لم يستبعد محللون وخبراء أن الولايات المتحدة هي من يقف وراء عزم المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مع تأكيدهم أن أي تحرك قضائي ضد إسرائيل يتسم بالبطء الشديد.
وفي هذا السياق، يعتقد الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، الدكتور لقاء مكي، أن الولايات المتحدة هي من حركت هذا الملف للضغط على نتنياهو للكف عن عناده والقبول بصفقة تبادل، إلى جانب التفاهم حول اجتياح رفح جنوبي قطاع غزة.
وأوضح مكي -خلال حديثه لبرنامج “غزة.. ماذا بعد؟”- أن واشنطن تمسك بزمام الجنائية الدولية، ولديها قرار بألا تستمر الحرب على غزة، مضيفا أنها تريد تطويع نتنياهو “لذلك هناك نوع من تصفية الحسابات الداخلية في إسرائيل، ومحاولة الاستفادة مما يجري”.
ولفت إلى أن هناك قرارا أميركيا بأن يحاسب نتنياهو على تحديه الرئيس جو بايدن، متوقعا أن هذه الخطوة قد تنهي مسيرة نتنياهو السياسية، مع إشارته إلى أن الأخير لم يعد لديه قدرة على مقاومة الضغوط الأميركية وسيختار واشنطن لحمايته.
وبحسب مكي، فإن التلويح بورقة الجنائية الدولية هو آخر المطاف، وقد افتعل الآن من أجل إجبار نتنياهو على حل في غزة، مستدلا بالحديث عن مفاوضات لإبرام صفقة تبادل، ومبادرة مصرية فيما يبدو أن هناك نية إسرائيلية لوقف الحرب.
ووصف ما يحدث بأنه قرصة لنتنياهو وشركائه باليمين المتطرف خاصة الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، مبينا أن رئيس الوزراء أمام معضلة “إما يحاكم بالخارج أو تنهار حكومته ويحاكم داخليا”.
سيناريو قد تلجأ إليه المحكمة
بدوره بين الباحث والمحاضر بالقانون الدولي الدكتور ضرغام سيف أن تحرك الجنائية الدولية ضد قادة إسرائيل وارد لأنه يرتكز على ما يسمى الدائرة التمهيدية داخل المحكمة التي تتولى إصدار مذكرات التوقيف مثلما حدث مع الرئيس السوداني المعزول عمر البشير والرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين.
ولم يخفِ الباحث تعرض المحكمة لضغوط سياسية، لكنه استدرك بالقول إن إصدارها سابقا أوامر اعتقال لرؤساء دول يقوي موقفها، خاصة أنها تعد حديثة وتحاول أخذ شرعية دولية وملاحقة الأفراد المتورطين.
وتوقع أن تلجأ الجنايات الدولية لإصدار أوامر اعتقال بحق قيادات إسرائيلية وأخرى من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لكي لا تتهم بالانحياز لأي طرف، مشددا على أن سمعة المحكمة على المحك.
وأشار الباحث إلى أن إسرائيل تواجه لأول مرة في تاريخها إمكانية إصدار مذكرات اعتقال لقيادتها، مضيفا أن على الجنائية الدولية الاستفادة من قرار محكمة العدل الدولية بشأن قضية الإبادة في غزة لإصدار أوامر التوقيف.
وبينما أقر أن المحافل القضائية الدولية تتحرك ببطء بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، توقع المختص بالقانون الدولي أن يسرع إيقاف الحرب من إصدار مذكرات الاعتقال لأن الضغط السياسي سوف يقل على المحكمة.
مساران يعتمدهما نتنياهو
من جانبه يقول الأكاديمي والخبير بالشؤون الإسرائيلية الدكتور محمد هلسة إن هناك انحيازا مطلقا من رئيس الجنائية الدولية كريم خان الذي جاء “مهرولا للقاء أقارب الإسرائيليين الذين قتلوا في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، مقابل لقاء خاطف مع الفلسطينيين”.
ولفت الخبير بالشؤون الإسرائيلية إلى أن الجنائية الدولية احتاجت أسبوعين فقط لإدانة بوتين، لكنها لم تتحرك ضد نتنياهو رغم دخول الحرب شهرها السابع.
وبحسب المتحدث، هناك استثمار سياسي داخل إسرائيل لتطويع نتنياهو -وربما خارجي- تقف خلفه الولايات المتحدة التي قال إنها استمرت في ابتلاع إهانات إسرائيل من أجل إبقاء العلاقة الإستراتيجية العميقة مع واشنطن.
وبدا الخبير بالشؤون الإسرائيلية مخالفا للدكتور مكي في الرأي، مشيرا إلى أن نتنياهو مراوغ وسلوكه لا يقول إنه انتهى، بل يعتمد على مسارين أحدهما إستراتيجي يذهب لتحقيقه بكل ما أوتي من قوة وهو استمرار الحرب، في حين الآخر استعراضي تكتيكي لامتصاص ردة الفعل الداخلية والخارجية.