تارودانت- أغلب المناطق المغربية المتضررة من زلزال 8 سبتمبر/أيلول 2023 صخرية ووعرة في جبال الأطلس الكبير، وتنتمي إلى أقاليم الحوز وشيشاوة وأزيلال وتارودانت وورزازات.
وتُعرف هذه المناطق الجبلية بوعورة طرقها ومسالكها وضيقها، وأغلبها مسالك ترابية وصخرية تقليدية غير معبّدة، وحتى تلك المعبدة تكون إما ضيقة وبالكاد تتقاطع فيها مركبتان صغيرتان، وإما حالتها سيئة لكثرة الحُفر فيها.
منعرجات ومنحدرات
وهذه الطرق -أيضا- كثيرة المنعرجات وشديدة الانحدار، مما يفرض على السائق فيها سرعة لا تتعدى أحيانا 20 أو 30 كيلومترا في الساعة، خاصة سائقي الشاحنات والمركبات الكبيرة.
لكثرة الاهتزاز، كانت رؤوسنا تصطدم بسقف السيارة المتهالكة، وأكتافنا تتدافع من اليمين إلى اليسار، ثم بالعكس، وكان الغبار يقاسمنا مقاعدنا التي تكدسنا فيها من آخر نقطة تنتهي فيها الطريق المعبدة.
كان علينا بعد نهاية الطريق المعبدة أن نقطع نحو ساعة في مسالك ترابية وصخرية خطيرة، ومجرد الوقوف على جانبها والنظر إلى الوادي السحيق تحتها يشعرك بالخوف، وهي الطرق الوحيدة التي يسلكها العديد من سكان قرى منطقة أغبار (على الحدود بين إقليمي الحوز وتارودانت) للوصول إلى مساكنهم المنتشرة في قمم وسفوح جبال الأطلس المتوسط.
وبالإضافة إلى اتساع إقليم تارودانت، الذي تبلغ مساحته نحو 16 ألفا و500 كيلومتر مربع، فإن 70% منه مناطق جبلية وعرة، أغلب مسالكها ترابية وغير مصنفة ضمن الطرق التابعة لوزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء.
تربة هشة وصخور
ومما يزيد خطورة هذه المسالك وقوعها في مناطق تربتها هشة وفيها صخور ضخمة تزن الأطنان، وكثيرا ما تنهار أجزاء من المرتفعات المحيطة بها بسبب الأمطار، فتغلقها وتعزل السكان.
يقول عبد الله، وهو أحد سكان المنطقة، إن وضعية هذه الطرق في الأصل مزرية وتعاني من الانقطاعات والانهيارات، لكن الزلزال زادها سوءا وفاقم الصعوبات التي يعاني منها السكان.
ويضيف، في حديث للجزيرة نت، أن “حجم الأضرار التي خلفها الزلزال في هذه الطرق كبير جدا، إذ قطع بعضها نهائيا، مما أخّر وعرقل تدخل فرق الإنقاذ، وصعّب مهمة إيصال المساعدات والمواد الإغاثية إلى الأماكن المتضررة”.
و”هذه الطرق قبل الزلزال كان بعضها جيدا وأخرى كانت مقبولة، وصنف ثالث هي مجرد ممرات بين الجبال شقّها السكان بإمكاناتهم الخاصة، وعند أقل التساقطات تنقطع وتصبح غير صالحة حتى للمشي، أما إذا سقطت الثلوج، فإنه الحصار التام للمئات من القرى”.
ينتظرنا الأسوأ
ولهؤلاء القرويين حكايات كثيرة مع العزلة، لكن أقساها أنهم قد يضطرون لنقل جريح أو حامل على الدواب أو على نعش في موسم الثلوج ولكيلومترات طويلة، ليصلوا إلى أقرب طريق يمكن أن يجدوا فيها وسيلة نقل توصلهم إلى مركز طبي.
من جهته، يذكر الحسين، وهو أحد أبناء المنطقة أيضا، أن اليومين الأولين بعد الزلزال كانا قاسيين على أبناء هذه القرى، “لكن الأسوأ هو ما ينتظرنا في فصل الشتاء، والآن أضيفت إلى مأساة الطرق السيئة معاناة فقداننا مساكننا التي نحتاج وقتا لإعادة بنائها أو ترميمها”.
وفي السياق نفسه، قال المدير الإقليمي للتجهيز والنقل واللوجستيك والماء في تارودانت عبد الرحمن بنموسى إن السلطات المحلية تبذل قصارى جهودها لتخفيف المعاناة عن المتضررين.
وأضاف في حديث للجزيرة نت أن كل الطرق تقريبا “أصبحت مفتوحة في وجه حركة السير ولا تشكل خطرا على مستخدميها وتؤدي دورها في الربط بين القرى وكذا بينها وبين باقي أقاليم المملكة”.
وقال إن عدد الطرق المقطوعة بلغ سبع طرق، منها ستة إقليمية، وطريق وطنية واحدة، هي تلك الرابطة بين بلدة أولاد برحيل ومنطقة تيزي نتاست في اتجاه إقليم الحوز.
وكشف أن سبب هذه الانقطاعات هو “سقوط صخور ضخمة وحدوث انجرافات، خاصة وأن أغلب هذه الطرق توجد في مناطق جبلية وعرة”.
وأكد أنه “تم تسخير أزيد من 30 آلية ثقيلة وعدد من الموظفين والعمال لإصلاح هذه الطرق، وتم فتحها خلال يومين من وقوع الزلزال، وفك العزلة عن أكثر من 40 قرية”.
الدواب هي الحل
وبسبب هذه الظروف، اضطر الجيش المغربي وباقي الهيئات المتدخلة للإنقاذ في مناطق الزلزال إلى الاستعانة بالبغال لنقل المساعدات في هذه المرتفعات، وإيصالها إلى القرى المعزولة.
وقد عاينت الجزيرة نت شاحنات تنقل هذه الدواب في قرية تفنكولت، القريبة من بلدة أولاد برحيل بإقليم تارودانت، وهي قرية اتخذتها السلطات نقطة تجمع تنطلق منها المساعدات وفرق الإنقاذ نحو القرى النائية.
كما أن القرويين الذين يسكنون في هذه المناطق تعدّ الدواب جزءا لا يتجزأ من حياتهم؛ لأنها تساعدهم على تخطي صعاب هذه المسالك، وتحمل فيها أثقالهم إلى قمم لم يكونوا بالغيها إلا بشق الأنفس.
وقد لعبت هذه الدواب -خاصة الحمير والبغال- دورا رئيسيا في إيصال المساعدات، وكذلك في نقل المصابين في هذه الكارثة، إذ تصل المساعدات بالسيارات إلى آخر نقطة ممكنة، ويبدأ دور الدواب في إيصالها إلى البيوت.