يرى مراقبون أن الوجود الروسي بالقرب من الجولان “منسّق له” مع إسرائيل، لكن أهدافه تصب في عدة مسارات، تتباين بالنظر للأحداث والظروف التي تخيم على جانبي الحدود، منذ السابع من أكتوبر 2023 وما بعد هذه المحطة.
وقبل يومين ثبتت الشرطة الروسية نقطة عسكرية هي الثالثة من نوعها بالقرب من المنطقة الفاصلة بين القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان، وذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أنه وبهذه الخطوة يكون عدد النقاط كاملة قد ارتفع إلى 12.
على الجانب الروسي تقول موسكو، إن نقاطها جنوبا “تأتي في إطار الجهود المبذولة لمراقبة الوضع على طول (خط برافو) في المنطقة الفاصلة”، وتضيف أيضا أن إنشائها يرتبط بمراقبة “الالتزام بوقف إطلاق النار بين الطرفين”.
وفي المقابل، لم تعلق إسرائيل على تحركات موسكو بالقرب من الجولان، وكذلك على المواقف السياسية التي تصدر من موسكو ضدها، وخاصة إزاء الضربات التي تنفذها باستمرار في سوريا، وآخرها قبل يومين، عندما هاجمت مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق.
وتتوزع نقاط المراقبة على أجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة في جنوب سوريا، وتضم كل واحدة منها عدد من عناصر الشرطة الروسية، إذ يجرون دوريات على الأرض باستمرار وعلى طول خط “برافو”.
الخط المذكور لا يمكن للقوات السورية تجاوزه ويقع في الجزب الشرقي من المنطقة العازلة وموقع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في هضبة الجولان.
وبالإضافة إلى ما تسيّره موسكو على الأرض كان وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت لأكثر من مرة ومنذ مطلع العام الحالي عن تسيير دوريات جوية على طول الخط المذكور أيضا “لمراقبة وقف إطلاق النار بين الجانبين”.
“ما قبل غزة وبعدها”
رغم أن روسيا سبق وأن وضعت موطئ قدم لها بالقرب من الجولان بعد عام 2018، تقلّص وجودها هناك عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، على صعيد الانتشار وتثبيت النقاط، حسب مراقبين ووسائل إعلام.
وفي أعقاب الحرب في غزة فرضت ميليشيات إيران واقعا متوترا من جانب الجولان، الأمر الذي دفع روسيا للدخول إلى المنطقة من جديد، عبر نقاط المراقبة على الأرض والدوريات في الجو.
الميليشيات الإيرانية بدأت وفي أعقاب السابع من أكتوبر مسارا منضبطا في الهجمات من الجانب السوري باتجاه الجولان، كخطوة للتخفيف عن حماس في قطاع غزة وتضامنا معها.
وكانت إسرائيل ترد في المقابل على القذائف والصواريخ التي تطلق ضدها بقصف مواقع تابعة لجيش النظام السوري، في درعا ومحافظة القنيطرة.
وما بين هذه الهجمات والرد المقابل دخلت موسكو دون تمهيد مسبق، وبينما نجحت إلى حد ما في تقليل الهجمات التي كانت تنطلق من الجانب السوري لم يكن لها أي دور في الجو، حيث واصلت إسرائيل قصفها لمواقع في سوريا من اتجاه الجولان.
واستهدفت آخر ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق، قبل يومين، ما أسفر عن مقتل 7 قادة من “الحرس الثوري” الإيراني، وأوضح المسؤولون الإيرانيون بعد الحادثة أن “طائرات من نوع إف 35، من نفذت القصف من اتجاه الجولان”.
“وجود منسّق له”
لا ترتبط التحركات الروسية الحالية بالقرب من الجولان بما جرى في عام 2018 و”الاتفاق الذي تم في الكواليس” بشأن إبعاد الميلشيات الإيرانية بعمق 80 كيلومترا عن الحدود، كما يعتقد الباحث السوري في مركز “جسور للدراسات”، وائل علوان.
ومع ذلك يقول لموقع “الحرة”، إن نقاط المراقبة يتم إنشائها “بتنسيق مسبق ومنسّق له” بين إسرائيل وروسيا.
بعد الحرب الروسية في أوكرانيا وما تبعها من فترة استياء في العلاقة بين إسرائيل وروسيا، عمدت الأخيرة على سحب الكثير من نقاطها في جنوب سوريا.
لكن ما حصل في غزة دفعها للعودة إلى التنسيق مع جديد مع الجانب الإسرائيلي وإلى العلاقات الجيدة نسبيا، كما يضيف الباحث.
وعلى أساس ذلك يوضح علوان أن الدخول الروسي يأتي بغرض “تخفيف الوجود الإيراني على خط التماس”.
ويشير إلى أن إسرائيل كانت بحاجة بعد حرب غزة لعودة التنسيق مع روسيا، من أجل أن تضمن عدم فتح جبهات ضدها شمالا.
“تأكيد للدور”
في غضون ذلك تذهب تحليلات أخرى لمراقبين إلى أن النقاط الروسية ترتبط بمحاولة من موسكو من أجل تأكيد دورها في الجنوب السوري.
ويأتي هذا المسعى، بينما كانت التوترات على أشدها عندما بدأت ميليشيات إيرانية بقصف مواقع في الجولان، واتجاه إسرائيل للرد عليها بسرعة.
وروسيا هي اللاعب الرئيسي الذي يدعم نظام الأسد سياسيا وعسكريا، منذ عام 2015.
في حين تشن إسرائيل حملة منذ سنوات طويلة من الضربات الجوية تستهدف المقاتلين الموالين لإيران الموجودين هناك.
وحافظ الجانبان، في السنوات الأخيرة على ما يسمى بآلية عدم التضارب التي تعمل على منع القوات الإسرائيلية والروسية من الاشتباك في سوريا.
ولذلك يوضح المحلل الإسرائيلي، إيلي نيسان، أن ما يجري لا يمكن فصله عن إطار التنسيق بين إسرائيل وروسيا، و”محاولة تفادي أي مواجهة وصدام”.
ويقول لموقع “الحرة”، إن قواعد التنسيق كان قد تم إرسائها ضمن آلية بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في أعقاب حادثة إسقاط الطائرة في 2018.
وتتضمن هذه الآلية عدم التصادم العسكري داخل الأراضي السورية وفي الأجواء.
وتؤكد على ضرورة أن يتم إخطار كل طرف للآخر عن الأهداف التي ينوي ضربها، قبل فترة محددة من الوقت.
وفي تناقض لما اتفقت وتنسيق فيه مع إسرائيل دائما ما تندد موسكو بضربات الأخيرة في سوريا، وتعتبرها انتهاكا لوحدة الأراضي السورية.
وفي هذا الصدد، يضيف نيسان: “رغم تصويت روسيا ضد إسرائيل في كل المنابر الدولية لم يؤثر ذلك على سير آلية عدم التضارب. إسرائيل لا تريد الصدام مع موسكو في سوريا”.
“لا صدام.. لا مواجهة”
وكانت الضربات التي وجهتها ميليشيات إيران باتجاه الجولان قبل إنشاء نقاط المراقبة الروسية غامضة على نحو كبير.
ولم تكشف الميليشيات في جميع الضربات عن أسمائها وهويتها، ولم تعرف أيضا المواقع التي أطلقت من خلالها القذائف والصواريخ.
وبعدما بدأت روسيا بتسيير الدوريات جوا وبرا اتخذت الهجمات مسارا جديدا، على صعيد الإعلان بشكل رسمي والكشف عن مصادر ونوعية الإطلاق “عن بعد” وبالطائرات المسيّرة.
تتبنى ما تعرف بـ”المقاومة الإسلامية في العراق” جميع الهجمات التي تنطلق باتجاه إسرائيل عبر الجولان.
وهذا التجمع يضم خليط من ميليشيات تدعمها إيران بشكل كامل، وأبرزها “حزب الله”.
ويرى الباحث الروسي، ديمتري بريجع، أن النقاط الروسية باتت تفي بغرض تقليل الهجمات باتجاه الجولان، وأنها مرتبطة بالتفاهمات والاتفاقيات الأخيرة التي حصلت بين نتانياهو وبوتين.
ويقول لموقع “الحرة”، إن “التفاهمات تؤكد على ضرورة عدم حدوث أي صدام في سوريا (بين إسرائيل وروسيا)، و درء أي خطر قد يهدد أمن إسرائيل”.
وتشير التفاهمات أيضا إلى أن “روسيا وقواعدها ستضمن أمن إسرائيل فيما يتعلق بالإرهاب والتنظيمات الإرهابية التي تراها إسرائيل تهديدا لأمنها القومي”.
بريجع يرى أن سكوت روسيا على ضربات إسرائيل في سوريا، يؤكد وجود التفاهمات المذكورة “دون أي تغيير”.
ويضيف: “هناك اتفاق على عدم المواجهة والصدام بين إسرائيل وروسيا”، وأن “الضربة الأخيرة على القنصلية الإيرانية تصب في هذا الإطار”.
لكنه يردف مستدركا أن ما سبق يخص الملف السوري فقط، دون أن يشكل إطارا العلاقات كاملة، لافتا إلى وجود تفاهمات روسية-إيرانية في عدة ملفات، وعلاقة أقرب للتنافس في سوريا.