تراهن روسيا على الاستعانة بالمدانين والمحكومين في عدد من الجرائم، وتطرح عليهم العفو مقابل المشاركة في عملياتها العسكرية في أوكرانيا، لكن هذه التصرفات جاءت بنتائج عكسية، إذ يعود السجناء الذين جرى العفو عنهم إلى روسيا ويرتكبون جرائم جديدة، وهو ما يمثل “مشكلة مجتمعية كبيرة”، وفق صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
ووجدت دراسة استقصائية لسجلات المحكمة الروسية، أجرتها وسائل إعلام مستقلة أنه “تم رفع ما لا يقل عن 190 قضية جنائية ضد مسلحي “فاغنر” الذين تم العفو عنهم في عام 2023. وشمل ذلك 20 قضية قتل أو محاولة قتل بالإضافة إلى جرائم اغتصاب وسرقة وجرائم متعلقة بالمخدرات.
وأوردت الصحيفة قصة فيكتور سافينوف، وهو مدان سابق، حكمت عليه محكمة روسية بالسجن 11 عاما، بتهمة قتل فتاة، قبل أن تعرض عليه مجموعة مرتزقة “فاغنر” الحرية مقابل المشاركة في القتال بأوكرانيا.
وبحلول شهر فبراير، أنهى سافينوف خدمته وعاد إلى قريته، كوتانا. وفي يوم المدافعين عن الوطن، كان يتجول في الشوارع، واشتكى من أن أهل القرية لم يظهروا له الاحترام الكافي باعتباره من المحاربين القدامى.
وفي الليلة التالية، قتل سافينوف اثنين من السكان وضرب صديقه الذي كان يشرب معه الخمر حتى الموت، قبل أن يقتل عمته التي كانت تعيش في منزل مجاور لسكنه.
وفي المقابل، يشدد الكرملين على سياسة تجنيد السجناء، وهو ما دعا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للتوقيع في 23 مارس الماضي على قانون جديد يهدف إلى إضفاء الطابع الرسمي على العملية.
وفي السابق، كانت معايير العفو غامضة، وكان بوتين يصدر عفوا عن المدانين الذين قاتلوا في أوكرانيا من خلال التوقيع على مراسيم لم يتم الإعلان عنها مطلقا.
وحاليا، أنشأ القانون الجديد قائمة طويلة من الجرائم المؤهلة التي تمت إضافتها صراحة إلى القانون الجنائي الروسي، بما في ذلك القتل والسرقة وبعض حالات الاغتصاب.
وأصبح الحصول على العفو الآن مسألة قانونية، وليس مرسوما رئاسيا، لكن المدانين الذين يسمح لهم بالخروج من السجن للقتال لا يمكنهم الحصول عليه إلا بعد موافقة قادتهم العسكريين، وفق الصحيفة.
وتشمل الجرائم غير المدرجة في القانون جرائم الإرهاب والتجسس والخيانة وبعض الجرائم الجنسية التي تشمل قاصرين، من بين جرائم أخرى.
ونقلت الصحيقة عن روسية تعيش في قرية كوتانا: “لم يكن أحد يغلق أبواب منزله في القرية ليلا، لكنهم الآن يغلقونها بالمفتاح، حتى أثناء النهار”.
ورفضت المرأة الكشف عن اسمها، خوفا من احتمال حصول سافينوف على عفو آخر إذا تطوع مرة أخرى للقتال في أوكرانيا.
وأضافت أن “الحياة الطبيعية انتهت”، مشيرة إلى أن عمتها التي قتلها سافينوف “حصلت ذات يوم على لقب معلمة العام وحصلت على جائزة من الكرملين”.
وتعيش مدن وبلدات أخرى تجارب مماثلة. وفي مدينة نوفوسيبيرسك السيبيرية، حُكم في فبراير الماضي على أحد مرتزقة “فاغنر” السابقين بالسجن 17 عاما بتهمة اغتصاب تلميذتين عمرهما 10 و12 عاما.
وتطرقت الصحيفة إلى قصة سجين آخر يدعى سيرغي رودينكو كان محكوما عليه بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة خنق صديقته بحزام حتى الموت، قبل أن يتم إطلاق سراحه عندما وافق على عرض من “فاغنر” للقتال في أوكرانيا.
وتقول الصحيفة إن تفاصيل هذه الجرائم تم استخلاصها من مقابلات عديدة وتقارير تحقيقات محلية ومقالات إخبارية محلية وكذلك من سجلات المحاكم. وتشير إلى أن معظم أقارب وأصدقاء ضحايا القتل تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، خوفا من أن يحصل القتلة على عفو جديد ويلاحقونهم، بينما يخشى كثيرون أن تلاحقهم السلطات الروسية بموجب قوانين الحرب، بتهمة تشويه سمعة الجيش.
وبدأت “فاغنر” في تجنيد المحكوم عليهم، في أغسطس 2022، مع وعد بالعفو الرئاسي مقابل توقيع عقد مدته ستة أشهر. وقبل حلها العام الماضي، في أعقاب تمرد فاشل، قالت المجموعة إنها جندت أكثر من 50 ألف سجين.
وتشير أولغا رومانوفا، وهي رئيسة لمنظمة غير حكومية تتعامل مع قضايا السجناء، إلى أنه “مات العديد من المحكومين، ولايزال بعضهم يقاتل في أوكرانيا، بينما عاد ما يقدر بنحو 15000 من المدانين السابقين إلى ديارهم”.
وأشارت إلى أن السجناء الذين عادوا من ساحات القتال أصبحوا مشكلة كبيرة للمجتمعات، وقالت إن “الجرائم تكذب على ما يبدو الرواية الروسية الرسمية القائلة إن الحرب تجري لجعل روسيا أكثر أمنا وإن المحاربين القدامى سيشكلون نخبة جديدة”.
وفي معظم الأحيان، لا يتم الإبلاغ عن الجرائم التي يرتكبها المحاربون القدامى، سواء من مجموعة “فاغنر” أو غيرها. ولم تذكر وسائل الإعلام الروسية سوى عدد قليل من الحالات.
ونقلت الصحيقة عن كيريل تيتايف، عالم الاجتماع الروسي الذي يعمل في جامعة ييل، قوله: إنها “مشكلة كبيرة للمجتمع، لكنها مشكلة لا تجد الاعتراف من السلطات الروسية”.
وكثيرا ما يستعين القادة الروس بمدانين غير مدربين للانضمام إلى الجيش الروسي. وبعد انتهاء فترة خدمتهم يعودوا إلى الشوارع دون أي إعادة تأهيل، ما يجعلهم يشكلون خطرا على المجتمعات.
ويقول خبراء إن “العديد من المحكومين يعودون إلى مجتمعاتهم وهم يظهرون قدرا من التباهي بأن خدمتهم في الجيش الروسي أعادت تأهيلهم. وغالبا ما يتعرض ضباط إنفاذ القانون للترهيب بسبب الوضع الجديد للنزلاء السابقين”.
وأوردت الصحيفة قصة سجين، قالت إنه “معروف بأكل لحوم البشر، ومُدان بارتكاب جرائم قتل تقوم على طقوس محددة مرتبطة بالشيطان، بما في ذلك قتل صديقته السابقة”، وأشارت إلى أنه ضمن الذين تم العفو عنهم بعد مشاركته في القتال في أوكرانيا”.
وفي العام الماضي، قلل بوتين من شأن قضية المدانين الذين تم العفو عنهم والذين ارتكبوا جرائم جديدة. وقال إن “هذا أمر لا مفر منه”.
وينتقد السكان المحليين عمليات الإفراج عن المجرمين السابقين، بينما يتهم بعض المحامين السلطات القضائية في روسيا بالبطء في التعامل مع القضايا المرفوعة ضد المحاربين القدامى.