بعد 75 عاما على تأسيسه.. أميركا تتساءل عن مكاسبها من الناتو

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

واشنطن عقب مهاجمة روسيا الأراضي الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، قال الرئيس جو بايدن مرارا وتكرارا إن الولايات المتحدة “ستدافع عن كل شبر من أراضي الناتو”، محذرا روسيا من مواجهة عواقب وخيمة إذا هاجمت دولة عضوا في حلف شمال الأطلسي.

ومنذ تأسيس حلف الناتو قبل 75 عاما، لعب التكتل العسكري الأكبر في العالم دورا رادعا بصورة أساسية، غاب معها أي صدام مباشر بين دوله والاتحاد السوفياتي -حتى انهيار الأخير عام 1991- وروسيا من بعده.

ولم يُفعّل الناتو مادته الخامسة الشهيرة، التي مفادها أن أي هجوم على أي دولة من دول الحلف يُعد هجوما على كل دول الحلف، ويستدعي الرد العسكري، إلا مرة واحدة منذ تأسيسه، وكان ذلك مباشرة بعد تعرّض الولايات المتحدة لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وهرع حلفاء أميركا في حلف الناتو إثر ذلك لمساعدة الولايات المتحدة، وشارك العديد منهم في وقت لاحق في حرب الولايات المتحدة بأفغانستان.

ودفع تشكيك الرئيس السابق دونالد ترامب في الحلف وجدواه إلى طرح سؤال جديد حول مصالح واشنطن من البقاء في الحلف، في الوقت الذي تتمتع فيه بقدرات عسكرية ضخمة لا يضاهيها أي من بقية الدول الأعضاء فرادى أو جماعات.

حلف الناتو يوفر غطاء من الحماية والأمن المتبادل لجميع أعضائه (الأناضول)

المكاسب من الناتو

ويعرض أستاذ التاريخ والشؤون الدولية في جامعة نورث كارولينا والدبلوماسي الألماني السابق كلاوس لاريس 3 فوائد رئيسية للولايات المتحدة، نتيجة عضويتها في حلف الناتو.

فالناتو يمنح واشنطن حلفاء موثوقين عسكريا واقتصاديا، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قوة ضخمة، ولديها أكبر ترسانة نووية على وجه الأرض، ولا تزال أكبر اقتصاد في العالم، فإن قوتها تصبح أقل من دون حلفائها في أوروبا.

ويتخطى الناتو المجال العسكري، إذ إن له آثار سياسية واقتصادية إيجابية على الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تشتري معظم الدول الغربية أسلحتها ومعداتها العسكرية من الولايات المتحدة، وهو ما جعل إجمالي مبيعات واشنطن من الأسلحة عام 2023 يصل إلى 158 مليار دولار.

الفائدة الثانية أن حلف الناتو يوفر غطاء من الحماية والأمن المتبادل لجميع أعضائه، مما يساعد على تفسير سبب مطالبة الغالبية العظمى من دول وسط وشرق أوروبا بالانضمام إلى الناتو بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991.

وعلى الرغم من خوض روسيا عدة حروب مع جيرانها في مولدوفا وجورجيا، وأخيرا أوكرانيا منذ عام 2022، فإن موسكو لم تغامر بالهجوم على أي من الدول المجاورة الأعضاء في الناتو، حيث من شأن ذلك أن يجلب الحلف بأكمله إلى حرب مع روسيا.

أما الفائدة الثالثة، فتكمن في أن الناتو يساعد الولايات المتحدة على أن تصبح أقوى دول العالم، إذ لم تفرض واشنطن وجودها العسكري في أوروبا بالقوة، وبدلا من ذلك، يرحب حلفاؤها عموما بالقوات الأميركية، ومن خلال الانضمام إلى الناتو وقبول القيادة العسكرية لواشنطن، تمنح دول الناتو الولايات المتحدة نفوذا وقوة غير مسبوقين.

الأميركيون يدعمون الناتو

وأجرى معهد غالوب استطلاعا للرأي شمل 1016 شخصا خلال النصف الأول من شهر فبراير/شباط الماضي، أظهر دعم غالبية الأميركيين التزام بلادهم تجاه حلف الناتو.

وأيّد 47% من الأميركيين ضرورة المحافظة على التزام بلادهم الحالي تجاه الحلف، بينما أشار 20% منهم إلى أن الدعم للحلف يجب أن يزداد، وفي الوقت نفسه، يعتقد 16% منهم أن على الولايات المتحدة تقليل التزامها بحلف الناتو، وفضل 12% فقط أن تنسحب الولايات المتحدة من الناتو بالكامل.

ولم يتأثر الرأي العام بين الجمهوريين المؤيدين للمرشح الرئاسي والرئيس السابق دونالد ترامب بطرحه المعادي للناتو، وقد سبق وذكر ترامب أنه إذا تم انتخابه رئيسا فلن يدافع عن حلفاء الناتو ضد أي هجوم روسي، إذا فشلوا في المساهمة بأموال كافية للحلف.

وأظهر استطلاع غالوب أن أغلبية الجمهوريين (53%) يدعمون الحفاظ على التزام الولايات المتحدة تجاه حلف الناتو، أو زيادة التزامها تجاهه، وفي الوقت نفسه يقول 26% من الجمهوريين إن الولايات المتحدة يجب أن تقلل دعمها للتحالف، ويريد 16% منهم أن تنسحب الولايات المتحدة من الناتو.

المنافسة مع الصين

يتهم الكثيرون من المعلقين الأميركيين حلف الناتو بتجاهل الخطر والتحدي الأكبر أمام واشنطن والمتمثل في الصين، لذا اتخذ الحلف وإدارة بايدن خطوات عملية لردم هذه الهوة. وفي يونيو/حزيران 2022، وبعد بضعة أشهر فقط من غزو روسيا لأوكرانيا، أصدر الناتو وثيقة إستراتيجية وصفت، لأول مرة، الصين بأنها تهديد إستراتيجي.

وذكرت الوثيقة أن “طموحات جمهورية الصين الشعبية المعلنة وسياساتها القسرية تتحدى مصالحنا وأمننا وقيمنا”، وأضافت أن “العمليات الهجينة والسيبرانية الخبيثة لجمهورية الصين الشعبية وخطابها التصادمي، ومعلوماتها المضللة تستهدف الحلفاء، وتضر بأمن التحالف”.

من جهتها، أقرت إستراتيجية الأمن القومي في عهد الرئيس بايدن، والتي صدرت قبل نهاية عام 2022، بأهمية حلف الناتو، وأشارت إلى المخاطر المزدوجة من روسيا والصين. وقالت: “لقد لعبت تحالفات أميركا وشراكاتها دورا حاسما في سياسة أمننا القومي على مدى 8 عقود، ويجب تعميقها وتحديثها للقيام بذلك في المستقبل”.

ونصت على أن “الناتو استجاب بوحدة وقوة لردع المزيد من العدوان الروسي في أوروبا، حتى عندما تبنى الناتو أيضا أجندة جديدة واسعة النطاق في قمة مدريد 2022، لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة من جمهورية الصين الشعبية”.

وحذر سومانترا مايترا، خبير الشؤون الدولية بمركز تجديد أميركا، مركز بحثي قريب من الرئيس السابق دونالد ترامب، أوروبا من تجاهل الناتو المخاطر الصينية.

وقال إنه “من غير الحكمة أيضا أن نتوقع تحمّل حلف شمال الأطلسي أي عبء فيما يتصل بالصين. إن الرأي العام الأوروبي يكره الصراع مع الصين”.

كما أشار إلى أن الآثار المترتبة على حلف الناتو، بسبب صراع محتمل في مضيق تايوان، تتمثل بالحاجة للجيوش الأوروبية لإعادة ملء الفراغ العسكري الأميركي في شمال المحيط الأطلسي حال اضطرار الولايات المتحدة إلى إعادة نشر بعض قواتها في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

ولا يرجح مايترا أن يتدخل حلف الناتو بشكل مباشر في أي أزمة مستقبلية أو حرب مع الصين بسبب تايوان.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *