بعد عرض حلقاته الخمس الأولى، نجح المسلسل المصري “مليحة” في تصدر محركات البحث وقوائم “الترند” على منصة “إكس” في العديد من الدول العربية، وحتى في إسرائيل.
ولفت العمل الأنظار بمجرد طرح إعلانه التشويقي والإشارة إلى أن المسلسل يُسلط الضوء على القضية الفلسطينية، ويستعرض مواد أرشيفية موثقة، فشنّت وسائل إعلام إسرائيلية هجوما مسبقا على “مليحة” وبثت مقاطع لمؤلفته رشا الجزار تؤيد خلالها القضية.
وجرى الإعلان عن إنتاج مسلسل “مليحة” استعدادا لطرحه في رمضان 2024 بعد فترة وجيزة من انطلاق عملية “طوفان الأقصى” واندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة المستمرة حتى اللحظة، مما لاقى ترحيبا لدى شريحة واسعة من الجمهور الذين وجدوا فيه ضرورة مُلّحة لتعريف الأجيال الشابة بالقضية الفلسطينية وأصلها التاريخي وحيثياتها.
القصه القصيره اللي ف اول مسلسل مليحه عن بدايه الاحتلال، بقالي كتير مشوفتش حاجه عظيمه كده ❤️👏👏👏pic.twitter.com/9LsWJnsxX8
— Omar Safwat abdelhaleem ♠️ (@omarsafwat662) March 28, 2024
قصة أصحاب الأرض
ويُعتبر مسلسل “مليحة” أول عمل درامي مصري يناقش القضية الفلسطينية بشكل مباشر، إذ تتمحور أحداثه حول الشابة الفلسطينية مليحة (سيرين خاس) التي اضطرت لترك بيتها في فلسطين بصحبة جديها ووالديها بعد أن دمر الاحتلال الإسرائيلي منازلهم في “انتفاضة الأقصى” عام 2000، وعاشوا لسنوات في ليبيا، بينما كانوا يحلمون بالعودة إلى وطنهم.
وبعد اندلاع الثورة الليبية في 2011، تضطر العائلة للنزوح مجددا إلى الحدود المصرية-الليبية، ومنها إلى مصر في 2012، لكنهم يفقدون أوراقهم الثبوتية، لتبدأ مليكة رحلة شاقة للحصول على مستندات بديلة من أجل العودة إلى غزة.
تتعرف مليحة إلى أدهم (دياب) الضابط بحرس الحدود المصرية، والذي يسعى لمساعدتها والتصدي بالوقت نفسه لإسرائيل لتتوالى الأحداث.
إشادة بالمادة الأرشيفية
بالنظر إلى فنيات العمل، يظل أفضل ما جاء به هو أغنية “أصحاب الأرض” التي غنتها الفنانة السورية أصالة مصحوبة بالترويدة الفلسطينية ومشاهد فنية بديعة، والأهم “الآفان تتر” وهو مشهد يسبق الحلقات، ويتضمن حوارا بين جد وحفيده، يقص فيه الأول على مسامع الثاني قصصا من التاريخ المصري والفلسطيني يُصاحبها على الشاشة العديد من الصور والفيديوهات الوثائقية التي استعرضت الكثير من الأحداث المهمة.
من بين ما ظهر في “الآفان تتر”، مشاهد لتهجير الفلسطينيين من أوطانهم، وإعلان تأسيس الكيان الصهيوني رسميا، ومحاولة إسرائيل استغلال بدو سيناء وتحريضهم على بلدهم مصر، ومحاولات إعادة لم الشمل العربي بعد نكسة 1967، والخطاب الشهير الذي ألقاه الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أمام الأمم المتحدة، إلى جانب لقطات من إغراق المدمرة إيلات، وبناء السد العالي، وجنازة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وأحداث أخرى.
ورغم أهمية المادة التاريخية واعتماد مصداقية العمل عليها، فقد وقع صانعو المسلسل في خطأ لا داعي له، حين استخدموا صورة الرئيس الأميركي السابق ثيودور روزفلت عوضا عن صورة ثيودور هرتزل الزعيم الصهيوني بمقدمة الحلقة الأولى.
لكن هذا لم يُضعف موقف “مليحة” لدى الكثير من رواد شبكات التواصل الاجتماعي، ممن أشادوا بعد كل حلقة بتقديم عمل فني مصري يرصد ويوثّق التاريخ الفلسطيني على مر العصور.
أما على مستوى السرد الدرامي، فلم يأت الجزء المتعلق بأسرة ميرفت أمين المصرية مشوقا، وظهر أداء الأبطال متواضعا دون أي أبعاد شخصية، وحتى الشخصية التي يقدمها دياب في أول بطولة مطلقة له ظهرت سطحية ومكررة حيث الضابط البار بأهله الذي يُسارع لعمل الخير ويُحبه الجميع، ولم تتح له الفرصة حتى الآن لاستعراض قدراته التمثيلية التي ظهرت العام الماضي بمسلسل “تحت الوصاية” أو هذا العام بمسلسل “المداح”.
بينما جاءت قصة الأسرة الفلسطينية متخمة بالمواقف الميلودرامية حيثما حلّوا.
وعلى مستوى الإخراج بدا العمل أشبه بأجواء مسلسلات التسعينيات وإمكانياتها المحدودة خاصة المتعلقة بالمؤثرات البصرية والعملية الإرهابية والتفجيرات، وهو ما أشار إليه النقاد بالسلب خاصة مع تقدم التقنيات الحديثة بالوقت الراهن.
ويبدو جليا أن صانعي “مليحة” حرصوا على تقديم عمل ملحمي مهم يُشارك في تأسيس وجدان الأجيال القادمة، وهو ما نجحوا في تحقيقه بالأجزاء التاريخية حسب الكثير من المتابعين، ولكن لم يكتب لهم النجاح بالجانب الدرامي، ربما لأن العمل لم يحظ بالوقت الكافي للكتابة الجيدة والميزانية الضخمة التي تستلزمها أعمال كتلك، أو لعله كان من الأفضل لو انتمى لفئة مسلسلات الـ30 حلقة لفرد مساحات وخطوط درامية أكثر وأعمق.
مسلسل “مليحة” من تأليف رشا عزت الجزار وإخراج عمرو عرفة، وبطولة عربية مشتركة شارك بها من مصر كل من دياب، وميرفت أمين، وأشرف زكي، وأمير المصري، وعلي الطيب، وحنان سليمان، ومن فلسطين سيرين خاس ورحاب الشناط، ومن لبنان ديانا رحمة، ومن الأردن أنور خليل، ومروان عايش، ومن تونس مريم الفرجاني.