القدس المحتلة- شكّل إخطار بطريركية الروم الأرثوذكس لمدرسة “مار متري”، القاضي بإغلاق هذا الصرح التعليمي التابع لها في البلدة القديمة من مدينة القدس المحتلة، صدمة لإدارة المدرسة وطاقمها الأكاديمي وللطلبة وأولياء أمورهم.
ادّعت البطريركية أن قرار الإغلاق جاء “نتيجة التكلفة التشغيلية العالية، والضغط المالي الكبير الذي تعانيه المدرسة”، وأضافت أن مدرسة لـ”صعوبات التعلّم” ستشغل المبنى بدءا من العام الدراسي 2025-2026.
هذه “الادعاءات”، كما يصفها مقدسيون، لم تنطلِ عليهم، خاصة أن البطريرك الأرثوذكسي كيريوس ثيوفيلوس الثالث، ارتبط اسمه بعدد من صفقات بيع أوقاف تابعة للكنيسة أو تأجيرها للاحتلال الإسرائيلي منذ انتخابه بطريركا بالإجماع في 9 أغسطس/آب 2005، وتتويجه على الكرسي الأورشليمي في 22 نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته.
رفض الإغلاق
أصدر أولياء أمور مدرسة “مار متري” وطاقمها التربوي وطلبتها بيانا، ظهر اليوم الثلاثاء، طالبوا فيه اعتبار قرار إغلاق المدرسة لاغيا لأنه “يمس بهذه المؤسسة العريقة، ويهدد الوجود العربي المسيحي الإسلامي في القدس، وينطوي على أبعاد خطيرة”.
وأمام مدرستهم احتشد الطلبة، الذين يقدر عددهم بـ322 طالبا وطالبة، من المسلمين والمسيحيين الذين يدرسون المنهاج الفلسطيني، وساروا نحو البطريركية مرددين هتافات أبرزها “مار متري يا روحي.. وين نروح إذا بتروحي”.
غادة غنيم، مسؤولة المرحلة الأساسية في مدرسة “مار متري” قالت، في حديثها للجزيرة نت، إن موقع المدرسة الإستراتيجي يضعها في أخطار معينة، وربما هناك مخططات غير ظاهرة أمامنا، “وعندما أُبلغنا بإمكانية إغلاق المدرسة نزل الخبر علينا كالصاعقة وهذه كارثة حقيقية”.
وأضافت في حديثها للجزيرة نت “وصلنا أن سبب إغلاق المدرسة هو العجز المالي، ونناشد المؤسسات المعنية بمدينة القدس لسد هذا العجز بدلا من إغلاق المدرسة، ونطلب من المجتمع المقدسي حمايتها، وضمان استمرارية عملها لأنها شريان حياة في البلدة القديمة”.
تصفية أوقاف البطريركية
وبعد ساعات من تعليق الدوام، صدر تعميم بأن “جهات مسؤولة وغيورة على المصلحة العامة توجهت للبطريرك ثيوفيلوس، وطلبت منه السماح بالتدخل لإيجاد حل لهذه الأزمة عبر تشكيل لجنة لدراسة جميع المبررات والأسباب التي دفعت البطريركية لاتخاذ قرارها”، على أن ترفع التوصيات للبطريركية خلال أسبوعين لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
عضو المجلس المركزي الأرثوذكسي عدي بجّالي، قال، في مستهل حديثه للجزيرة نت، إن البطريرك عيّن شخصا يعيش في الأردن بمنصب رئيس ومقرر لجنة المدارس الأرثوذكسية في فلسطين، ويعمل هذا الشخص بصلاحيات مطلقة من البطريرك “على تجفيف المدارس التابعة للبطريركية، خاصة في القدس”.
“همُّ البطريرك ومن حوله هو عدم الإنفاق من خزينة البطريركية من جهة، وبحث آليات لنهب أموالها من جهة أخرى، لأنه لا يوجد لدى هؤلاء انتماء للحضور العربي المسيحي والمسلم، ودستور هذه البطريركية اليونانية هو الحفاظ على الإرث الإغريقي في البلاد لا غير”، أضاف بجالي.
ورغم أن الجميع يشهد لمدير مدرسة “مار متري” سمير زنانيري -وفقا لبجّالي- بمهنيته العالية التي أدت إلى رفع عدد الطلبة في المدرسة من 170 إلى أكثر من 300، إلا أن رئيس لجنة المدارس الأرثوذكسية سأله يوما: “ألن تستقيل؟”، وللتضييق عليه تم طرد نائبه وعدد من المعلمين الأكفاء في المدرسة.
“تحويل المدرسة إلى أخرى تتخصص بصعوبات التعلم يعني أن المبنى سيؤجر لشركة أو للبلدية دون الالتفات لمصير الطلبة والمعلمين ولإرث هذه المدرسة العريقة”، أردف بجّالي.
ويتبع لهذه البطريركية العديد من المدارس في الداخل الفلسطيني والضفة الغربية والقدس، ويتّبع البطريرك الحالي، من خلال رئيس اللجنة، الأسلوب ذاته مع كافة المدارس في سعي لإغلاقها.
ولا يرى بجّالي ذلك بعيدا عن صيرورة عمل مستمرة في “تصفية كافة الأوقاف والأملاك التابعة لبطريركية الروم الأرثوذكس في فلسطين بمباركة من الأردن والسلطة الفلسطينية”.
أملاك هائلة
ووصف عضو المجلس المركزي الأرثوذكسي حجم أملاك البطريركية بالهائل، قائلا إن الأملاك الوقفية التابعة لهذه الكنيسة قُدّرت قبل عام 1948 بـ30% من مجمل الأوقاف الإسلامية واليهودية والمسيحية.
وأضاف أنه تمت تصفية معظم الأملاك، إما من خلال صفقات تسريب لصالح إسرائيل أو إغلاق المؤسسات التابعة للكنيسة اليونانية أمام الشعب، الذي من الممكن أن يستفيد منها كالمدارس والمراكز الثقافية بادعاءات مختلفة.
وأكد بجّالي أنه في المنطقة التي يطلق عليها الآن اسم “بيت شيمش” وهي قرية “البريج” المهجرة الواقعة بين القدس واللد كانت بطريركية الروم الأرثوذكس تملك فيها 22 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع).
ومن شمال فلسطين إلى جنوبها تمتد أملاك البطريركية، وفي عهد البطريرك الحالي سربت في القدس الكثير من الأراضي والعقارات حسب بجّالي، بدءا من حيي الطالبية ورحافيا مرورا بحي الشيخ جراح وأملاك في منطقة “جورة العناب” وسكة القطار العثمانية، وعشرات الأحواض في شارع “كينج ديفيد” وأرض بمحاذاة مقبرة مأمن الله.
وفي البلدة القديمة تخلت البطريركية عن استرجاع فندقي الإمبريال والبتراء وأرض الحمراء في سلوان، بالإضافة لصفقات تسريب لصالح الجمعيات الاستيطانية في باب حطة وباب الخليل، تم إتمامها في عهد البطريرك ثيوفيلوس الثالث.
مبنى قديم
وبالعودة إلى تاريخ بناء مدرسة “مار متري”، قال الباحث في تاريخ القدس روبين أبو شمسية إن المدرسة تأتي ضمن سلسلة مبانٍ تتبع للبطريركية، وتشكّل مجتمعة مجمعا كاملا يبدأ بالمدرسة التي يجاورها مبنى يستخدم الآن كمخزن للبطريركية، ويليه مستوصف “حاملات الطيب” ثم مدخل البطريركية.
“كانت هذه الأرض فارغة حتى عام 1879، وطُلب من الدولة العثمانية أن تبني هذه المباني لتكمل ما تبقى من البناء الصليبي الأرثوذكسي، الذي تهدمت بعض أجزائه، وتم هدم بعض المنازل لينشأ هذا المجمع الكامل، وبالتالي بُنيت مدرسة مار متري في أواخر القرن الـ19″، أضاف أبو شمسية في حديثه للجزيرة نت.
استُخدم البناء بمجرد الانتهاء منه كمقر للراهبات الأرثوذكسيات، وبدأ التفكير في تحويله إلى مدرسة مختلطة للطائفة الأرثوذكسية عام 1979، لكن الافتتاح الرسمي كان عام 1982.
وسُميت المدرسة بهذا الاسم نسبة لقديس يوناني عاش في القرن الـ17، وكان اسمه متري، وتعني كلمة مار باللغة اليونانية “قديس”، وتحمل المدرسة رقم 6 في شارع ديمتريوس بالبلدة القديمة، ويعتبر باب الخليل أقرب أبواب العتيقة إليها.
يأخذ بناء المدرسة -وفقا لأبو شمسية- الشكل الطولي وتتربع على مساحة نحو دونمين، وتتكون من طابق سفلي بُني في العهود القديمة، ومن طابقين آخرين يعود بناؤهما للقرن الـ19.
وأمام المدرسة يقع “مركز تطوير المعلمين”، وهو بناء تستأجره بلدية الاحتلال في القدس من بطريركية الروم الأرثوذكس منذ عام 1967.