تعتبر هوية قائد الوحدة 8200 الإسرائيلية سرا يخضع لحراسة مشددة. وهو يحتل أحد أكثر الأدوار حساسية في الجيش، حيث يقود إحدى أقوى وكالات المراقبة في العالم، على غرار وكالة الأمن القومي الأميركية.
ومع ذلك، وبعد قضاء أكثر من عقدين من الزمن في العمل في الظل، استطاعت صحيفة الغارديان في تقرير لها أن تكشف كيف ترك رئيس المخابرات المثير للجدل -واسمه يوسي سارييل- هويته مكشوفة على الإنترنت.
وترتبط الثغرة الأمنية المحرجة بكتاب نشره على أمازون، والذي ترك أثرا رقميا لحساب غوغل خاص تم إنشاؤه باسمه، إلى جانب البطاقة الشخصية له وروابط لخرائط الحساب وملفات.
وأكد تقرير صحيفة الغارديان أن سارييل هو المؤلف السري لكتاب “فريق الآلة البشرية” (The Human Machine Team)، وهو كتاب يقدم فيه رؤية جذرية لكيفية قيام الذكاء الاصطناعي بتغيير العلاقة بين الأفراد العسكريين والآلات.
تم نشر الكتاب في عام 2021 باستخدام اسم مستعار يتكون من الأحرف الأولى من اسمه، العميد “واي إس” (YS)، وهو يوفر مخططا للأنظمة المتقدمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي والتي كان جيش الدفاع الإسرائيلي رائدا فيها خلال الحرب التي استمرت 6 أشهر في غزة.
تضمنت النسخة الإلكترونية من الكتاب عنوان بريد إلكتروني مجهولا يمكن تتبعه بسهولة إلى اسم سارييل وحسابه على غوغل. وفي اتصال مع صحيفة الغارديان، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن عنوان البريد الإلكتروني لم يكن عنوانا شخصيا لسارييل، ولكنه “مخصص لقضايا تتعلق بالكتاب نفسه”.
وفي وقت لاحق الجمعة، وصف الجيش الإسرائيلي، في بيان لوسائل الإعلام الإسرائيلية، كشف الكتاب عن التفاصيل الشخصية لسارييل بأنه “خطأ”، مضيفا “سيتم فحص الموضوع لمنع تكرار حالات مماثلة في المستقبل”.
Yossi Sariel and his book pic.twitter.com/cKmWtS77EO
— Suppressed Nws. (@SuppressedNws) April 5, 2024
ومن المرجح أن يؤدي هذا الخطأ الأمني إلى مزيد من الضغوط على سارييل، الذي يقال إنه “يعيش ويتنفس” في مجال الاستخبارات، ولكن فترة ولايته في إدارة قسم الاستخبارات الإلكترونية في الجيش الإسرائيلي أصبحت مثيرة للجدل.
ويعتقد أن الوحدة 8200، التي كانت ذات يوم تحظى باحترام كبير داخل إسرائيل وخارجها لقدراتها الاستخباراتية التي تنافس قدرات مقر الاتصالات الحكومية البريطانية “جي سي إتش كيو” (GCHQ) في المملكة المتحدة، قامت ببناء جهاز مراقبة واسع النطاق لمراقبة الأراضي الفلسطينية عن كثب، بحسب تقرير الغارديان.
ومع ذلك، فقد تعرضت لانتقادات بسبب فشلها في توقع ومنع حماس من تنفيذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر من العام الماضي على جنوب إسرائيل.
ومنذ عملية حماس، وجهت اتهامات للوحدة 8200 بـ”الغطرسة التكنولوجية” والتي جاءت على حساب تقنيات جمع المعلومات الاستخبارية التقليدية.
وفي حربه في غزة، يبدو أن الجيش الإسرائيلي قد تبنى بالكامل رؤية سارييل للمستقبل، حيث تمثل التكنولوجيا العسكرية حدودا جديدة، إذ يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لإنجاز مهام متزايدة التعقيد في ساحة المعركة.
جادل سارييل في كتابه المنشور قبل 3 سنوات بأن أفكاره حول استخدام التعلم الآلي لتحويل الحرب الحديثة يجب أن تصبح سائدة. وكتب “علينا فقط أن نأخذها ونسلمها المسرح”.
أحد أقسام الكتاب معنون بـ”آلة الأهداف” التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، والتي تشبه أوصافها إلى حد كبير أنظمة التوصية بالأهداف التي يعتمد الآن عليها جيش الدفاع الإسرائيلي في قصفه لغزة.
وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، نشر جيش الدفاع الإسرائيلي العديد من أنظمة دعم القرار المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي تم تطويرها وتحسينها بسرعة بواسطة الوحدة 8200 تحت قيادة سارييل.
وهي تشمل نظامي غوسبال آند لافندر (Gospel and Lavender)، وهما نظامان لتوصية الأهداف، تم الكشف عنهما في تقارير المجلة الإسرائيلية الفلسطينية +972، ومنفذها باللغة العبرية لوكال كال (Local Call) والغارديان.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة به تهدف إلى مساعدة ضباط المخابرات البشرية، الذين يطلب منهم التحقق من أن المشتبه بهم من العسكريين هم أهداف مشروعة بموجب القانون الدولي.
وقال متحدث باسم الجيش إن الجيش استخدم “أنواعا مختلفة من الأدوات والأساليب”، مضيفا “من الواضح أن هناك أدوات موجودة لإفادة الباحثين في مجال الاستخبارات، والتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي”.
آلة الأهداف
يوم الأربعاء، سلطت رسالتان من موقعي “+972” و “لوكال كال” الضوء على الرابط بين الوحدة 8200 والكتاب الذي ألفه العميد واي إس بشكل غامض.
ومن المفهوم أن سارييل كتب الكتاب بإذن من الجيش الإسرائيلي بعد عام قضاه كباحث زائر في جامعة الدفاع الوطني الأميركية في واشنطن العاصمة، حيث طرح قضية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحويل الحرب الحديثة.
ويستهدف الكتاب القادة العسكريين والمسؤولين الأمنيين رفيعي المستوى، ويوضح مفهوم “التعاون بين الإنسان والآلة” الذي يسعى إلى تحقيق التآزر بين البشر والذكاء الاصطناعي، بدلا من بناء أنظمة مستقلة تماما”.
وهو يعكس طموح سارييل في أن يصبح “قائد فكر”، وفقا لأحد مسؤولي المخابرات السابقين. وفي العقد الأول من القرن الـ21، كان عضوا قياديا في مجموعة من الجواسيس ذوي التوجهات الأكاديمية المعروفة باسم “الجوقة”، والتي دعت إلى إصلاح ممارسات المخابرات الإسرائيلية.
ويشير تقرير صحفي إسرائيلي إلى أنه بحلول عام 2017 كان رئيسا للاستخبارات في القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي. وكان ترقيته اللاحقة إلى قائد الوحدة 8200 بمثابة تأييد من المؤسسة العسكرية لرؤيته التكنولوجية للمستقبل.
ويشير سارييل في الكتاب إلى “الثورة” التي حدثت في السنوات الأخيرة داخل جيش الدفاع الإسرائيلي، والتي “طورت مفهوما جديدا للحرب التي تركز على الاستخبارات لربط الاستخبارات بالمقاتلين في الميدان”. وهو يدعو إلى المضي قدما، والدمج الكامل بين الاستخبارات والحرب، لا سيما عند إجراء عمليات استهداف مميتة.
وفي أحد فصول الكتاب، يقدم نموذجا لكيفية بناء آلة أهداف فعالة بالاعتماد على “البيانات الضخمة” التي لا يستطيع العقل البشري معالجتها. جاء فيه “تحتاج الآلة إلى بيانات كافية فيما يتعلق بساحة المعركة، والسكان، والمعلومات المرئية، والبيانات الخلوية، واتصالات وسائل التواصل الاجتماعي، والصور، وجهات الاتصال بالهواتف المحمولة”. “كلما زادت البيانات وتنوعت كان ذلك أفضل”.
وقال إن آلة الأهداف هذه ستعتمد على نماذج معقدة تجعل التنبؤات مبنية “على كثير من الميزات الصغيرة والمتنوعة”، مع ذكر أمثلة مثل “الأشخاص الذين هم مع عضو في حزب الله في مجموعة واتساب، والأشخاص الذين يحصلون على هواتف محمولة جديدة كل يوم. أشهر قليلة، أولئك الذين يغيرون عناوينهم بشكل متكرر”.
ويقول إن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء أهداف عسكرية محتملة يمكن أن يكون أكثر كفاءة، ويتجنب “الاختناقات” التي يخلقها مسؤولو المخابرات أو الجنود”هناك اختناق بشري فيما يتعلق بتحديد الأهداف الجديدة واتخاذ القرار للموافقة على الأهداف. هناك أيضا ما يشبه عنق الزجاجة المتعلق بكيفية معالجة كمية كبيرة من البيانات. ثم هناك عنق الزجاجة المتمثل في ربط المعلومات الاستخباراتية بالعمليات على الأرض”. ويضيف “يستطيع فريق مؤلف من الآلات والمحققين أن يفتح عنق الزجاجة على مصراعيه”.
انقسام حول الذكاء
يأتي الكشف عن الثغرة الأمنية التي يعانيها سارييل في وقت صعب بالنسبة لرئيس المخابرات. حيث تعرض في فبراير/شباط الماضي، للتدقيق العام في إسرائيل عندما نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية تقريرا عن الاتهامات المتبادلة داخل الوحدة 8200 بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لم يتم ذكر اسم سارييل في المقال، الذي أشار إلى قائد الوحدة 8200 فقط بالحرف “واي” “Y”. ومع ذلك، فإن الانتقادات العلنية النادرة سلطت الضوء على انقسام داخل مجتمع المخابرات الإسرائيلي حول أكبر فشل له منذ جيل.
وقال التقرير إن منتقدي سارييل يعتقدون أن إعطاء الوحدة 8200 الأولوية للتكنولوجيا “المسببة للإدمان والمثيرة” على أساليب الاستخبارات القديمة قد أدى إلى الكارثة. وقال أحد المسؤولين المخضرمين للصحيفة إن الوحدة التي يقودها سارييل “اتبعت فقاعة الاستخبارات الجديدة”.
من جانبه، نقل عن سارييل قوله لزملائه إن يوم 7 أكتوبر “سيطارده” حتى يومه الأخير. وقال “أتحمل مسؤولية ما حدث بالمعنى العميق للكلمة”. “لقد هزمنا. لقد هُزمت”.