قال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قبل أسابيع، إنه “لم يجد بلدا” حين تولى الحكم قبل 10 أعوام، في إشارة إلى التحديات الكبيرة التي واجهها حين استلم السلطة، عقب فترة كبيرة من الاضطرابات.
وبالتزامن مع أداء السيسي اليمين الدستورية، اليوم الثلاثاء، لفترة رئاسية جديدة، يستعرض موقع الحرة في هذا التقرير أبرز التطورات التي مرت بها مصر خلال فترة حكم السيسي، منذ عام 2014.
في كلمته خلال الاحتفال بيوم الشهيد في مارس الماضي، وتعليقا على التحديات التي تواجهها مصر، قال السيسي: “أنا والله العظيم.. أنا بأحلف بالله أنا ما لقيت بلد أنا ما لقيتش بلد، أنا لقيت أي حاجة وقالوا لي: خد دي.. إحنا إمكانياتنا مش كتير أوي إحنا حاليا على 10 أو 12 في المئة من مساحة مصر وكانت 6 في المئة والباقي صحراء”.
وأدى الرئيس المصري، الثلاثاء، اليمين الدستورية لولاية ثالثة مدتها 6 سنوات، أمام مجلس النواب بالعاصمة الإدارية الجديدة شرقي القاهرة، شارحا الخطوات المقبلة التي ستنتهجها الحكومة لمواصلة ما حققته في 10 سنوات.
وكان السيسي، وزير الدفاع، القائد السابق للجيش، قد وصل إلى السلطة إثر الإطاحة بالرئيس السابق، محمد مرسي، في يوليو 2013، وفاز في انتخابات عامي 2014 و2018.
وخلال سنوات حكمه الأولى، لُقب السيسي بـ”المنقذ” بسبب إطاحته جماعة الإخوان.
وكان للمشروعات الكبرى التي أطلقها صداها على مؤيدي السيسي في شتى المجالات، ووضعت معظم القنوات التلفزيونية المصرية شعار “الجمهورية الجديدة” على يسار شاشاتها، احتفالا ودعما لما تشهده البلاد من تغيير، وفق رؤية الرئيس.
ويشير مسؤولون إلى أنه تم توظيف العديد من المصريين في بناء مشروعات البنية التحتية التي أعلن عنها، مثل الجسور والطرق الجديدة، وتحديث المطارات، ومترو الأنفاق.
ويقول الخبير الاقتصادي، مدير مركز العاصمة للدراسات في القاهرة، خالد الشافعي، لموقع الحرة، إن تطور البنية التحية “هو ما أهم ما ميز تلك الفترة من حكمه”، مشيرا إلى أن هذا التطور أعطى انطباعات إيجابية في المؤسسات الدولية، وخلق “طفرة” في العمران مع زيادة الرقعة العمرانية”.
وأوردت صحيفة الأهرام الحكومية قائمة بأهم الإنجازات في عهده، مثل مشروعات الأنفاق التي ربطت سيناء بنواحي مصر، والمشروع القومي “الدلتا الجديدة”، وتنفيذ ما يقرب من 1000 مشروع اجتماعي، وبرنامج “سكن كريم”، وبناء أكثر من 20 تجمعا عمرانيا جديدا، وإنشاء أكثر من 3 آلاف مدرسة فضلا عن تصميم وتنفيذ وإطلاق نظام التعليم المصري الجديد، وإنجاز 28 محطة طاقة كهربائية لزيادة القدرة الكهربائية بأكثر من 25 ألف ميغاوات، وتنفيذبرنامج ناجح لمكافحة العشوائيات وإصلاح الأحوال المعيشية للملايين من سكانها وتحويلها إلى مدن متحضرة.
وتشير الصحيفة إلى تنمية الساحل الشمالي الغربي، والعمل على إنهاء بناء محطة الضبعة للطاقة النووية، الواقعة في محافظة مطروح، على بعد حوالي 300 كيلومتر شمال غرب القاهرة، على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ويفتخر السيسي أيضا بشن حملة ناجحة على الإرهاب، خاصة في سيناء.
حملة “قمع”
لكن في مقابل ذلك، وجهت للسيسي اتهامات بالتنكيل بمعارضين وناشطين في مجال حقوق الإنسان منذ تولّيه الحكم في 2014.
وأشارت منظمات لحقوق الإنسان إلى زيادة عدد حالات الاعتقالات التعسفية، والأحكام بالإعدام، والتعذيب، ولإخفاء القسري، والحبس الاحتياطي غير محدد المدة.
وكانت 19 منظمة حقوقية اتهمت السيسي بـ”توسيع سيطرته على السلطة القضائية والمؤسسات الحكومية” وقالت إنه “يستهدف ويضطهد ويراقب المجتمع المدني والخصوم السياسيين ومنظمات الإعلام المستقلة”.
وفي تصريحات لموقع الحرة، اعتبر الناشط الحقوقي، جمال عيد، أن “كارثة مصر ليست اقتصادية وسياسية فقط، لكن انهيار منظومة العدالة، لأنها تحتاج إلى أجيال لإصلاحها”.
ويشير عيد إلى “ترد غير مسبوق في منظومة العدالة ونتيجة لذلك، نشهد ظواهر معتقلي الرأي والمحاكمات الجائرة والفقر وسوء حالة الإعلام وكل ظواهر غياب دولة القانون وغياب العدالة”.
ويقول أنصار السيسي إن الإجراءات الأمنية ضرورية لتحقيق الاستقرار في مصر بعد اضطرابات انتفاضة “الربيع العربي” عام 2011 وتمهيد الطريق لتوفير الحقوق الاجتماعية مثل السكن والوظائف.
ومن أبرز الإجراءات التي تمت في عهد السيسي أيضا التعديلات الدستورية، التي أقرت في 2019، وزادت الفترة الرئاسية من أربع سنوات إلى ست سنوات، وسمحت له بالترشح لولاية ثالثة.
ويقول أنصار السيسي إن هذه التعديلات ضرورية لإتاحة المزيد من الوقت أمامه لاستكمال مشروعات تنموية وإصلاحات اقتصادية ضخمة، بينما قال المنتقدون إن التعديلات تركز قدرا أكبر من السلطات في يد السيسي، وتعيد مصر إلى نموذج سلطوي.
وتضمنت التعديلات سيطرة رئيس الجمهورية على قرارات التعيين والصعود الوظيفي في الهيئات القضائية، وتعديل دور القوات المسلحة، وهو ما أثار مخاوف من تغولها على الحياة السياسية.
ومع دخول البلاد سباقا انتخابيا في ديسمبر الماضي، قال مركز القاهرة لحقوق الإنسان إن الأطر “القانونية والسياسية القائمة تصادر الحريات السياسية، ولا تلبي المعايير الدنيا لضمان الإشراف المحايد على الانتخابات”.
وقد تمت إدانة المعارض المصري، أحمد الطنطاوي، بتداول أوراق العملية الانتخابية دون إذن السلطات.
وألقى الطنطاوي اللوم على السلطة في عدم تمكنه من جمع التوكيلات المطلوبة لإتمام الترشح رسميا، مشيرا إلى منع أنصاره عمدا من تحرير التوكيلات بمكاتب الشهر العقاري المكلفة بهذه المهمة في أنحاء البلاد.
الحوار الوطني.. إلى أين؟
وكان السيسي قال في كلمته، الثلاثاء، إنه سيتم “استكمال وتعميق الحوار الوطني وتنفيذ التوصيات التي يتم التوافق عليها على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية”
ودعا السيسي أول مرة لهذا الحوار في أبريل 2022، إذ أعلن عن تشكيل مجلس أمناء الحوار الوطني المصري مكون من 19 عضوا، يكون نقيب الصحفيين منسقا عاما له.
وأعاد الرئيس المصري تشكيل لجنة العفو الرئاسية، بالتزامن مع الدعوة إلى الحوار، وتم بالفعل الإفراج عن معتقلين، لكن معارضين قالوا إن بعضهم تمت إعادة اعتقالهم.
واعتبر أيمن محسب، عضو مجلس النواب، مقرر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطني، أن الدعوة للحوار ساهمت في تنمية الحياة السياسية والحزبية، وخلقت حالة من الزخم السياسي، وصل إلي الذروة مع إجراء الانتخابات الرئاسية.
بينما اعتبر عيد، في تصريحاته لموقع الحرة، أن الدعوة المتجددة للحوار مجرد “فرقعات إعلامية لا تعبر عن أي رغبة جدية للإصلاح، لكن فقط تجميل صورة النظام على غرار خطوات بائسة سابقة، مثل تغيير هيئة حقوق الإنسان وتشكيل لجنة العفو”.
واعتبر أنها فقط “خطوات ديكورية لا أثر لها على أرض الواقع”.
وكانت الحركة المدنية الديمقراطية (تجمع لأحزاب وقوى معارضة) علقت مشاركتها في الحوار الوطني قبيل انتخابات الرئاسة، ووضعت مطالب جديدة على رأسها “تعديل قانون الانتخابات البرلمانية، والإفراج عن سجناء الرأي، بمن فيهم المحبوسون أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وتخفيف القيود المفروضة على وسائل الإعلام، وتمثيل مختلف التوجهات والآراء السياسية في المجتمع، ورفع الحجب المفروض على المئات من المواقع الإخبارية والحقوقية المحلية والعربية والدولية.
الاقتصاد المصري في 10 سنوات
ورث السيسي اقتصادا متداعيا حينما تولى منصب رئيس الجمهورية عام 2014، وسعى لتنفيذ إصلاحات عميقة، لكنها في الوقت ذاته أضرت معظم المصريين من خلال خفض قيمة العملة المحلية وتقليص الدعم.
وخلال السنوات الأولى من حكمه، تمكن الرئيس المصري من إنعاش النمو الاقتصادي في البلاد ومعالجة المشكلات الملحة المتعلقة بالكهرباء وإمدادات الغاز والأمن.
وشرعت حكومته في تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في مرحلته الأولى، بين 2015 و2016، لترشيد الانفاق وإيصال الدعم لمستحقيه، إذ تم تعديل أسعار المواد البترولية المدعمة والكهرباء.
ومع نهاية حكم محمد مرسي، في يوليو 2013، كان سعر صرف الدولار الواحد يبلغ نحو 7 جنيهات، واستمر في الارتفاع نسبيا حتى وصل إلى 8.8 عندما تولى السيسي السلطة.
وخلال فترة حكمه، شهدت مصر 3 موجات “تعويم” للعملة المحلية، الأولى في نوفمبر 2016، ليفقد الجنيه نحو نصف قيمته أمام الدولار.
وتسبب تعويم الجنيه في خفض قيمة الرواتب وتراجع القدرة الشرائية للسكان مع ارتفاع الأسعار في العديد من القطاعات، مثل الكهرباء والغاز والألبان والصلب والبناء.
ومع ذلك، زادت الاحتياطيات الأجنبية وتحسنت مؤشرات التوقعات للاقتصاد وزاد النمو وحققت العملة بعض المكاسب بمرور الوقت لتستقر عند حوالي 15.7 جنيها للدولار.
وفي بداية شهر مارس 2022، أعلن جهاز الإحصاء ارتفاع معدل التضخم السنوي ليبلغ 10 في المئة لشهر فبراير، مسجلا النسبة الأعلى منذ منتصف عام 2019، ورد هذه الزيادة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 20.1 في المئة.
ثم واصلت العملة انخفاضها، وأعلنت السلطات، في مارس 2023، زيادة حادة في التضخم بلغت 31.9 في المئة.
وفي ظل هذا الوضع، دخلت مصر أزمة اقتصادية من بين الأسوأ في تاريخها بتسجيل التضخم مستويات قياسية، مدفوعا بتراجع قيمة العملة المحلية، ونقص العملة الأجنبية في بلد يستورد معظم حاجاته الغذائية.
وقال مركز القاهرة لحقوق الإنسان “أصبح ملايين المصريين يعانون لتلبية احتياجاتهم الأساسية أو تحمل تكاليف السلع الأساسية، بسبب تصاعد نسب التضخم، ويبدو الأفق الاقتصادي المصري لعام 2024 على الدرجة نفسها من القتامة”.
ورغم إعلان الحكومة المصرية عن زيادة في الأجور، لم تستطع مجابهة التضخم الذي وصل إلى 36 في المئة، بينما أسعار الغذاء زادت حوالي 60 في المئة، وفق المركز.
ويقول الشافعي لموقع الحرة إنه” مع تحرير سعر الصرف ارتفعت الأسعار مع عدم قدرة الحكومة على ضبط السوق”، وهذه الموجة التضخمية “لا يزال المصريون يعانون منها رغم القضاء على السوق السوداء للدولار”.
وأضاف “أصبحت بعض الفئات غير قادرة على شراء فئة من المنتجات”.
والشهر الماضي، اتخذ البنك المركزي المصري قرارا بتحرير سعر صرف الجنيه مجددا، ليفقد ثلث قيمته أمام العملة الأميركية، وهو ما ساعد الحكومة على عقد اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي لزيادة حجم القرض الأخير من ثلاثة مليارات دولار إلى ثمانية، في محاولة لجمع حصيلة من النقد الأجنبي.
كذلك قررت دولة الإمارات ضخ “35 مليار دولار استثمارات مباشرة” في مصر، بموجب اتفاق لتنمية منطقة رأس الحكمة” على البحر المتوسط بشمال غرب البلاد.
وأعلنت الحكومة عن مبيعات بقيمة 1.9 مليار دولار من أصول الدولة، لتوفير العملة الصعبة، “وهو أمر إيجابي ولكنه لا يفعل الكثير لتخفيف المعاناة الاقتصادية واسعة النطاق”، وفق “فورين بوليسي”.
وواجهت المشروعات العملاقة التي تبناها السيسي، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، والقطارات فائقة السرعة وبعض الجسور والطرق انتقادات البعض الذين يعتقدون أنه لا عائد لها، بينما تستنزف موازنة الدولة، وتؤدي إلى مضاعفة الديون.
ودفعت الصعوبات الاقتصادية أعدادا متزايدة للهجرة غير الشرعية، في السنوات الأخيرة، وهو ما كان وراء الاتفاق بقيمة 7.4 مليار يورو (8 مليارات دولار) الذي أبرمته مصر مع رئيسة المفوضية الأوروبية، مؤخرا.
ويعتقد الشافعي أنه مع ولاية جديدة للسيسي وحكومة جديدة، “سيكون هناك دعم حكومي لقطاعي الصناعة والزراعة وهما قطاعان رئيسيان يمكن أن يساعدا في مجال الأمن الغذائي للمواطن”.
ويقول إن الأحداث العالمية تقع بسرعة ودون سابق إنذار ويتأثر بها العالم أجمع، مضيفا: “آن الأوان لمصر ليكون لديها اقتصاد قادر على التصدي للأزمات”.
والثلاثاء، أشار السيسي في كلمته إلى “تبني استراتيجيات تعزز من موارد مصر الاقتصادية وتعزز من مرونة الاقتصاد في مواجهة الأزمات وتحقيق نمو اقتصادي قوي ومتوازن، وتعزيز دور الاقتصاد الخاص”.