ما وراء المساعدات الأميركية العسكرية الجديدة لأوكرانيا؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

كييف- موسكو- بعد طول تحذير من احتمال خسارة أوكرانيا للحرب أمام روسيا، ومخاوف ونداءات كثيرة وجهتها كييف بهذا الشأن، تتجه الولايات المتحدة للموافقة على حزمة دعم عسكرية كبيرة لها، بنحو 61 مليار دولار.

دعم جديد ضخم، لكنه ليس كسابقيه، فهو يأتي على شكل قرض يوجه الأموال نحو مسارات معينة، أبرزها قرابة 23.2 مليارا لتجديد مخزونات الأسلحة والذخائر الأميركية لدى أوكرانيا، وعلى رأسها صواريخ النظم المدفعية والدفاعية، و13.8 مليارا لشراء أسلحة ونظم دفاعية حديثة، من أميركا وغيرها.

وعلى سبيل المثال، قد يوضع مبلغ 7.85 مليارات دولار في الميزانية الأوكرانية؛ إلا أنه مشروط بعدم صرفه على المعاشات التقاعدية، لأن الدعم يأتي على شكل قرض لا مساعدات، وهذا يخالف التشريعات الأميركية.

واشنطن تعتزم تقديم حزمة مساعدات عسكرية لكييف بنحو 61 مليار دولار (غيتي)

موافقة غير مشروطة

ويبدو أن الأمر لم يعد يهم أوكرانيا كثيرا في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها عسكريا واقتصاديا، لاسيما وأنها تطالب بهذا الدعم الأميركي منذ شهر سبتمبر/أيلول 2023، ورأى رئيسها فولوديمير زيلينسكي أنه “إذا عُرضت على كييف مساعدة ائتمانية اليوم أو غدا مجانا، فإننا سنوافق على مساعدة اليوم”.

يفسر الخبير في المعهد الأوكراني للمستقبل، إيهور تيشكيفيتش ذلك بالقول إنه سيكون من المربح لأوكرانيا أن تتلقى دعما غير مشروط، ولكن في ظل النقص الحاد الحالي، فإن كييف مستعدة للموافقة على أي شروط.

وإضافة إلى السرعة، يضيف تيشكيفيتش أن هذا الدعم يحيّد قليلا مخاطر نفاد المساعدات فجأة في حالة تغير المسار السياسي بواشنطن بعد الانتخابات الرئاسية، وبغض النظر عن الفائز، في إشارة إلى إمكانية فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب على الرئيس الحالي جو بايدن، الأمر الذي يقلق الأوكرانيين عموما.

ويوضح للجزيرة نت أن الدعم الجديد سيستمر حتى سبتمبر/أيلول 2025 (نهاية السنة المالية الأميركية)، وبفضله سيكون لديهم ما يكفي لتغطية نفقات الميزانية العسكرية المخطط لها، حتى وإن اضطروا لتخفيض النفقات في قطاعات أخرى.

ومع ذلك، يُلمّح بعض المسؤولين الأوكرانيين إلى احتمال شطب القرض جزئيا أو كليا، أو سده من خلال منح كييف حق التصرف ببعض الأصول الروسية المجمدة.

السفيرة الأوكرانية في واشنطن، أوكسانا ماركاروفا، لفتت إلى أن مشروع الوثيقة التي صوت عليها مجلس النواب الأميركي تشير إلى إمكانية شطب ما يصل إلى 50% من الدين بعد 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كما يمكن شطب أي مبلغ آخر بعد 1 يناير/كانون الثاني 2026.

وتوضح السفيرة، في تصريح لوكالة “آر بي كيه” الأوكرانية وجود نقطة إيجابية أخرى، وهي أن الولايات المتحدة قد تعتمد أيضا قانونا يسمح للرئيس الأميركي بنقل الأصول الروسية المصادرة إلى أوكرانيا،  وتم بالفعل اقتراح مشروع القانون للمناقشة في مجلس النواب.

من جانبها، تقول نائبة وزير العدل الأوكرانية إيرينا مودرا إن كييف ترغب -حقا- أن تعتمد واشنطن هذين المشروعين كحزمة واحدة.

ورغم أن الأمر قد حُسم، وأوكرانيا تتنفس الصعداء بهذا القرض الكبير، فإن خبراء عسكريين لا يتوقعون أن ينعكس ذلك سريعا لصالحها على جبهات القتال.

إطالة أمد الأزمة

يتوقع المحلل العسكري دينيس بوبوفيتش للجزيرة نت بدء وصول المساعدات في النصف الثاني من شهر يونيو/حزيران المقبل، بعد الانتهاء من كل الإجراءات الروتينية والبيروقراطية، وأن هذا قد يسمح للروس بزيادة هجماتهم، واستغلال نافذة تأخر وصول المساعدة الأميركية.

وأوضح المحلل ذاته أن القوات الروسية تواصل في بعض المناطق تكثيف العمليات الهجومية وأن القوات الأوكرانية قد تعاني مزيدا من النكسات خلال الأسابيع القادمة قبل أن تتمكن من وقف الهجوم الروسي الحالي.

أما موسكو  فلم تتفاجأ من القرار، وسارعت إلى إدانته وجددت التأكيد على أن المساعدات التي يقدمها الغرب لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد القتال وازدياد عدد الضحايا.

وقال رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين إن حزمة المساعدات الأميركية الجديدة لكييف بقيمة 61 مليار دولار ستدفن الاقتصاد الأوكراني وتحرم البلاد من مستقبلها، واصفا إياها بمحاولة فرض العبودية على كييف من خلال الديون.

وفق مراقبين روس، فإن قرار مجلس النواب الأميركي يسمح باستنتاج أن الديمقراطيين وجزءا كبيرا من الجمهوريين قد توصلوا إلى إجماع مؤقت حول مسألة مساعدة أوكرانيا، والتي سيتم تقديمها بشكل أساسي من خلال الائتمان ومصادرة الأصول الروسية المجمدة.

وفي الوقت نفسه -حسب هؤلاء- تمهد واشنطن إلى تحويل عبء دعم القوات المسلحة الأوكرانية إلى الاتحاد الأوروبي.
وبرأي محلل الشؤون العسكرية، ميخائيل سيميبراتوف، فإن القرار الذي تم اتخاذه يؤكد سعي الولايات المتحدة لإطالة النزاع ودفع الأوضاع في أوكرانيا نحو مزيد من التدهور.

ويقول سيميبراتوف للجزيرة نت إن الحرب الآن دخلت مرحلة جديدة لم تعد العواصم الغربية تراهن فيها على هجوم مضاد من قبل القوات الأوكرانية، بل على منح كييف القدرة على تنفيذ هجمات إرهابية على أهداف، بما في ذلك في عمق الأراضي الروسية.

وبرأيه، فإنه بعد الانتهاء من جميع المسائل الإجرائية، سيتم تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا على الفور خلال الأسبوعين أو الأسابيع القليلة المقبلة.

 

تبعات

وأشار المحلل ميخائيل سيميبراتوف إلى أن زيلينسكي لا يقيّم بشكل كافٍ تبعات تقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا، موضحا أنه بحسب مشروع القانون الذي وافق عليه مجلس النواب الأميركي، سيتم استخدام نحو 23 مليار دولار لاستعادة ترسانات الجيش الأميركي.

كما سيتم استخدام أكثر من 11 مليار دولار لتمويل العمليات العسكرية الحالية للقوات المسلحة الأميركية في المنطقة، و14 مليار دولار أخرى لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية.

وبحسب محلل الشؤون العسكرية، فإن 61 مليار دولار هي مبلغ كبير إلى حد ما، لكن الأميركيين سينفقون أكثر من نصفه على أنفسهم، في حين أن كييف لن تتلقى سوى القليل جدا مما يسمى بحزمة المساعدات وعلى شكل ائتمان بشكل أساسي.

ووفقا لتقديراته، ستتلقى كييف أنظمة صواريخ ” أتاكمز” المعدة بالفعل للنقل إلى أوكرانيا والتي تمت الموافقة عليها رسميا الآن، والتي تتمتع بمدى يسمح لها بضرب أهداف في عمق الأراضي الروسية، إضافة إلى أنواع أخرى من الأسلحة، منها معدات الاستطلاع، وأنظمة الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية.

أما الباحث في الشؤون الدولية، دميتري كيم، فيرى أن جميع الأموال المخصصة “اسميا” لأوكرانيا -تقريبا- ستبقى في الاقتصاد الأميركي وفي المجمع الصناعي العسكري الأميركي، وأن شركات الأسلحة الأميركية ستكون المستفيدة من مشروع قانون الدعم العسكري لكييف.

ووفقا له، فإن حزمة المساعدات الأميركية لكييف سيكون ثمنها إرسال عشرات الآلاف الأوكرانيين إلى “مذبحة” جيوسياسية لا يمكن كبحها.

ويعتقد الخبير أن هذه الأسلحة من الممكن استخدامها ضد روسيا في بداية مايو/أيار القادم، مما يجعل مسألة الرد الروسي أكثر إلحاحا، سواء من خلال شن هجمات على مرافق النقل والخدمات اللوجستية في أوكرانيا، أو على مرافق البنية التحتية الحيوية التي تؤمن دعم وإسناد القوات الأوكرانية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *