عند دخول منزل السيدة جانيت رزق في إحدى بلدات جنوب لبنان، تطغى رائحة حلوى المعمول الشهية على كل الروائح الأخرى.
فمنذ سنوات طويلة، تقوم هذه المواطنة على غرار كثيرات من نساء لبنان بتحضير المعمول في منزلها مع عائلتها الخميس الذي يسبق أحد عيد الفصح وهو نفسه “عيد القيامة” ويرمز عند المسيحيين إلى عودة المسيح أو قيامته بعد صلبه، وفقا للمعتقد المسيحي.
عادات مسيحية متوارثة
ولعيد الفصح عادات وتقاليد متوارثة لدى المسيحيين في لبنان، مثل تحضير المعمول وسلق البيض وتلوينه.
وعادت السيدة اللبنانية لتقول “هذه العادة ورثتها عن أهلي، حتى أن المواد والمقادير والمكونات المختارة في صنع المعمول وطريقة التحضير التي كانت تعدها أمي ما أزال ألتزم بها”.
وأضافت أن تحضير المعمول في المنزل عوضا عن شرائه من المتاجر يعتبر “بركة” خصوصا مع رائحته الشهية التي تملأ المنزل وحتى المبنى الذي تقطن فيه، مشيرة إلى أن المعمول “رمز الفصح وخلاص الإنسان وتجدد الحياة”.
وبالإضافة إلى إعداد المعمول، يقوم المسيحيون بسلق البيض وتلوينه في عيد الفصح، وفق رزق التي تؤمن أنه “يرمز إلى تجدد الحياة مع ولادة مخلوق جديد”.
وذكرت أن “الفصح عبارة عن ولادة جديدة للإنسان مع آلام المسيح وعيش حياة أفضل” لافتة إلى أن الأجواء تكون فرحة وتجتمع العائلات للاحتفال بالعيد معا.
ولا تختلف الرائحة الرائعة بين منزل رزق ومنزل فاديا أبي خليل التي تعد المعمول لعائلتها وتبيعه لأهالي منطقتها لكسب المال وسط الظروف المعيشية الصعبة.
وذكرت أبي خليل أنها ورثت هذه العادة من والدتها التي كانت تعد المعمول وكعك العيد، مشيرة إلى أن المعمول هو رمز الفصح.
وللمعمول أنواع عدة منها المحشو بالتمر أو الفستق الحلبي أو الجوز، بحسب أبي خليل التي لفتت إلى أن أبرز مكوناته هي السمن والزبدة والمحلب والسكر والحليب وماء الزهر وماء الورد.
تحديات اقتصادية
في المقابل، هناك تحديات عدة تواجه أبي خليل اليوم، منها عدم توفر كل ما تحتاجه من مكونات في السوق “فلا أجد أحد المكونات وهي السمنة الأصلية المخصصة للمعمول، وأسعار المواد باتت مرتفعة جدا”.
من جانبها، أشارت رزق إلى أنها وأسرتها ينتظرون هذا العيد من سنة لأخرى رغم الأوضاع الاقتصادية والأمنية بالجنوب “ونتمسك بالحفاظ على العادات التي تحصل مرة في السنة، لكن البعض وبسبب الأسعار المرتفعة قد يقلل الكميات المعدة أو يشتري مكونات سعرها أقل من غيرها لكن الأهم عدم قطع هذه البركة من المنزل”.
ويضاف إلى الأزمة الاقتصادية -التي بدأت في لبنان منذ نحو 4 سنوات- مشاكل أمنية عند الحدود مع إسرائيل منذ 8 أكتوبر/تشرين أول التي تشهد تبادلا لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي من جهة و”حزب الله” وفصائل فلسطينية من جهة أخرى.
إصرار وشغف
ورغم كلّ التحديات، لم تستسلم أبي خليل للصعوبات التي تشهدها بلادها، مشددة على أنها “تحدّت الأوضاع وقررت إعداد المعمول في المنزل هذا العام”.
واختتمت بالقول “للمعمول سحر خاص فهو بركة المنزل، حتى أنني لا أشعر بالتعب خلال إعداده، فلم أنم منذ 24 ساعة ولا أشعر بالتعب بل بالشجاعة والفرحة”.