يعلّق الصيادون المحليون في السنغال آمالهم على حكومة الرئيس الجديد باسيرو ديوماي فاي لتحسين أوضاعهم، بعد سنوات طويلة من المصاعب التي لازمتهم جراء انخفاض حجم الثروة السمكية، التي يتسبب بها الصيد غير القانوني من قِبل سفن الأجنبية.
ويشكو الصيادون من غياب المساواة الاجتماعية، حيث يجدون أنفسهم يواجهون تحديات كبيرة في ظل الفقر والمعيشة المتردية، بينما يرى البعض منهم الثروة والرفاهية تتجلى في المنازل الفاخرة التي تقع على شاطئ البحر، والتي يسكنها أثرياء السنغال.
وفي لقاء مع الجزيرة، عبّر آداما غوييه، البالغ من العمر 58 عاما، وقبطان زورق صيد تقليدي، عن انزعاجه إزاء غياب المساواة الاجتماعية التي تعاني منها فئة الصيادين في السنغال.
بالنسبة له، يعمّق انخفاض الثروة السمكية في الدولة، الواقعة غرب إفريقيا، انخفاض المداخيل، حيث يعتمد الصيادون على أساليب تقليدية تعود لقرون مضت، وباتت مهنتهم مهددة بالاندثار، فسفن الصيد الأجنبية تبتلع ثروة السنغال السمكية، وتصدّرها لما وراء حدود الدولة.
وعلى الرغم من التحديات التي يواجهونها، يرى آداما ورفاقه في الرئيس الجديد باسيرو ديوماي فاي أملا في تحسين أوضاعهم، ويتطلعون إلى أن يكون الرئيس الجديد قادرا على تحقيق التغيير والمساواة، ودعم الصيادين وتحسين ظروف عملهم ومعيشتهم.
انتخب ديوماي فاي، 44 عاما، الأسبوع الماضي، ليصبح أصغر رئيس في أفريقيا، بعد سنوات من الاضطرابات والأزمات السياسية التي هزت البلاد، وآخرها محاولة الرئيس السابق ماكي سال تأجيل الانتخابات حتى نهاية العام، قبل أن يرفض المجلس الدستوري قرار الرئيس بالتأجيل.
وينظر الصيادون السنغاليون إلى الرئيس الجديد بوصفه رمزا للتغيير، وهم الذين يشتكون من إهمال مزمن لقضيتهم، فهم يغرقون في الفقر دون القدرة على منافسة الشركات الأجنبية الكبيرة.
وقال غوييه “فاي يعرف ثمن كيلوغرام الأرز، فهو ينحدر من عائلة فقيرة، ولم ينتظم في مدارس خاصة خارج البلاد، إنه واحد منا”.
شركات الصيد الأجنبية
وعلى مدى السنوات الماضية، خلال عهد الرئيس سال، أدت العقود الموقعة بين الحكومة وشركات صيد أوروبية وصينية إلى خفض الثروة السمكية في السنغال، تاركة شباك الصيادين التقليديين فارغة.
كما أدى هذه الأمر إلى ارتفاع أسعار الأسماك محليا بحسب الصيادين، وهو ما أثر سلبا على تنوع النظام الغذائي للسنغاليين، الذين يعتمدون على المأكولات البحرية للحصول على حوالي 40% من البروتين الحيواني، وفقا لإحصائيات عام 2017.
وتمثل صادرات السنغال من الأسماك قرابة 10% من مجمل صادرات البلاد، وتأتي في المرتبة الرابعة بعد الفوسفات والنفط والذهب، وتدر على الدولة إيرادات قُدّرت عام 2018 بأكثر من 490 مليون دولار، بحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو).
لكن السنغال تخسر قرابة 272 مليون دولار سنويا بسبب الصيد الصناعي غير القانوني من قِبل سفن أجنبية، وفقا لمعهد الدراسات الأمنية.
ويحدد القانون السنغالي مناطق بحرية بحدود واضحة، يُسمح فيها للسفن الأجنبية بالصيد، وتلتزم الدولة بإصدار لوائح صارمة حول نوع الأسماك التي يُسمح بصيدها، من قِبل الشركات الأجنبية المتعاقدة مع الحكومة.
لكن سفن الصيد في أحيان كثيرة توقف أجهزة الإرسال والاستقبال عبر الأقمار الصناعية عمدا، لتجنب تعقبها من قِبل السلطات السنغالية، وتستخدم شباكا لا تستوفي المعايير القانونية.
وتساهم صناعة صيد الأسماك بنحو 1.8% في الناتج المحلي الإجمالي للسنغال، وتوفر أكثر من 600 ألف وظيفة، وفقا لمؤسسة العدالة البيئية، لكن الأرقام الحقيقية قد تكون أكثر من ذلك.
تراجع الثروة السمكية
تراجع الثروة السمكية بات تهديدا حقيقيا لمصدر عيش عائلات تعتمد على الصيد بشكل مباشر أو غير مباشر في حياتها.
وهذا ما يدفع أعدادا متزايدة من الصيادين إلى الهجرة غير النظامية عبر المحيط الأطلسي، وتحولت قوارب الصيد من مصدر للدخل إلى وسيلة لعبور المحيط باتجاه جزر الكناري الإسبانية.
وفي عام 2023، سجلت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وصول أكثر من 15 ألف وافد إلى إسبانيا، والآن، يريد الرئيس المنتخب إحداث تغيير في مصير الصيادين.
ميثاق للصيد المستدام
وأدرج باسيرو ديوماي فاي في برنامجه الانتخابي، بداية مارس/آذار الماضي، توسيع منطقة الصيد الخاصة بالصيادين التقليديين، لتصل لنحو 20 كيلومترا، أي 12.4 ميلا بحريا، لحماية الصيادين المحليين من سفن الصيد الأجنبية.
كما أعلن نيته تطوير وتنفيذ خطة وطنية لتوسيع مساحة الشعاب المرجانية الاصطناعية وتحسين إدارتها، في محاولة لوقف تدهور النظام البيئي وإعادة بنائه، بعد سنوات من الضرر الذي لحق به بسبب ممارسات الصيد الصناعي.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن ديوماي فاي قوله “سنطبّق بكل صرامة ودون أن تنازل عن أي من معايير لوائح الصيد البحري، لوضع حد للإدارة السياسية للقطاع”.
وقبل التصويت، وقّع ديوماي فاي أيضا على ميثاق للصيد المستدام، إلى جانب مرشحين آخرين. والميثاق اقترحه الائتلاف الوطني السنغالي للصيد المستدام بدعم من منظمة غرينبيس خلال الحملات الانتخابية.
ويتضمن الميثاق الالتزام بالإشراف على إدارة المخزون السمكي على المستوى الوطني، ومراجعة بنود اتفاقية الصيد الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، وتخصيص جزء من إيرادات قطاعي النفط والغاز لقطاع صيد الأسماك.
اتفاقية الصيد
وفي ظل حكومة سال، جددت السنغال اتفاقية الصيد التي وُقّعت عام 1979 مع الاتحاد الأوروبي، وخضعت للتمديد المستمر كل 5 سنوات.
وتمنح الاتفاقية السفن الأوروبية الحق في الصيد في المياه السنغالية، وتصدير المحصول إلى أوروبا مقابل 800 ألف يورو، أي قرابة 863 ألف دولار، وتنص بنود الاتفاقية أيضا على أن يستثمر الاتحاد الأوروبي 900 ألف يورو في قطاع الصيد التقليدي، لتحسين قدرات القطاع، وجمع البيانات، وإصدار الشهادات الصحية لمنتجات المأكولات البحرية.
ولطالما أثارت الصفقة الجدل حول بنودها، إذ إنها لا تتضمن بندا يجبر الاتحاد الأوروبي على التصريح بكمية الأسماك التي يتم اصطيادها وتصديرها، بخلاف اتفاقيات موقعة مع دول أخرى.
وبالنسبة للصيادين التقليديين مثل غوييه، فإن إدراج بند استثمار في تطوير الصيد التقليدي يصبح دون قيمة، إن لم يتمكن الصيادون السنغاليون من ممارسة مهنتهم.
كما أن الحكومات السابقة لم تتوانَ عن منح تراخيص لشركات تمارس أنشطة غير قانونية، ومنها شركات إسبانية وصينية وتركية.
وفي عام 2022، رفع صيادون محليون دعوى قضائية ضد مصنع تملكه شركة إسبانية في السنغال، بتهمة تلويث مياه الشرب، وينتج المصنع أعلافا للأسماك، عبر تقنية طحن الأسماك التي يتم صيدها وتصنيعها علفا، وتستورده الصين وتستخدمه في مزارع أسماك صناعية.
وخلال ولايته، ركز سال على جذب الاستثمارات الأجنبية لدعم مسار التنمية، لكنه تعرض لانتقادات شديدة من قِبل المعارضة، بقيادة ديوماي فاي وحليفه عثمان سونكو، بسبب طبيعة الصفقات التي لم تحرص على حماية مصالح السنغاليين، ولم تحقق عوائد مرجوة داخليا، بل أعطت امتيازات لشركات وتكتلات استغلت موارد البلاد الطبيعية.
ويعتقد ديوماي فاي أن هذه الصفقات، التي أدارتها الحكومات السابقة، قد أضرت بالاقتصاد المحلي، ولهذا تضمّنت حملته الانتخابية وعودا بإعادة التفاوض على عقود استثمار المياه السنغالية في الصيد من قِبل شركات أجنبية، وتوسيع مساحات الصيد بالنسبة للصيادين المحليين.
وقال غوييه للجزيرة “وقّع الاتحاد الأوروبي اتفاقية مع السنغال لسرقة مواردنا، ولهذا السبب يذهب الناس إلى أوروبا”، في إشارة منه إلى آلاف الصيادين المحليين الذين يهاجرون بحرا على متن قوارب صغيرة إلى أوروبا.
وأضاف: “آمل أن يصحح ديوماي فاي الوضع القائم”.
ويرى غوييه أن الرئيس الجديد يحتاج إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الصيد غير القانوني، وتنظيم عمل الصيادين الصناعيين والتقليديين، وختم بالقول “نأمل أن يعمل الرئيس لصالحنا”.
غياب الشفافية
على شاطئ أواكام، التقينا موسى غوييه، الذي ورث مهنة الصيد عن عائلته وهو يحمل اسم العائلة نفسها مع آداما لكنهما لا يتشاركان صلة قرابة، وشرح لنا موسى، 30 عاما، أنه خلال جائحة كورونا كانت الأسماك وفيرة، وساهمت قيود الاختلاط بالحد من عمل سفن الصيد الصناعية.
أما مصطفى سنغور، منسق مجلس صيد الأسماك الحرفي المحلي في مبور، فيرى في مقابلة مع الجزيرة أن الرئيس سال “بذل جهودا لمعالجة قضايا الصيد لكنها لم تكن كافية”.
وقال سنغور، الذي يعيش في مدينة مبور الواقعة على الساحل الجنوبي للسنغال، “إن إدارة قطاع الصيد في السنغال يعاني من غياب الشفافية”، وشدد على الحاجة إلى إتاحة بيانات السفن العاملة في المياه السنغالية حول كمية الصيد ونوعية الأسماك التي يسمح بصيدها، إضافة لضرورة تحديد مواقع الصيد المسموح بها.
الصيد والهجرة
وتتداخل مشاكل الصيادين مع الهجرة في السنغال، حيث أفاد سنغور خلال المقابلة “إن معظم الصيادين يتطلعون للوصول إلى جزر الكناري، ثم العبور إلى أوروبا، فهم يعيشون حالة من القلق الدائم مع الانخفاض المستمر في مداخيلهم بسبب الصيد الصناعي، وأتت اكتشافات النفط في حقول قبالة الشواطئ لتعمّق أزمتهم، وبات عليهم العمل في محيط منصات استخراج النفط”.
وفي عام 2014، اكتشفت احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي في البحر قبالة مدينة سانت لويس السنغالية، ورسا الاستثمار على شركتي بريتيش بتروليوم البريطانية وكوموس إينرجي الأميركية في المشروع، مع حصة للحكومة السنغالية.
وبعد الإعلان عن المشروع، تدفق سياسيون أوروبيون على السنغال يخطبون ود الرئيس السابق مكي سال لتوقيع صفقات تصدير محتملة.
وقدرت الحكومة أن يرفد استخراج الغاز خزينة الدولة بنحو 1.5 مليار دولار بحلول عام 2025، وحددت الحكومة بداية العام الحالي جدولا زمنيا لبدء استخراج الغاز، لكن المشروع يواجه تأخيرا في الإنتاج، في حين يتوقع أن يبدأ تصدير النفط من الحقول البحرية في غضون بضع سنوات.
وفي السياق ذاته، اشتكى الصيادون في سان لوي من تأثير منصة النفط والغاز التي تعيق أنشطتهم، وتؤثر سلبا على سلامة واحدة من أكبر الشعاب المرجانية في العالم.
وقال باسيرو ديارا -مهندس مصائد الأسماك وتربية الأحياء المائية والباحث في جامعة الشيخ أنتا ديوب في داكار والناشط في مؤسسة العدالة البيئية- للجزيرة إن هناك حاجة للاستثمار في البحث العلمي أيضا.
ويقترح إنشاء مركز لأبحاث المحيطات، ليكون من اختصاصه رصد مخزون الأسماك، والإبلاغ عن الكمية التي يمكن صيدها، وتتيح استدامة الموارد، مع رصد تلوث الحفارات وأثرها على التنوع البيولوجي في المنطقة.
وقال ديارا إن اتفاقيات الصيد الحالية مع السنغال من بقايا الماضي الاستعماري لبلاده.
وأضاف سنغور “ركزت سياسات ماكي سال على عقود لتصدير الثروة السمكية”، وأكمل “سيكون على ديوماي فاي مساعدة السنغاليين على إنتاج واستهلاك الأسماك من شواطئهم بدلا من تصديرها للخارج”.
وفي حين تغرب الشمس في الأفق البعيد، يختم غوييه مقابلته بالقول “لقد استيقظ مجتمعنا من غفوة سياسية طويلة، وسيكون على ديوماي فاي أداء واجبه بشكل جيد تجاه شعبه، وإلا فلن يستمر في الحكم إلا لولاية واحدة”.