إغلاق معبر رأس جدير يقطع أوردة مدن تونسية وليبية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

بن قردان– شوارع شبه فارغة ومحلات تجارية مغلقة، هكذا باتت مدينة بن قردان (جنوب شرقي تونس) بعد شهر ونصف الشهر من إغلاق معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا، فالحركة الاقتصادية خاملة وملامح أهاليها الشاحبة جالية، بينما يرجح أن تزداد الأوضاع سوءا إذا امتدت الخلافات الداخلية الليبية فترة أطول.

وفي هذه المدينة الحدودية حيث تتمركز القوات الأمنية المدججة بالذخيرة والسلاح، توقفت عشرات العربات وشاحنات نقل البضائع والتجارة من الجانبين، حيث لا يسمح إلا بدخول الحالات المستعجلة والخطيرة، أو بدخول التونسيين العائدين من ليبيا، وذلك منذ إعلان القوات الليبية إغلاق المعبر.

وتبدو المدينة وكأنها مدينة أشباح، فهنا نفدت كمية البنزين المهرب في أماكن بيعها على الطريق الرئيسي للمعبر، وأغلق أغلب التجار محلاتهم جراء ما لحقهم من أضرار جسيمة، وهو ما قد يتسبب في فقدان آلاف موارد الرزق في أكثر من 70 مدينة من الغرب الليبي والجنوب والوسط التونسي.

خسائر جسيمة

هنا -وعلى بعد ما يناهز 32 كيلومترا عن المعبر الحدودي رأس جدير- مشهد السيارات رباعية الدفع تحوم فارغة وسط المدينة، والتي كانت في العادة لا تتوقف عن رحلات نقل البضائع، ويترجم حال مقاهيها التي غصت بسجائر العاطلين عن العمل، بعدما أغلقوا محلاتهم باكرا.

أما الستائر والأقمشة والآلات المنزلية، المستوردة من تركيا والصين وايطاليا عبر التراب الليبي، فقد اختفت من سوق المدينة أو ما يعرف  بـ”سوق ليبيا” في بن قردان، بعدما كانت تعج بالسلع التي يأتي بها التجار عبر خط تجاري شبه رسمي اُتفق على تسميته “الخط”.

كما اختفت السلع ذات العلامات التجارية العالمية في “السوق المغاربية” التي كانت تباع بأسعار تفضيلية وكميات كبيرة، واختفى أيضا التجار والمقبلون على شراء مستلزمات الزواج والذين كانوا يتوافدون للتبضع، من مختلف المحافظات التونسية بحثا عن بضائع أقل ثمنا.

وتنشط هذه الأسواق دون مراقبة جبائية وجمركية، وتسمح لهم السلطات بذلك لأنها تعتبر هذه التجارة بديلا عن التنمية التي عجزت على إرسائها في المنطقة، بحسب تأكيد عدد من الأهالي وأصحاب المحلات الذين التقتهم الجزيرة نت.

فعلى طول شوارع المدينة، يجمع أغلب التجار على أن حركة دخول الشاحنات أصبحت مقتصرة فقط على منفذ “الذهيبة-وازن” حيث يستغرق دخول الشاحنات جراء الازدحام 4 أيام، معتبرين أن النشاط الاقتصادي تراجع بشكل ملحوظ، مما تسبب في ارتفاع أسعار السلع.

ويرى الأربعيني أيمن الجويني -للجزيرة نت- أن ارتفاع أسعار الستائر والأغطية والأقمشة والمعدات المنزلية، كأجهزة التبريد المستوردة، نتيجة طبيعية ومباشرة لإغلاق المعبر الحدودي رأس جدير، في مدينة بن قردان التي تفتقر إلى أبسط مقومات التنمية.

أزمة خانقة

أما في شارع الصرف في بن قردان كما اعتاد الأهالي تسميته، فقد اُغلقت أيضا عشرات مكاتب الصرف غير الرسمية، بعدما كانت وجهة كثير من الزبائن، لاستبدال الجنيه وهو الاسم الذي يتم اعتماده في هذه الأوساط نسبة للدينار الليبي، ويقول محمد “بحرقة” للجزيرة نت “غلق رأس جدير كلفنا خسائر كبيرة”.

ويضيف الشاب محمد شواط مشيرا بإصبعه إلى آخر الشارع “هنا كانت تتوالى مكاتب الصرف غير الرسمية الواحد تلو الآخر التي نقتات منها جميعا. اليوم وضعنا أصبح صعبا” مضيفا أنه لا بد من إعادة فتح المعبر الذي يمثل مصدر رزق لقرى ومدن بأكملها بالاتجاهين الليبي والتونسي.

من جانبه، يقول محسن الصومعي للجزيرة نت إن غلق المعبر الحيوي بين تونس وليبيا له انعكاسات مباشرة آنية على حركة الأفراد والسلع بين البلدين، حيث تعبر يوميا مئات الشاحنات من الجانبين في إطار التجارة المتبادلة وتصدير السلع التونسية نحو جارتها الجنوبية.

ويؤكد أن سعر الوعاء البلاستيكي، الذي يحتوي على ما يناهز 22 لتراً من البنزين المهرب مثلا، سجل ارتفاعا قياسيا ليصل إلى حوالي 55 دينارا تونسيا (17.6 دولاراً) قبل أن يختفي تماما مع تعطل الحركة وسط المعبر.

وقد أغلقت السلطات في ليبيا وتونس معبر رأس جدير الحدودي في مدينة بن قردان من ولاية مدنين جنوب شرق، الأربعاء 20 مارس/آذار الماضي، بعد اشتباكات وقعت بين قوتين ليبيتين، بالاتجاهين.

مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان ..تونس وليبيا تتكبد خسائر دسيمة من اغلاق المعبر الدولي رأس الجدير

معاناة مشتركة

حالة الشلل الاقتصادي لا تقتصر فقط على مدن الجنوب التونسي، إذ تتكبد مدن غرب ليبيا هي الأخرى خسائر اقتصادية كبيرة جراء توقف البضائع والسلع الحيوية إلى مدن زوارة والجميل وصبراتة والزنتان، كما لم يتسن للعائلات الليبية العبور نحو المصحات الاستشفائية بتونس.

وبحسب تصريحات سابقة للمدير العام للديوان الوطني للسياحة التونسية نزار سليمان، فقد بلغ عدد السياح خلال سنة 2022 أكثر من 4 ملايين و750 ألفا، حيث حلت السوق الليبية في المرتبة الثانية بـ815 ألفا و83 سائحا.

ويقول رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير إنه -وفق إحصائيات رسمية تحصل عليها المرصد من السلطات التونسية (وزارتي المالية والداخلية)- فإن حجم المبادلات التجارية بين تونس وليبيا على مستوى مفارقات الصادرات التونسية يفوق (1.28 مليار دولار).

ويضيف أن المعبر الحدودي يؤمن سنويا عبور نحو 3 ملايين مسافر، بينما تتراوح أعداد السيارات المارة بالاتجاهين بين 7 آلاف و10 آلاف سيارة يوميا، وتتراوح أعداد الشاحنات ذات الحمولة العالية والعابرة للقارات بين 200 و300 شاحنة يوميا.

مخرجات الأزمة

لطالما كانت بن قردان المكان الآمن لأعداد كبيرة، من الليبيين وجنسيات مختلفة، الذين توافدوا على تونس، بدرجات غير مألوفة هربا من نيران القتال، منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، وباتت اليوم خالية من الليبيين مما يضر بوضع التونسيين المعيشي.

ولا يحبذ الطرف التونسي التدخل بالشأن الليبي، ويحرص على الحوار الداخلي الليبي في صناعة القرار دون أي تدخل خارجي، وذلك استنادا إلى تصريحات عدد من المسؤولين والدبلوماسيين التونسيين.

ويرجح أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي رافع الطبيب -للجزيرة نت- أن تنعكس مخرجات القمة الثلاثية، التي جمعت تونس وليبيا والجزائر مؤخرا، إيجابيا لإيجاد حل للخلافات الداخلية الليبية حول المعبر.

ويضيف أن إنجاز مناطق حرة في المغرب العربي، وتحديدا في معبر رأس جدير الذي يربط بين تونس وبقية العمق الأفريقي، بات هدفا أمنيا واقتصاديا تسهر على تحقيقه الدول التي شاركت منها في القمة الثلاثية الأخيرة بتونس.

من جهة أخرى، يطالب رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، السلطات التونسية، بالتحرك من أجل تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية المتناحرة، موضحا أنه لا توجد رغبة جدية من السلطات التونسية في التعامل مع هذا الملف.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *