حذر رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية من إقدام الجيش الإسرائيلي على اجتياح مدينة رفح في قطاع غزة، مؤكدا في الوقت ذاته جاهزية فصائل المقاومة على الأرض.
وفي مقابلة أجراها هنية مع وكالة الأناضول على هامش زيارته التي يجريها إلى تركيا، قال “من الواضح جدا أن العدو الإسرائيلي لديه قرار بأن يستبيح كل نقطة وكل مكان وكل مدينة في غزة، لا سيما أنه يتحدث عن رفح منذ شهور”.
وبشأن موقف واشنطن من الاجتياح، أوضح أن “الموقف الأميركي مخادع، وحديثهم عن أنهم بحاجة لرؤية خطط تجنب حدوث أذى للمدنيين ما هو إلا عملية خداع”.
ودلل هنية على ذلك بقوله “كل المدنيين الذين قتلوا بغزة استشهدوا بالأسلحة والصواريخ الأميركية وبالغطاء السياسي الأميركي”.
وتابع “حينما تقف واشنطن داخل مجلس الأمن وتلجأ لسلطة الفيتو ضد قرار وقف إطلاق النار.. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الولايات المتحدة تعطي الغطاء الكامل لاستمرار القتل والمذبحة تجاه غزة، وحينما تتخذ واشنطن أمس قرار فيتو ضد اعتبار دولة فلسطين عضوا كامل العضوية بالأمم المتحدة يعني ذلك أنها تتبنى الموقف الإسرائيلي وهي التي تقف بوجه حقوق الشعب الفلسطيني”.
وأضاف “لذلك نحن لم نقع في هذا الفخ.. فخ الخداع وما يسمى تبادل الوظائف بين الأميركيين والإسرائيليين.. نحن نحذر من الدخول إلى رفح، لأن هذا قد يسبب مذبحة كبيرة ضد شعبنا الفلسطيني”.
ودعا هنية “جميع الدول الأشقاء في مصر وتركيا وقطر وكل الدول الأوروبية وغيرها ذات الصلة المباشرة”، إلى “التحرك من أجل لجم العدوان الإسرائيلي ومنع الدخول إلى رفح، بل وضرورة الانسحاب الكامل من قطاع غزة وإنهاء العدوان”.
واستدرك قائلا “أما إذا قرر العدو الإسرائيلي أن يذهب إلى رفح، فإن أيضا شعبنا الفلسطيني لن يرفع الراية البيضاء، والمقاومة في رفح هي أيضا مستعدة لتدافع عن نفسها وتتصدى للعدوان وتحمي نفسها وشعبها”.
ما بعد “الطوفان”
وتحدث هنية عما ستؤول إليه الأمور بالنسبة لإدارة قطاع غزة عقب انتهاء الحرب الإسرائيلية، قائلا “هناك خيارات وبدائل تطرح بوجود قوة عربية مثلا”.
وأضاف “نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية إذا كانت مهمتها مساندة شعبنا الفلسطيني ومساعدته على التحرر من الاحتلال (إسرائيل)، أما أن تأتي قوة عربية أو دولية لتوفر حماية للاحتلال فهي بالتأكيد مرفوضة”.
وأردف هنية “هناك بدائل طرحت ولكنها غير عملية ولا يمكن أن تنجح”، مشددا على أن “إدارة غزة يجب أن تتم بإرادة فلسطينية”.
وأشار إلى أن “حماس ليست متمسكة بالتمثيل المنفرد، فنحن جزء من الشعب الفلسطيني ويمكن أن نبني حكومة وحدة وطنية وأن نتوافق على إدارة غزة على قاعدة الشراكة”.
وشدد هنية على أن “هذه قضايا (إدارة غزة) وطنية ولن نسمح للاحتلال أو غيره في ترتيب الوضع الفلسطيني في غزة أو الضفة أو كلتيهما”.
“دم أبنائي ليس أغلى من أبناء شعبنا”
وتعليقا على استشهاد 3 من أبنائه وعدد من أحفاده في غارة إسرائيلية بقطاع غزة في 10 أبريل/نيسان الجاري، قال هنية “أولا نسأل الله أن يرحم الشهداء ويتقبل الأبناء والأحفاد، هذه الجريمة تعكس 3 دلالات: الأولى فشل العدو بتحقيق أهدافه العسكرية على مدار 7 أشهر”.
وأضاف “العدو الإسرائيلي لم ينجح إلا بقتل آلاف الأطفال والنساء وكبار السن من المدنيين، وبالتالي مجزرة العيد التي راح ضحيتها 3 من الأبناء و5 من الأحفاد تندرج في هذا السياق وتؤكد على فشل هذا العدو”.
الدلالة الثانية وفق هنية هي أن “الاحتلال يعتقد أن مجزرة تطال بيتي وأولادي وأحفادي يمكن أن تشكل ضغطا على قيادة الحركة ورئيسها لتقديم تنازلات بمفاوضات وقف إطلاق النار الجارية، وهو واهم”.
وشدد هنية على أن حماس تؤكد “دائما أن مطالب الشعب الفلسطيني لا يمكن أن نفرط فيها ولا يمكن أن نتنازل عنها، سواء فيما يتعلق بقضية غزة وشروط وقف العدوان، أو فيما يتعلق بحقوقنا الفلسطينية التاريخية الثابتة في أرضنا، وفي وطننا وعودة الشعب الفلسطيني، وإقامة دولته كاملة السيادة وعاصمتها القدس بلا أي تفريط أو تردد”.
وتابع “الدلالة الثالثة التي أريد أن أشير إليها أن أبنائي جزء من شعبنا الفلسطيني، فحالنا مثل حال شعبنا، نعيش مع أهلنا، بيوتنا أبناؤنا، أحفادنا ودورنا كلها معرضة لما يتعرض له شعبنا الفلسطيني، وقلت منذ اللحظة الأولى إن دم أبنائي ليس أغلى من أبناء شعبنا الفلسطيني بغزة والضفة وكل مكان”.
وأضاف أن “كل أبناء غزة والضفة الشهداء هم أبنائي تماما مثل شهدائنا بالخارج، لذلك نحن متساوون في الحقوق والواجبات وفي دفع الأثمان، ونحن نقبل كل ذلك بصدر رحب وتسليم وثبات وعزيمة وإرادة لا تلين، ونؤكد أننا سنمضي على هذا الطريق مهما كانت التضحيات”.
وزاد “أوجه شكري إلى الشعب التركي الذي أقام في أكثر من 30 ولاية صلاة الغائب على أرواح الشهداء الأبناء والأحفاد، وهذا دليل على وحدة الأمة ووحدة مشاعرها كما حصل في بلاد أخرى مثل باكستان وغيرها”.
عرقلة إسرائيلية وأميركية للمفاوضات
وفي إجابته على سؤال مطالب حركة حماس في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل بشأن وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، قال هنية “من البداية كانت مواقفنا واضحة، نريد أن نوقف العدوان على شعبنا”.
وأضاف “وقف العدوان أولوية عندنا، ومن أجل ذلك وافقنا على الدخول بمفاوضات شريطة أن تفضي إلى وقف إطلاق نار دائم وإلى انسحاب شامل وعودة كل النازحين وصولا إلى صفقة تبادل مشرفة”.
ووفق هنية، فإن إسرائيل “حتى هذه اللحظة، ورغم عشرات الجلسات وعشرات الأوراق المتبادلة عبر الوسطاء، فإنها لم توافق على وقف إطلاق النار، وكل ما تريده استعادة أسراها ثم استئناف الحرب على غزة، وهذا لا يمكن أن يكون”.
وقال هنية “العدو الإسرائيلي يريد لحماس وللمقاومة أن توافق على خرائط لانتشار الجيش الإسرائيلي، كأننا نُشرعن احتلال القطاع أو جزء من القطاع، وهذا لا يمكن أن يتم، يجب أن يتحقق الانسحاب الكامل من غزة”.
وأردف “هو لا يريد أن يعود النازحون إلى شمال غزة وإلى أماكن سكناهم، فقط يوافق على عودة متدرجة وبأعداد محدودة، وهذا أيضا لا يمكن أن يتم”.
وتابع “هو لا يريد أن يعطي الاستحقاق المطلوب لعملية التبادل ويضع أعدادا بسيطة جدا، ويريد أن يتحكم بها، في حين أنه اعتقل حديثا ما يقرب من 14 ألف فلسطيني منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول الماضي) من الضفة الغربية وغزة”.
وشدد على أن “الذي يعرقل التوصل لاتفاق هو الاحتلال، كما أن الذي يعرقل التوصل لاتفاق أيضا الإدارة الأميركية التي تتبنى في كل محطة مفاوضات الرؤية الإسرائيلية، ولا تشكل أي ضغط على الاحتلال ليستجيب إلى المطالب المنطقية والصحيحة، وفي الوقت الذي يوافق فيه الاحتلال على مطالبنا بالتأكيد سنكون جاهزين للتوقيع على الاتفاق”.
وأضاف أن “كل ورقة تقدمها حماس تثبّت دول مصر وقطر وتركيا وروسيا بجانب الأمم المتحدة والولايات المتحدة أطرافا ضامنة للاتفاق، لكن في كل مرة الجانب الإسرائيلي يرفض أن تكون تركيا وروسيا ضمن الدول الضامنة، لذلك نحن متمسكون بذلك رغم الرفض الإسرائيلي”.
صمود المقاومة
وقال إسماعيل هنية إن “المقاومة في غزة ما زالت ثابتة وصامدة وتقاوم وتدافع عن شعبنا الفلسطيني، ومنذ السابع من أكتوبر وحتى الآن هي في موقع الاقتدار وقدمت شيئا يشبه المعجزة في الهجوم، والمعجزة في الدفاع، سواء في السابع من أكتوبر أو خلال الشهور الماضية”.
وأضاف أن “الفصائل الفلسطينية تقاوم الاحتلال في كل محاور القتال، وتقاوم بأساليب متنوعة، بخطط دفاعية وهجومية، ولديها قدرة عالية جدا على التعامل مع الأوضاع الميدانية والمستجدات الأمنية، وأثبتت أن لديها إرادة قوية لا تلين تستمدها بعد الله من إرادة شعبنا وحاضنته في غزة”.
وتابع “هذه الحاضنة العظيمة في صمودها وثباتها وشموخها وفي قدرتها على تحمل هذه الحرب العالمية والكونية، لذلك المقاومة تدلل على إعدادها الطويل بأنها تجهزت جيدا على مثل هذه المواجهات والمعارك”.
وقال هنية إن “المقاومة على أرض غزة في موقع القدرة على الاستمرار بالدفاع عن شعبنا، والعدو لن يستطيع كسر بندقية المقاومة ولا خفض رايتها ولا هزيمة إرادتها”.
وأضاف “هذا هو شعبنا أيضا بالضفة الغربية التي تشهد مقاومة متجددة متواصلة في مواجهات بمناطق مختلفة، وهكذا كان أيضا في لبنان حيث جبهات المقاومة”.
وأوضح هنية أن إسرائيل “كانت تريد أن تستفرد بقطاع غزة ولكن في إطار التلاحم بين جبهات المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن، وجدت نفسها في مقاومة أوسع”.
ولفت إلى أن “الضغط الهائل الذي يمارسه الإخوة باليمن على حركة الملاحة المتجهة إلى الكيان الإسرائيلي له تأثيراته الواضحة جدا على اقتصاد إسرائيل واقتصاد الشركات والسفن المتعاملة معه بشكل أو بآخر”.
توسع رقعة الحرب
وقال هنية إن “رقعة المواجهة مع إسرائيل تتوسع في الإقليم سواء كان في لبنان أو العراق واليمن وسوريا وصولا إلى إيران، وكل ذلك مرتبط باستمرار العدوان والحرب وحرب الإبادة على قطاع غزة، وأعتقد أنه في الوقت الذي يتوقف فيه العدوان على غزة بالتأكيد فإن هذه الجبهات سيسودها الهدوء”.
وأضاف “ليس سرا أن إيران تقدم دعما عسكريا وماليا للمقاومة في فلسطين وكذلك تقنيا، هذا أمر معروف منذ سنوات ولديها أيضا إستراتيجية وسياسة لاستمرار هذا الدعم في ظل طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة”.
وحمّل هنية إسرائيل مسؤولية توسع الحرب بالمنطقة، وقال إن “التطور الأخير الذي جرى هو أن الاحتلال الإسرائيلي قصف مقر البعثة الإيرانية في دمشق، واستشهد عدد من قادة الحرس الثوري، لذلك الكل كان يتوقع أن إيران لا يمكن أن تسكت عن هذا العدوان الذي مس سيادتها بشكل مباشر”.
وأوضح أن “قصف البعثة الإيرانية في دمشق يدلل على أن الاحتلال الإسرائيلي فهم خطأ سياسة الصبر الإستراتيجي الذي رفعته طهران سابقا”.
وتابع “الكل كان يتوقع أن يكون هناك رد من إيران، لكن هذا الرد وحجمه ومداه وأبعاده راجع إلى إيران، فهي التي تتخذ القرار بما تراه مناسبا”.
واسترسل هنية قائلا “الآن أيضا الرد الإسرائيلي جاء في سياقات معينة لكن كل ذلك على ماذا يدل؟ يدل على أمرين: أن نتنياهو لا يريد وقف الحرب على غزة بل يسعى إلى توسيعها لتصبح صراعا إقليميا، والثاني جر الأميركيين ليكونوا جزءا أو ذراعا عسكرية تخدم الكيان الإسرائيلي في توجيه ضربات في هذه الجبهة أو تلك وخاصة إلى إيران”.
كما قال “أشرنا في أحاديث كثيرة جدا إلى أن من يتحمل مسؤولية هذا التوتر الإقليمي هو العدو الإسرائيلي الذي يستمر بتنكره لحقوق الشعب واعتداءاته على مقدساتنا خاصة القدس والأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية وفي استمرار حرب الإبادة على غزة”.
محاكمة إسرائيل
وفي ختام المقابلة، أعرب هنية عن تقديره وشكره لدولة جنوب أفريقيا “التي رفعت دعوى ضد الاحتلال الإسرائيلي وجلبته وقادته لأول مرة منذ النكبة لمحكمة العدل الدولية وساندتها الكثير من الدول والأطقم القانونية من عدة دول سواء كانت عربية أو إسلامية أو على المستوى العالمي”.
وأضاف “نرى أن هذه خطوة مهمة جدا ويجب أن تواصل محكمة العدل الدولية إجراءاتها لاتخاذ قرار لوقف المذبحة داخل غزة أولا، وتقديم المساعدات اللازمة للقطاع، وتقديم قادة الاحتلال الإسرائيلي بوصفهم مجرمي حرب ومرتكبي مجازر وهولوكوست ضد شعبنا الفلسطيني وألا يفلتوا من العقاب”.
وتابع أنه “من الواضح أن الاحتلال على مدار سنوات الاحتلال يرتكب المجازر ثم يفلت من العقوبة ومن العدالة الدولية والقانونية، لكن هذه المرة يجب ألا يفلت من العقاب الذي استحقه”.
وفي وقت سابق أمس السبت، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بهنية في قصر “دولمة بهجة” بإسطنبول، وبحثا “الهجمات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية وفي مقدمتها غزة”.
وأكد أردوغان لهنية، وفق بيان صادر عن الرئاسة التركية، أن “تركيا تواصل مساعيها الدبلوماسية للفت أنظار المجتمع الدولي إلى الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون، وتشدد في كل فرصة على الحاجة إلى وقف عاجل ودائم لإطلاق النار وعلى إنهاء الأعمال الوحشية”.