قال محافظ بنك إسرائيل أمير يارون “من الناحية العملية، تصنيف إسرائيل هو “بي بي بي”، حتى لو لم تخفّضه وكالات التصنيف إلى هذا المستوى”، مؤكدا أن تخفيض وكالة موديز للتصنيف الائتماني للبلاد مؤخرا يشير إلى الحاجة إلى اتخاذ تدابير استباقية لاستعادة ثقة المستثمرين، وتحقيق الاستقرار في الأسواق المالية.
وخلال مؤتمر صحفي عقده أمس الاثنين بمناسبة إصدار البيانات المالية للبنك لعام 2023، سلّط يارون الضوء على التناقض بين الأداء الاقتصادي الفعلي لإسرائيل وتصنيفها الائتماني المتصور.
وقدم البنك تقييما، سلط فيه الضوء على التداعيات متعددة الأوجه للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأزمة الإصلاح القضائي الداخلي، وتطرق التقرير إلى ما تسببت به هذه الأحداث في إرسال موجات صادمة عبر مختلف القطاعات، مما أدى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي والاستثمار والصادرات.
وشدد محافظ بنك إسرائيل على الآثار السلبية للحرب على الاقتصاد، مشيرا إلى انكماشات كبيرة في مجالات رئيسية مثل الاستهلاك الخاص والاستثمار.
وقال يارون إن “التأثير السلبي للحرب على الاقتصاد ظهر على عدة مستويات”، مشيرا إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي وانخفاض الاستهلاك الخاص والاستثمار بشكل حاد، وشهدت الصادرات أيضا انخفاضا، مما أدى إلى تفاقم التحديات الاقتصادية.
وبلغ التضخم ذروته في بداية عام 2023 عند 5.4%، ثم انخفض تدريجيا على مدار العام، ويبلغ مستواه السنوي 3%، وهو الحد الأعلى للمعدل المستهدف.
وأشار التقرير إلى أن “السياسة النقدية المتشددة، وانخفاض التضخم في جميع أنحاء العالم، والسياسة المالية غير الدورية التي اعتمدتها إسرائيل خلال هذه الفترة ساهمت في انخفاض التضخم حتى الحرب، وفي المقابل، أدى انخفاض قيمة الشيكل إلى تأخير وصول التضخم إلى هدفه”.
قطاعات تضررت أكثر
وكانت الصناعات التي تعتمد على العمالة الأجنبية، مثل البناء والزراعة، من بين أهم القطاعات التي تضررت بشدة على وجه خاص، وسلط يارون الضوء على النقص الحاد في العمالة الأجنبية، الذي تفاقم بسبب القيود المفروضة على توظيف العمال الفلسطينيين، مما أثر بشكل أكبر على هذه القطاعات.
وشدد التقرير على التأثير الحاد على صناعات البناء والزراعة، حيث أدى حظر توظيف العمال الفلسطينيين إلى تفاقم النقص في العمال الأجانب.
الأسواق المالية لم تنج
وترددت أصداء تأثير الحرب في جميع أنحاء الأسواق المالية، مع انخفاض ملحوظ في قيمة الشيكل، وضعف أداء الشركات الإسرائيلية التي تتاجر في الخارج.
وأشار التقرير إلى أنه “على مدار العام، وفي ضوء المعالم البارزة في هذه العملية، انخفضت قيمة الشيكل بشكل ملحوظ، وكان أداء سوق رأس المال الإسرائيلي، وكذلك الشركات الإسرائيلية التي تتاجر في الخارج، أقل من أداء الدول الأخرى”.
ورغم هذه التحديات، أظهرت إسرائيل مرونة مع بدء ظهور علامات الانتعاش بحلول نهاية عام 2023.
أموال إضافية لفاتورة الدفاع
واستجابة لحالة الحرب الدائرة وأضرارها الاقتصادية، وافقت الحكومة الإسرائيلية على ميزانية منقحة، وخصصت أموالا إضافية للإنفاق الدفاعي.
وتحدد الميزانية المعدلة عجزا بنسبة 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، مقارنة بمستوى ما قبل الحرب البالغ 2.25%، وارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 60.5% إلى 61.9% هذا العام.
وشدد المحافظ يارون على أهمية الإدارة المالية الحكيمة، داعيا إلى إجراء تقييم شامل لاحتياجات ميزانية الدفاع، وأضاف أن “إسرائيل تعتزم إضافة نحو 20 مليار شيكل (5.4 مليارات دولار) للإنفاق الدفاعي سنويا”، منوها إلى ضخامة حجم الزيادات المقترحة.
وشدد يارون على أنه “إذا كانت هناك زيادات إضافية في ميزانية الدفاع، فيجب أن تكون مصحوبة بتعديلات مالية لمنع زيادة دائمة في نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي على الأقل”.
وأشار إلى ضرورة تشكيل لجنة لتحديد حجم ميزانية الدفاع، وقال يارون: “يجب أن تحدد احتياجات إسرائيل الدفاعية في السنوات المقبلة، وصياغة برنامج ميزانية مناسب متعدد السنوات يأخذ في الاعتبار جميع التداعيات على الاقتصاد”.
وفي معالجة التحولات الديموغرافية، سلّط بنك إسرائيل الضوء على الأهمية المتزايدة لدمج السكان اليهود المتشددين في القوى العاملة. وقال يارون “إن دمج السكان الحريديم في سوق العمل أمر مهم”، مؤكدا على الفوائد الاقتصادية المحتملة.
وحذر المحافظ يارون من أن الفشل في القيام بذلك قد يستلزم زيادة كبيرة في الضرائب المباشرة، مما يزيد الضغط على النمو الاقتصادي والرفاهية الفردية.
وبالنظر إلى المستقبل، تواجه إسرائيل عملية توازن دقيقة، في حين تواجه التحديات المزدوجة، المتمثلة في الضغوط الاقتصادية الناجمة عن الصراع والعوائق البنيوية التي تعوق النمو.
الإصلاح القضائي يزيد الأمر تعقيدا
وتمتد التحديات الاقتصادية التي تواجهها إسرائيل إلى ما هو أبعد من التأثير المباشر للحرب، وسلط التقرير الضوء أيضا على التغييرات الهيكلية المصاحبة لأزمة الإصلاح القضائي، باعتبارها أحداثا محلية مهمة تؤثر على الاقتصاد، وقد أدت هذه التغييرات إلى تقلبات في الأسواق المالية، وحالة من عدم اليقين لدى المستثمرين، مما زاد تعقيد المشهد الاقتصادي في إسرائيل.
ويتصارع الاقتصاد الإسرائيلي مع التأثيرات المتعددة الأوجه للصراع الطويل والتحديات الهيكلية.
وبعد اندلاع الحرب اقترضت إسرائيل نحو 81 مليار شيكل (22.3 مليار دولار)، مما رفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 62%، وهو أعلى مستوى لها منذ نحو 8 سنوات.