واشنطن- تساءل معلقون كثر عن التبعات القانونية والأخلاقية لتمرير مجلس النواب الأميركي، بأغلبية 366 صوتا مقابل اعتراض 58 نائبا، مشروع قانون يمنح إسرائيل مساعدات عسكرية واقتصادية قيمتها 14.3 مليار دولار.
ويحتاج مشروع القانون، الذي يُعد واحدا من 4 مشاريع قوانين صوت عليها المشرعون لتقديم مساعدات بقيمة 95 مليار دولار لحلفاء الولايات المتحدة والبرامج العسكرية والإنسانية، إلى تمرير مجلس الشيوخ له.
وهو ما يتوقع له أن يحدث بنجاح قريبا، وذلك قبل إرساله للرئيس جو بايدن للتوقيع عليه كي يصبح قانونا واجب التنفيذ.
تحمل المسؤولية
وفي حديث للجزيرة نت، اعتبرت آسال راد، خبيرة السياسة الخارجية الأميركية، أنه ومنذ صدور قرار محكمة العدل الدولية في يناير/كانون الثاني الماضي، والذي أشار بشكل مقبول إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، تجاهلت إسرائيل أوامر المحكمة وواصلت ارتكاب فظائعها في غزة.
وحملت المتحدثة ذاتها المسؤولية، بموجب القانون الدولي، للدول التي تدعم عدوان إسرائيل، داعية لوجوب وقف تقديم المساعدات والأسلحة لها، ومشددة على أن الموافقة على حزمة المساعدات في الوقت الذي تنتهك فيه إسرائيل أوامر المحكمة انتهاك صارخ للقانون والمعايير الدولية.
في حين أشار السفير ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، في تصريح للجزيرة نت، إلى ضرورة المرور قدما في تنفيذ سياسات إدارة بايدن.
وقال ماك إنه وعلى الرغم من أن أقلية كبيرة من الديمقراطيين صوتت ضد المساعدات لإسرائيل، فإنها كانت في النهاية جزءا من حزمة تضمنت الأولوية الكبرى لبايدن، وهي المساعدات لأوكرانيا، علاوة على أن المعونة المقدمة لإسرائيل مرتبطة بالمساعدة الإنسانية للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.
أما حسين أبيش، كبير الباحثين بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، فاعتبر أن موافقة مجلس النواب على حزمة المساعدات لإسرائيل في هذا الوقت تعكس الدعم القوي المتبقي لإسرائيل، رغم الحرب في غزة والشكوك المتزايدة حول الوضع الإنساني هناك.
وأوضح في حديث للجزيرة نت أنه -وفي حين يعارض الجناح اليساري التقدمي في الحزب الديمقراطي بصوت عال دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، على الأقل في غزة- فإنه لم يترجم هذا الزخم إلى سلطة في الكونغرس.
تبعات
ويتابع أبيش أن القرار أثار شكوكا في مجلس النواب بين الديمقراطيين والليبراليين. ولكن بالنسبة للجزء الأكبر، لا يزال الحزب الديمقراطي مؤيدا بقوة لإسرائيل في عهد بايدن وغيره من الديمقراطيين المؤيدين لها مثل تشاك شومر ونانسي بيلوسي وحكيم جيفريز، ومثل بايدن، كل هؤلاء الناس يحتقرون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تماما ويريدون بشدة حكومة مختلفة، ويفضل أن تكون ليبرالية، وسيكونون سعداء بائتلاف يمين الوسط بقيادة عضو مجلس الحرب بيني غانتس.
كما أنهم -يقول المتحدث ذاته- يميزون بين نتنياهو والليكود من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، ويظلون على استعداد لدعم الإسرائيليين رغم حقيقة أنهم يكرهون حكومتهم ويشعرون بعدم الارتياح إزاء معاملتها للفلسطينيين، وخاصة في غزة.
من جانبها اعتبرت الخبيرة راد أن خطوة تقديم أسلحة لإسرائيل لها تبعات قانونية وأخلاقية تتجاهلها واشنطن، لأن القانون الدولي لا يعني فقط أنه يجب أن توقف الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية وتمويلها لإسرائيل بينما تنتهك القانون الإنساني الدولي.
ويحظر القانون المحلي الأميركي أيضا المساعدات والأسلحة لجهة متورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إلى جانب الواجب الأخلاقي لمنع الإبادة الجماعية، حسب توضيح راد.
في حين يفضل السفير ماك أن يرى بايدن يتخذ إجراءات لفرض القانون الأميركي الذي يعارض تقديم هذه المساعدات لإسرائيل التي تستخدم لدعم الهجمات على الأهداف المدنية. ويعتقد أن إدارة بايدن تتخذ طرقا مختصرة قانونية لا تفي بأفضل معايير الأخلاق، وأن الحل الوسط بالنهاية كان ضروريا لتعزيز أهداف أخرى لهذه الإدارة، بحسب تعبيره.
ويعود الخبير أبيش، للإشارة إلى أن المسؤولية القانونية لا تتراكم. وعلى الصعيد المحلي، لا توجد قوانين يتم خرقها، على الرغم من أن إسرائيل قد تسيء استخدام القيود القانونية الإسمية على استخدام الأسلحة الأميركية التي تم توفيرها أو بيعها لتل أبيب.
غير حاسم
ويرى الخبير أبيش أن تحقيق الإدارة الأميركية -حول ما إذا كان سوء الاستخدام قد حدث- لم يكن حاسما، نظرا لعدم وجود أدلة دامغة حول ما يجري في غزة لأن إسرائيل أغلقت القطاع بالكامل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وإلى حد كبير منذ عام 2007.
وعلى الساحة الدولية، من المستحيل إثبات النية عندما يتعلق الأمر بتوفير الأسلحة. والقصد سيكون لإسرائيل فقط، وبدونه لا يمكن خرق القانون المحلي أو الدولي. وفي القانون الدولي، شراء وبيع الأسلحة أمر شائع جدا، لدرجة أنه لن يكون قضية ذات قيمة قانونية دولية بالنسبة للولايات المتحدة، بحسب المتحدث ذاته.
ومن الناحية الأخلاقية، يقول أبيش إنها مشكلة كبيرة، حيث استند النهج الأميركي الكامل في التعامل مع حرب غزة إلى أولوية واحدة مهيمنة وهي احتواء الصراع.
وقد استند هذا الهدف السياسي المحدد والتوجيهي إلى افتراض أن كل ما يحدث في غزة -طالما تم احتواؤه في تلك المنطقة وظل معركة إلى حد كبير بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- سيكون مقبولا بالنسبة لواشنطن إستراتيجيا – كما يتابع أبيش- وإن استخدم بايدن وكبار الديمقراطيين خطابا قاسيا ضد نتنياهو، ورغم ذلك باركوا تمرير مشروع قانون مجلس النواب.
واعتبرت خبيرة السياسة الخارجية أن بايدن يواجه ضغوطا داخلية متزايدة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، ضد دعم إدارته للفظائع الإسرائيلية في غزة. وعلى هذا النحو، يستخدم بايدن الخطاب العلني ليبدو منتقدا لإسرائيل بينما يوافق على تقديم حزمة مساعدات مهمة أخرى.
وشددت على أن الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الأقوال، وتُظهر أفعال الرئيس تجاهلا تاما لغالبية قاعدته التي تدعم وقف إطلاق النار والمجتمع الدولي الذي دعا لوقف إطلاق النار منذ عدة أشهر.
وأكد أبيش أن حزمة المساعدات موجهة إلى إسرائيل، وليس نتنياهو. وأن إدارة بايدن غير مستعدة لوضع علاقة واشنطن مع تل أبيب موضع شك، أو حتى ممارسة نفوذ الولايات المتحدة مع إسرائيل من خلال “حجب بعض أنواع الفوائد الواضحة للشعب الإسرائيلي”.