“كلاهما عدونا.. أضرا بقضيتنا وبلادنا.. يتصارعان على فرض النفوذ على حسابنا.. وحربهما تحول الأنظار عن مأساتنا، ولذلك فلا ناقة لنا ولا جمل بالتصعيد بينهما”، هكذا يرى عدد من سكان قطاع غزة التصعيد المتواصل بين إسرائيل وإيران والذي يهدد بتوسيع رقعة الصراع في الشرق الأوسط.
تصعيد جديد؟
الجمعة، ذكر التلفزيون الرسمي الإيراني، أن “عند حوالي الساعة 1230 صباحا بتوقيت غرينتش رُصدت ثلاث مسيرات في سماء أصفهان وجرى تفعيل منظومة الدفاع الجوي وتدمير المسيرات في السماء”.
ونقلت محطة “إيه. بي. سي نيوز” وشبكتا “سي إن إن” و”سي بي إس” عن مسؤولين أميركيين القول إن صواريخ إسرائيلية أصابت موقعا في إيران، بينما أشار مصدر مطلع لوكالة “رويترز” إلى أنه “كان هناك إخطار مسبق لأميركا من الإسرائيليين”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، لم يؤكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أو ينفي ضلوع إسرائيل في الهجوم، واكتفى بالقول: “لا تعليق حاليا”.
وفجر الجمعة، أفاد التلفزيون الرسمي الإيراني، بوجود تقارير عن “انفجارات مُدوية” سُمعت في محافظة أصفهان بوسط البلاد.
وفي سياق متصل، أشارت مصادر لـ”وكالة أنباء فارس”، إلى سماع دوي ثلاثة انفجارات قرب قاعدة جوية للجيش الإيراني شمال غرب أصفهان.
وتوجد العديد من المواقع النووية الإيرانية بإقليم أصفهان، بما في ذلك “نطنز” محور البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم.
وبسبب الهجوم، علقت إيران الرحلات الجوية فوق مدن “أصفهان وشيراز وطهران”.
والخميس، كررت طهران التحذير من أنها سترد على أي هجوم إسرائيلي، خصوصا بحال استهدف منشآتها النووية.
والأربعاء، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أن إسرائيل “تحتفظ بالحق في حماية نفسها” في مواجهة الضغوط الدولية على حكومته لتجنّب ردّ ضدّ إيران يهدّد بجرّ المنطقة إلى مزيد من التصعيد في خضم الحرب في قطاع غزة مع حركة حماس المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى.
وليل السبت الأحد، أطلقت إيران مئات المسيرات والصواريخ باتجاه إسرائيل ردا على ضربة يشتبه في أنها إسرائيلية استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق.
وتم إسقاط معظم المسيرات والصواريخ قبل وصولها إلى إسرائيل.
“يضر بقضيتنا”
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يشير النازح من مخيم الشاطئ بشمال غرب غزة إلى رفح، لؤي ناهض، إلى أن “التصعيد بين إيران ووكلائها من جهة وإسرائيل من جهة أخرى يضر بالقضية الفلسطينية”.
وهذا التصعيد “يحول الأنظار عن الجرائم ويحرفها عن حجم الهجمات والمأساة من قتل ودمار وتدمير وتخريب للشعب الفلسطيني بغزة وكل فلسطين”، وفق ناهض.
ومن مدينة رفح يقول إن التصعيد الإيراني الإسرائيلي “يعطي مبررا لإسرائيل في التوغل وقتل المزيد والمزيد من شعبنا الفلسطيني الذي يعاني الويلات منذ سنوات وخاصة بعد السابع من أكتوبر ويضعف حجم التضامن العالمي مع الفلسطينيين وقضيتهم ويضعف صمودهم”.
ويرى ناهض أن الهجوم الإيراني على إسرائيل “مجرد استعراض ومحاولة فاشلة من إيران وأضرّ القضية الفلسطينية”، مضيفا “هذا تصعيد لا ناقة لنا فيه ولا جمل”.
ومن جانبه، يرى النازح من شمال غزة إلى محافظة دير البلح بوسط القطاع، مازن المدهون، أن “إيران تعمل على تحقيق مصالحها فقط بصرف النظر عن مصالح الشعب الفلسطيني”.
ومن مخيم “عشوائي” بدير البلح، يقول لموقع “الحرة” إن الأخبار عن حرب في القطاع “تراجعت”، وبات التركيز ينصب على “مناقشة التصعيد بين إسرائيل وإيران، كيفية الرد ورد الفعل المضاد بين الجانبين”، مضيفا “للأسف لا أحد اليوم يتحدث عن غزة”.
ويشير المدهون إلى أن “إسرائيل وإيران تحققان مصلحتهما من ذلك التصعيد، بينما يدفع الشعب الفلسطيني الثمن”.
ويوضح أن إيران تريد “تحسين موقعها على طاولة السياسية العالمية”، وتحاول إظهار نفسها بمظهر “القوة الإقليمية”، بحثا عن “زيادة حصتها من ثروات المنطقة”.
وعلى جانب آخر، يرى المدهون أن إسرائيل تريد “إزاحة غزة عن المشهد للتفرّد بها وتنفيذ سياستها فيها سواء باستمرار سياسة التهجير غير المعلنة أو تجسيد واقع جديد على الأرض في القطاع”.
“هجوم رفح”.. يقترب
طال القصف الإسرائيلي، الأربعاء والخميس، مدينة رفح الواقعة على حدود مصر، حيث يتكدس 1.5 مليون نازح جراء الحرب.
ويواصل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، تأكيد نيته شن هجوم بري على رفح من أجل “القضاء” على حركة حماس.
والمدينة المحاذية لمصر، تعتبرها إسرائيل “آخر معقل لحماس”، الحركة التي تحكم القطاع منذ عام 2007. وإيران التي لا تعترف بإسرائيل، حليفة للحركة التي شنت في السابع من أكتوبر هجوما غير مسبوق على الأراضي الإسرائيلية.
ولذلك، يؤكد المدهون أن “التصعيد الحالي والمتوقع بين إسرائيل وإيران لا يخدم بأي حال من الأحوال جهود إنهاء الحرب في غزة”.
وهناك علاقة “تابع بالمتبوع” بين حركتي حماس والجهاد “المصنفتين إرهابيتين بالولايات المتحدة ودول أخرى” مع إيران، وبالتالي يتم التسويق لفكرة انتصار “محور المقاومة” والتشدد في المطالب أثناء التفاوض، حسبما يشير النازح الفلسطيني.
وتشكل الجماعات المدعومة من إيران بمنطقة الشرق الأوسط، ما يسمى “محور المقاومة”، وهو تحالف من الميليشيات المسلحة التي تضم حركتي الجهاد وحماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وجماعات مسلحة عدة في العراق وسوريا، وهي بمثابة خط دفاع أمامي إيراني.
وعبر تلك المليشيات، نجحت إيران في منافسة القوى الإقليمية التقليدية في المنطقة، إذ تدعم “مباشرة أو بطريقة غير مباشرة”، أكثر من 20 جماعة مسلحة، غالبيتها تصنفها واشنطن “إرهابية”.
ويشدد المدهون على أن حماس والجهاد سوف يعملان على إقناع عناصرهما والمؤيدين لهما بأن “العون والمساعدة الإيرانية قادمة”، ولذلك فما عليهم سوى “تقديم التضحيات والصمود”، ما يعني إطالة أمد الحرب في غزة وزيادة معاناة المدنيين العزل.
وحركتا حماس والجهاد الإسلامي تتلقيان معا أكثر من 100 مليون دولار سنويا من طهران، بالإضافة إلى الأسلحة والتدريب، وفق “تقرير لوزارة الخارجية الأميركية”.
ومن جانبه، يؤكد ناهض أن التصعيد بين إسرائيل وإيران، سوف يسهل على الحكومة الإسرائيلية “تنفيذ مخططاتها العسكرية والهجوم على مدينة رفح التي تعج بالمواطنين الفلسطينيين النازحين هناك من الموت”.
وتسبب التصعيد بالفعل في “زيادة التعاطف الدولي مع إسرائيل” بعد التراجع الكبير في الأيام الأخيرة من حربها على قطاع غزة، وكان واضحا حجم الخلاف بين إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، مع نتانياهو وحكومته في التعامل مع الحرب في القطاع، وفق حديث ناهض.
واندلعت الحرب في قطاع غزة إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق في السابع من أكتوبر، الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل “القضاء على الحركة”، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، ما تسبب بمقتل 33970 فلسطينيا، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفق أحدث حصيلة لوزارة الصحة التابعة لحماس.