يسعى مهندسو وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” إلى الاستفادة من حدوث الكسوف في الثامن من أبريل/نيسان الجاري، والذي سيكون كسوفا كليّا للشمس يغطي مساحات كبيرة من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك وإطلاق صواريخ مباشرة في ظل القمر لحظة الكسوف.
وتخدم عمليات الإطلاق هذه عدّة أغراض علمية بالغة الأهمية، منها فهم كيفية تأثير الانخفاض المفاجئ في ضوء الشمس على الغلاف الجوّي للأرض؛ إذ يؤدي الانتقال السريع من النهار إلى الليل إلى انخفاض كبير في درجات الحرارة، وأيضا دراسة تأثير الكسوف على الغلاف الأيوني (الأيونوسفير) الذي يُعد الحد الفاصل بين الغلاف الجوّي العلوي والسفلي للأرض، ولا يزال مبهما في العديد من التفاصيل.
ويتأثر الغلاف الأيوني (يقع على ارتفاع بين 90 و500 كيلومتر فوق سطح البحر) بانتظام بالأشعة الشمسية فوق البنفسجية، فيحدث تفاعل معيّن يدفع الإلكترونات إلى التحرر من الذرّات، وينشأ عن ذلك مجموعة هائلة من الجزيئات المشحونة كهربائيا والتي تعمل هي الأخرى على توسيع الغلاف الجوّي العلوي للأرض.
ويشير أستاذ الهندسة والفيزياء في جامعة “إمبري ريدل” للطيران “أروه بارغاتيا” في دراسة أجريت عام 2023، إلى تشبيهٍ يقارن فيه طبقة “الأيونوسفير” ببركة ماء مستقرّة، وأنّ الكسوف أشبه بالزورق يسير وسط هذه البركة.
وبينما يسير الزورق في الماء يترك أثرا خلفه واضطرابات، وهذا ما يحدث تماما عند ظلّ القمر على الغلاف الجوّي للأرض مع نشاط الأيونات والجسيمات المشحونة، وبسبب هذه الاضطرابات تحدث بعض التقلّبات المؤقتة التي تعود إلى الاستقرار عندما يتوقف الزورق عن الحركة، أو عندما ينتهي الكسوف.
وعليه فإنّ علماء وكالة ناسا يبذلون قصارى جهدهم لجمع كافة البيانات الممكنة التي تتعلّق بتلك الاضطرابات في طبقة “الأيونوسفير”، والتي يمكن أن تتسبب بتعطيل العديد من الأقمار الصناعية والاتصالات اللاسلكية.
وسيُجري “بارغاتيا” وزملاؤه عمليات إطلاق الصواريخ الخاصة باضطرابات الغلاف الجوّي حول مسار الكسوف (إيه بي إي بي) من منشأة “والبوس” للطيران التابعة لناسا في جزيرة “والبوس” الأميركية. وبالرغم من أنّ الكسوف سيحجب فقط 81.4% من ضوء الشمس من فوق تلك المنشأة، يأمل الفريق في الحصول على أفضل الأرقام والبيانات الممكنة.
وتعد مساعي هذه التجربة استكمالا لتجربة مماثلة أجريت خلال كسوف جزئي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ حُجِب حينها ما يصل إلى 90% من ضوء الشمس، وأكدت النتائج في ذلك الحين إمكانية تأثير الكسوف في أنظمة الاتصالات بشكل ملحوظ.
وستُحلّق الصواريخ الفضائية في ثلاثة أوقات مختلفة: أحدها قبل الكسوف بـ45 دقيقة، والثاني أثناء الكسوف، والأخير سيُطلق بعد 45 دقيقة من وصول الكسوف ذروته. وتعتبر هذه الفواصل الزمنية مهمة لجمع البيانات بشأن كيفية تأثير الاختفاء المفاجئ للشمس على الغلاف الأيوني.
وما يزيد الأمر أهمية أنّ مثل هذا الكسوف لن يحدث في سماء هذه المنطقة حتى عام 2044، وهذا ما يحث العلماء على انتهاز الفرصة على أكمل وجه.