة المخاطر لإسرائيل لتعزيز الشيكل”.
لكنه في المقابل يقول إنه إذا انهارت المفاوضات، فإن ذلك قد يعيد الشيكل إلى الاتجاه الهبوطي المستمر إلى الآن، في حين سترتفع علاوة المخاطر، مضيفا: “هذه التراجعات لن تكون كبيرة للغاية، لأن سعر صرف الشيكل مقابل الدولار وعلاوة المخاطر مرتفعة على أي حال”.
وأشار إلى أن أي تقييم صعب لأن “تأثير الدخول إلى رفح سيعتمد على العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام العالمية ، وعلى العملية نفسها”.
ويوضح يوني فانينغ كبير الإستراتيجيين في بنك مزراحي طفحوت، أن سوق الصرف الأجنبي العالمي أظهر ضغوطا عالية جدا الشهر الماضي، وأن هذه لم تكن مجرد ظاهرة محلية، فقد حدث ذلك في الأسواق العالمية كذلك، عندما كان هناك احتمال لاحتدام صراع بين إسرائيل وإيران.
البورصة
في العام الماضي، وهذا العام حتى الآن، كان أداء سوق البورصة الإسرائيلية دون نظرائه في العالم. والسؤال الذي طرحته الصحيفة الاقتصادية الإسرائيلية: كيف سيؤثر وقف إطلاق النار على سوق الأسهم؟
وقال غوناثان كاتز كبير الاقتصاديين في شركة ليدر كابيتال ماركتس: “قوة صعود (البورصة) ستكون مرتبطة بالاتفاق وما سيبدو عليه، سواء كان مستداما أم لا”.
وأضاف أن سيناريو عودة الرهائن ووقف إطلاق النار طويل الأمد سيؤدي إلى تفاهمات وتهدئة الأوضاع في الشمال أيضا، وأن “وقف إطلاق النار في الجنوب سيجنبنا الحاجة إلى الدخول إلى لبنان وفتح جبهة أخرى. وإذا فهمت الأسواق ذلك، فإن هذا السيناريو سيكون إيجابيا”.
وأوضح أنه في حال التوصل إلى اتفاق فإن ارتفاع الأسواق سيكون شاملا وستدعم قيمة الشيكل مع انخفاض علاوة المخاطرة.
وأشار كاتس إلى أن الأسهم الإسرائيلية تلقت ضربة مزدوجة، فقد “أدت الاضطرابات الاجتماعية وبرنامج الإصلاح القضائي في أوائل عام 2023 إلى أفق سلبي للأسواق وإلى توقعات سلبية من جانب وكالات التصنيف الائتماني، حتى قبل الحرب. وأضيف إلى ذلك التوتر الجيوسياسي منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ولا يبدو أننا سنسد هذه الفجوة، لأنها تنبع من عوامل أخرى لن تختفي بالضرورة”.
العجز المالي
يبلغ العجز المالي الإسرائيلي لعام 2024 وفقا لتقديرات وزارة المالية وبنك إسرائيل 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن ثمة توقعات في الأسواق المالية أكثر تشاؤما تشير إلى عجز قد يصل إلى 8% في الوضع الحالي، وتقول الهيئات الدولية وبنك إسرائيل إن التصعيد الشديد في الوضع الأمني، مثل الحرب الشاملة في الشمال، سوف يحطم التوقعات.
وأكد شفرير، على أهمية المساعدات الخارجية، قائلا: “لقد تلقينا حزمة مساعدات كبيرة من الولايات المتحدة (26.4 مليار دولار)، وهو ما من شأنه أن يساعد في تحسين الوضع المالي لإسرائيل ومع ذلك فإن أي تصعيد كبير قد يؤدي إلى ارتفاع علاوة المخاطرة لإسرائيل، وعجزها المالي”.
ويوضح كاتس، الذي عمل من قبل في “قسم الموازنتان” بوزارة المالية، أن العجز يتأثر بـ3 “مجاهيل” على حد وصفه:
- الأول المساعدات الأميركية، التي تم تعليقها في الكونغرس قبل إقرارها مؤخرا.
- والثاني هو فتح جبهة شمالية والتصعيد.
- إمكانية حدوث انتعاش اقتصادي بعد الحرب.