تغيب النساء عن بطولات الأفلام السينمائية منذ أعوام لكننا نجدهن حاضرات بقوة في المسلسلات التلفزيونية، فتجذب بعض الأعمال مشاهديها لأن فريقها يحتوي على نجمة مثل منى زكي أو منة شلبي أو نيللي كريم.
ويُعرض في رمضان الحالي عدد كبير من المسلسلات ذات البطولات النسائية، ولكن بعضها ذو نوع خاص مختلف عن باقي الأعمال، مسلسلات بطلتها امرأة يحرّكها الغضب، ودافع الحبكة الأساسي هو الانتقام.
غضب لتغيير الواقع
ما الذي يدفع امرأة للانتقام؟ غضب مكبوت؟ غدر؟ حق تم اغتصابه؟ اعتداء لم يمكن رده في الوقت المناسب؟ كلها أسباب منطقية، غير أن هناك سببا آخر يجب إضافته وهو إثبات الذات، يمكن فهم ذلك بشكل أفضل بقراءة مسلسل “صيد العقارب” وهو من إخراج أحمد حسن وتأليف باهر دويدار وبطولة غادة عبد الرازق ومحمد علاء ورياض الخولي وأحمد ماهر.
ففي المسلسل لا ينغص عيش “عايدة” (غادة عبد الرازق) -المرأة الناجحة في عملها خبيرة في العقارب والسعيدة في زواجها- إلا تقليل والدها منها بسبب جنسها، فيرفض عملها معه في شركته رغم تعليمها العالي، ويختار بدلًا منها أخاها “علي”، وعندما تتعرض للدغة عقرب -وهو أمر وارد خلال عملها- يحاول إجبارها على ترك عملها والتفرغ للمنزل لأن ذلك هو المكان الوحيد المناسب للمرأة.
تهتز قناعات الأب عندما يُقتل ابنه الأكبر “علي” على يد ابن شريكه، ويساعد هذا الشريك ابنه على الهرب من الشرطة، فيقرر الأب ذو الأصول الصعيدية البحث عن الثأر، ولظروفه الصحية الخاصة بعد محاولة قتله لا يجد أمامه أي شخص لتحقيق هذا الثأر سوى “عايدة” الابنة التي يعيّرها بجنسها طوال حياتها.
تبدأ “عايدة” رحلتها في الانتقام من شريك والدها “الغول” وكل أفراد أسرته بما فيهم زوجها الذي ينتمي إلى هذه العائلة، من ناحية لأخذ ثأرها من قاتل أخيها والمتسبب في شلل والدها، ومن ناحية أخرى لإثبات نفسها أمام والدها الذي قلل من شأنها واعتبرها عددا إضافيا في العائلة وليس فردا يمكنه الاعتماد عليه.
امرأة أخرى تنتقم لأن لديها ما تحتاج لإثباته هي “يمنى” بطلة مسلسل “لحظة غضب”، وهو من إخراج عبد العزيز النجار وتأليف مهاب طارق، وبطولة صبا مبارك ومحمد شاهين وعلي قاسم، وفيه تعيش البطلة مع زوج مسيء، يعنفها نفسيا بصورة يومية، ويقلل من شأنها سواء من حيث ذكائها أو جمالها وأنوثتها، وفي عيد ميلادها يهملها ويرفض الاحتفال معها وحدهما، ثم يسخر من ثيابها فتضربه بإحدى أدوات المطبخ على رأسه ويسقط على الأرض وتعتبره ميتا وتخفي جثته.
تبدأ “يمنى” (صبا مبارك) مرحلة جديدة من حياتها بعد هذه الجريمة، فبعدما عاشت طوال حياتها بشخصية ضعيفة، تهلع من نبرة صوت عالية يخاطبها بها زوجها، تضع الخطط لإنقاذ نفسها من تهديدات متعددة، منها شك “هشام” (محمد شاهين) فيها ومحاولاته تضييق الخناق عليها، وتهديدات جارها “آسر” (علي قاسم) بكشف سرها بعدما صورها سرا، ولكنها تواجه كل هذه الضغوط، بل تنتقم منهما بشكل لم تتوقعه في أكثر أحلامها تفاؤلا، وأثبتت لنفسها ولهم قوة شخصيتها.
بطلات المسلسلات وغدر الأحباب
“غدر الصُحاب” واحدة من المقولات الساخرة في العامية المصرية، والتي تطلق على حالات الغدر التي يقوم بها أشخاص مقربون، ونجدها تنطبق على مسلسلين من مسلسلات النساء الغاضبات في رمضان 2024، أشهرها مسلسل “نعمة الأفوكاتو” من إخراج محمد سامي وتأليفه مع مهاب طارق وبطولة مي عمر وأحمد زاهر وأروى جودة.
ويدور المسلسل حول “نعمة” (مي عمر) المحامية الماهرة التي تعيش مع زوجها شبه العاطل صلاح (أحمد زاهر)، تتحمل البطلة تنطع زوجها عليها بعدم بحثه عن وظيفة مجزية واستمرار حلمه بفوزه بقضية “وقف” تنهي كل مشاكله المادية، ورفضه إنجابها الأطفال، وعندما تكسب 10 ملايين من الجنيهات في إحدى القضايا تقرر وهبه 8 منها لتسعد قلبه، ولكن من هنا يأتي “غدر الأحباب” فبعدما يحصل صلاح على المال يقرر الزواج من “سارة” (أروى جودة) سرا، وعندما تكتشف “نعمة”، تضربها “سارة” على رأسها بأحد التماثيل ويدفناها سويا بإحدى المقابر.
تخرج “نعمة” من القبر مثل العنقاء العائدة من الرماد لتحقق انتقامها الكامل من صلاح وسارة، وتنكل بهما بكل الوسائل الممكنة، وتستمر في ذلك حتى يُحكم على زوجها الغادر بالإعدام في قضية قتل “محمد” المحامي المساعد لـ”نعمة”.
امرأة أخرى عانت من غدر الأحباب الذي أغضبها لدرجة الانتقام منهم جميعا، نجدها في مسلسل “سر إلهي” من إخراج رؤوف عبد العزيز وتأليف أمين جمال وحمدي التايه، وبطولة روجينا ونهى عابدين ومحمد ثروت ومي سليم.
يبدأ المسلسل بـ”ناصرة” (روجينا)، الأخت المضحية التي ربت ثلاثة إخوة بعد وفاة والديها، بالإضافة إلى كونها مسؤولة عن مصاريف ابنتها المريضة وزوجها شبه العاطل والبلطجي.
تعيش “ناصرة” أزمات مادية وعائلية مستمرة، لكن ذلك لا يؤثر على عملها في إحدى دور المسنين، فهي المفضلة لدى الكثير من النزلاء ومنهم العم “جميل” (أحمد بدير) الذي تكتشف بعد قليل أنه هارب من ابنه وابنته اللذين قتلا أخاهما الثالث ويبحثان عن الأب للاستيلاء على أمواله التي أخفاها.
يُقتل “جميل” على يد “بدر” ابنه مدمن المخدرات، وفي محاولة لتبرئة نفسه يتهم “بدر” وأخته “شاهيناز” “ناصرة” بقتل والديهما، ثم يرشيان أخوتها وزوجها ليشهدوا عليها في المحكمة، فتحصل على حكم بالسجن لسبع سنوات، وتخرج منه مقررة الانتقام من كل من أذاها، بمن فيهم زوجها السابق وأخوتها و”بدر” و”شاهيناز”.
كل من “عايدة” و”يمنى” و”نعمة” و”ناصرة” قامت بأفعال انتقامية كانت أساس الحبكة الدرامية للمسلسلات الأربعة التي تحدثنا عنها هنا، ونلاحظ أنه بالتوازي مع الانتقام ناقش “صيد العقارب” و”لحظة غضب” التمييز ضد المرأة والعنف النفسي الذي قد يمارسه الزوج على زوجته فيدفعها حتى لقتله، بينما لم يقدم “نعمة الأفوكاتو” و”سر إلهي” إلا ميلودراما الغدر والانتقام التي تكررت من قبل في عشرات الأعمال السينمائية والتلفزيونية.