عمَّان- تطارد حملات المقاطعة الشركات والمنتجات الأجنبية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي حيثما حلت في الأردن، فالمواطنون يرونها سلاحا فعالا مؤثرا، وتتسع رقعة الاستجابة الشعبية بشكل مطرد وغير مسبوق يكاد يصل إلى مستوى الإجماع في رد عملي على استمرار المجازر في حق الشعب الفلسطيني لا سيما في قطاع غزة للشهر السادس على التوالي.
وحرص عدد من أصحاب المحال التجارية الكبرى على وضع لافتات مكتوب عليها: “انتبه.. منتج مُقاطَع .. ادعم المنتج المحلي”، في أماكن بارزة لحث الأردنيين على الالتزام بحملات المنتج الأجنبي الداعم للاحتلال، لتأتي الاستجابة سريعا على شكل مبادرات حزبية وطلابية لتكثيف مقاطعة منتجات الولايات المتحدة الأميركية بوصفها شريكا وطرفا أساسيا في دعم العدوان على غزة، وهو ما ينطبق أيضا وبدرجات متفاوتة على دول كبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا.
المقاطعة دعما للمقاومة
ويرى الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي -بتفاؤل حذر- المقاطعة الحالية للمنتجات الأجنبية الداعمة للاحتلال في الوقت الحالي ليست كباقي المقاطعات فمداها أطول، وتأثيرها أكبر، وهي تحمل شعار: “المقاطعة دعما للمقاومة”.
وقال في حديث لـ”الجزيرة نت” أن كبريات الشركات الداعمة للاحتلال أو المرتبطة به بصورةٍ أو بأخرى أعلنت عن خسارتها كشركة ماكدونالدز الأميركية، والبعض الآخر أعلن عدم علاقته بالاحتلال الإسرائيلي تخوفا من حملات المقاطعة التي طالته.
لكن الشوبكي يقول إن حملة مقاطعة البضائع الأجنبية الداعمة للاحتلال، كان لها الأثر الإيجابي على عدد من الشركات المحلية الناشئة في الأردن، والتي استفادت من مقاطعة الأردنيين للشركات الأجنبية، والتوجه نحو المنتج المحلي، واستطاعت تعويض المواطنين عن الكثير من المنتجات الأجنبية التي تستوردها البلاد من شركات عالمية داعمة للاحتلال الإسرائيلي.
وبشأن الأرقام والخسائر التي تكبدتها الشركات الأجنبية الداعمة لإسرائيل في الأردن، أكد الشوبكي أن ثمة تكتم شديد حول هذا الأمر بالنسبة لخسائر الشركات الأجنبية المرتبطة بدعم الاحتلال الإسرائيلي في الأردن.
واستدرك قائلا إن الواضح للعيان أن فروع هذه الشركات باتت خاوية من الموظفين والزبائن على حدٍ سواء، وفي الآونة الأخيرة سرّحت سلسلة مطاعم ومقاهي عالمية في الأردن وشركات أجنبية الموظفين الأردنيين لديها نتيجة الخسائر الكبيرة التي لحقت بها جراء استمرار المقاطعة في الأشهر الست الماضية.
مقاطعة مشروعة
ولفت الخبير الاقتصادي الأردني إلى أن سلاح المقاطعة بات فعالا مع استمرار العدوان على قطاع غزة، والمستقبل يبشر بذلك، لأن ثقافة المقاطعة أصبحت عالمية وقانونية خاصة بعد قرار محكمة استئناف باريس الذي أكد على أن “مقاطعة البضائع الإسرائيلية أمر مشروع”.
ووفق نشطاء في حركة المقاطعة الأردنية (بي دي إس) فإن حملة المقاطعة الوطنية للبضائع الداعمة لإسرائيل ساهمت إلى الآن في إغلاق 4 فروع لسلسلة متاجر كارفور الفرنسية، وهي إحدى العلامات التجارية المشمولة بالمقاطعة، في حين تدلّ بعض المؤشرات على احتمالية ارتفاع عدد الفروع المغلقة خلال الفترة المقبلة، بينما انخفضت مشتريات المطاعم التي أُعلن عن مقاطعتها حسب الموردين الذين أكدوا تأثرها البالغ بالمقاطعة.
مع إشارتهم إلى أن العديد من أصحاب الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، أصبحت مؤخرا تلجأ إلى تغيير اسم العلامة التجارية في محاولة منها لتفادي الخسائر التي لحقت بها، بعد أن تراجعت مبيعاتها إلى مستويات غير مسبوقة، خاصة أنهم يتكبدون خسائر كبيرة ضريبية وتشغيلية.
وأكد المرصد العمالي الأردني (مؤسسة مجتمع مدني) في تقرير له أن أكثر من 15 ألف عامل في قطاعات مختلفة في الأردن باتوا معرضين للتسريح من العمل أو تخفيض رواتبهم بسبب حملات المقاطعة، ورغم هذه الأرقام فإن المرصد أكد على أهمية المقاطعة في سياق التفاعل الشعبي مع دعم الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
إجماع شعبي
ووفق نقيب أصحاب المطاعم، رائد حمادة فإن حملات المقاطعة في الأردن شملت 3 مستويات؛ الأول: المطاعم التي تحمل أسماء عالمية، والثاني: العلامات التجارية العالمية، أما الثالث: فعلى بعض الأصناف الغذائية التي تباع في المحال التجارية.
ويضيف في تصريح له أن “المطاعم السياحية التي تحمل علامات تجارية عالمية توقف عملها بنسبة 95-98% بعد أن تم مقاطعتها بالكامل، في حين انخفضت مبيعات شركات المشروبات الغازية بنسبة وصلت إلى 85%.
وفي استطلاع محلي لصحيفة نيسان، نشر في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أعرب 97.8% عن اعتقادهم من أن حملة المقاطعة تؤثر على اقتصاد الدول الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، مقابل 2.2% لا يعتقدون ذلك، في حين أجاب 78.4% بأنهم سيستمرون بحملة المقاطعة حتى بعد انتهاء الحرب على غزة، و2.2% أجابوا بأنهم لن يستمروا بالمقاطعة، بينما أجاب 19.4% باحتمالية (ربما) الاستمرار بها.
وأكد 94% أنهم سيستمرون بدعم المنتج المحلي واستخدامه عقب انتهاء الحرب على غزة، مقابل 6% أجابوا بأنهم لن يستمروا.
وأعلن مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية، أن استطلاعه الأخير للرأي، أشار إلى التزام 93% من الأردنيين بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأميركية وتلك التي تنتجها دول داعمة للاحتلال على غزة، وأن نحو 95% من المقاطعين توجهوا نحو منتجات بديلة محليّة الصنع، في حين رأى نحو 72% من الأردنيين أن تلك الحملات لا تؤثر على الاقتصاد الوطني.
وشملت حملات المقاطعة الأردنية، منتجات: الأدوية والأغذية، والمشروبات، والمنظفات، والمطاعم وغيرها، وبينما بدأ يتحدث البعض عن الفجوة التي ستخلفها المقاطعة في سوق العمل نظرا لأن العديد من العاملين في هذه المنشآت خسروا أعمالهم أو هم مهددون بذلك، أعلنت عدد من الشركات المحلية عن تخصيص 100 وظيفة شاغرة لكل موظف يعمل في أي شركة داعمة للاحتلال، أو يفكر في ترك وظيفته، أو تركها أخيرا بسبب الحرب على غزة.
ويأتي كل هذا في الوقت الذي أصدر فيه أكثر من 50 من علماء الشريعة بالأردن مؤخرا فتوى تقضي بوجوب المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، وحرّموا “ممارسة كل النشاطات الاقتصادية مع العدو التي تشمل استيراد بضائعهم أو استهلاكها أو التصدير إليهم، أو بيع العقارات أو تأجيرها إليهم أو القيام بأعمال السمسرة أو الترويج لبضائعهم، أو مشاركتهم في تأسيس الشركات والمصانع أو العمل فيها أو تبادل الخدمات معهم كالسياحة وسائر الأنشطة الاقتصادية التي تعين العدو الصهيوني والداعمين له وتمكن لهم في بلاد المسلمين”.