عبر البر والجو والبحر، تسارع دول للمساهمة في إيصال المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر، حيث يعيش أكثر من 2.3 مليون نسمة من السكان ظروفا قاسية بسبب الحرب الإسرائيلية العنيفة، وأصبح غالبيتهم على شفا الجوع، حيث تشدد إسرائيل إجراءات دخول الغذاء للمدنيين.
وفي ظل التشديد الإسرائيلي على دخول المساعدات عبر البر تحاول دول توصيل المساعدات عبر الجو والبحر.
دييغو إيبارا سانشيز، مصور صحفي في نيويورك تايمز، رصد عبر عدسته إيصال طائرة تابعة لسلاح الجو الأردني المساعدات إلى شمال غزة، وهي منطقة أصبحت بلا منافذ برية تدخل عبرها الشاحنات، فيما تبقى هناك صعوبات كبيرة في توصيل المساعدات القادمة من جنوب القطاع إلى شماله بسبب المعارك التي تدور في عدة مناطق.
وفي طائرة سلاح الجو الملكي الأردني الضخمة وهي تحلق فوق غزة، انخفضت البوابة الخلفية الضخمة مثل “فك حديدي متصلب، لتكشف سماء زرقاء ضبابية، وفي الأسفل منظر طبيعي مدمر لشمال القطاع”.
ومن على طائرة الشحن التي تشبه الكهف بداخلها، تصطف المساعدات التي يتم تسليمها في حزم صنادق مكدسة فوق منصات خشبية، كل واحدة منها مغلفة ومربوطة بحبال متينة، وعليها صورة العلم الأردني.
وبعدما يفتح باب الطائرة بالكامل، تنزل حزم المساعدات لتختفي وتطفو المظلات في السماء، حتى تصل إلى مكانها وتحط على الأرض لتقدم “للسكان اليائسين”، وفق تقرير الصحيفة.
ويشير الصحفي إلى أنه “على الأرجح هذه المساعدات غير كافية”.
وينفذ سلاح الجو الأردني عمليات جوية لإنزال مساعدات في غزة بالتعاون مع دول عربية واجنبية بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا.
ومنذ أسابيع تدق المنظمات الإنسانية ناقوس الخطر بشأن مجاعة تلوح في الأفق في شمال غزة، وانتشار الجوع في جميع أنحاء القطاع، فيما تخفف الإنزالات الجوية من وطأة الاحتياجات المتنامية للفلسطينيين في القطاع بحسب الصحيفة.
وتفرض إسرائيل على قطاع غزة حصارا مطبقا، وتتهمها منظمات غير حكومية والأمم المتحدة بعدم توفير التسهيلات الكافية لتوصيل مساعدات إنسانية يعتمد عليها غالبية سكان غزة البالغ عددهم الإجمالي نحو 2.4 مليون نسمة لا يزالون يعيشون في القطاع ويحتشدون بشكل كبير في جنوبه، وحول مدينة رفح بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.
وفي بيان إلى وسائل الإعلام، مؤخرا أكدت الممثلية الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة في جنيف أن “إسرائيل تفعل كل ما في وسعها لإغراق غزة بالمساعدات، عن طريق البر والجو والبحر”.
أدى هجوم 7 أكتوبر الذي شنته حركة حماس إلى مقتل أكثر من 1160 شخصا في الجانب الإسرائيلي، معظمهم من المدنيين بحسب تعداد لوكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية إسرائيلية. وتم احتجاز 250 شخصا رهائن ونقلوا إلى غزة.
قصف إسرائيلي على غزة.. ومأساة جديدة أثناء توزيع مساعدات
قتل عشرات الفلسطينيين في الغارات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة الذي دمرته الحرب، حيث وقعت مأساة جديدة، السبت، أثناء توزيع الغذاء على السكان الذين يعانون من الجوع، وأسفرت عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل.
وأدت الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة ردا على الهجوم إلى مقتل أكثر من 32705 أشخاص حتى الآن، غالبيتهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة التابعة لحركة حماس.
الجوع في غزة.. 200 وفاة يوميا متوقعة
وتحذر وكالات متخصصة في غزة من أن نصف سكان قطاع غزة يعانون جوعا كارثيا، بينما يتوقع أن تضرب المجاعة شمال القطاع “في أي وقت” في الفترة الممتدة حتى مايو في غياب أي تدخل عاجل للحؤول دون ذلك.
ويعرف التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المجاعة بأنها “مواجهة السكان سوء تغذية على نطاق واسع وحدوث وفيات مرتبطة بالجوع بسبب عدم الوصول إلى الغذاء”.
ويواجه أكثر من 1.1 مليون فلسطيني من سكان غزة “انعداما كارثيا للأمن الغذائي” يقترب من المجاعة وهو “هو أمر غير مسبوق”، وفق تقرير “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” الذي في منتصف مارس.
ووجد التقرير أن نقص المساعدات يعني أن جميع الأسر في غزة تقريبا لا تتناول كل الوجبات يوميا ويقلل البالغون من وجباتهم حتى يتمكن أطفالهم من تناول الطعام.
وأكد أن الوضع مأساوي جدا في شمال غزة حيث “أمضى ما يقرب من ثلثي الأسر أياما وليالي كاملة بدون طعام عشر مرات على الأقل خلال الثلاثين يوما الماضية”.
وحذر الناطق باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” ينس لايركه من أنه إذا لم يتغير شيء “سيموت أكثر من 200 شخص من الجوع كل يوم” في المستقبل.
الناطقة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس قالت في تصريحات مؤخرا إن “هذا الوضع هو نتيجة عمل بشري” مؤكدة أن إسرائيل “ترفض في كثير من الأحيان” دخول بعثات من منظمة الصحة العالمية إلى غزة.
وأضافت “أخبرنا أفراد الطواقم الطبية بأنهم بدأوا يلاحظون آثار المجاعة بشكل أكثر وضوحا”، مشيرة إلى أن منظمة الصحة العالمية أنشأت “مركزا لتحقيق الاستقرار الغذائي” في جنوب غزة وأعربت عن أملها في أن تتمكّن من القيام بالأمر نفسه في الشمال.
قال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية لرويترز، الجمعة، إن “من المحتمل تماما وجود مجاعة في بعض المناطق في شمال غزة”، وإن ندرة الشاحنات تمثل عقبة أمام إدخال مزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع المكتظ بالسكان.
وتحذر الأمم المتحدة من أن قطاع غزة يواجه مجاعة وشيكة وتشكو المنظمة من وجود “عقبات هائلة” أمام إدخال المساعدات وتوزيعها في أنحاء القطاع. وأقر مسؤولون أميركيون بأن القطاع “يواجه كارثة إنسانية”، لكن المسؤول الأميركي قال لرويترز، الجمعة، إن “المجاعة ربما تكون موجودة بالفعل”.
وأضاف المسؤول الكبير الذي اشترط عدم الكشف عن هويته “يمكننا القول بثقة إن المجاعة تشكل خطرا كبيرا في الجنوب والوسط لكنها غير موجودة، غير أنها في الشمال تشكل خطرا ومن المحتمل تماما أن تكون موجودة في بعض المناطق على الأقل”.
هل تكفي المساعدات؟
وتقول وكالات الإغاثة ومسؤولو الأمم المتحدة إن غزة تحتاج حاليا لتلبية الحد الأدنى من احتياجاتها إلى ما بين 500 و600 شاحنة يوميا بما يشمل المساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية التي كانت تصل القطاع قبل الحرب. ويعادل هذا الرقم أربعة أمثال عدد الشاحنات التي تدخل الآن.
وتتم بعض عمليات التسليم عن طريق الإنزال الجوي الدولي وعبر البحر، لكنها لا تعوض النقص في الدخول البري. وأظهر إحصاء أجرته رويترز استنادا إلى أرقام عسكرية إسرائيلية أن ما يعادل حمولة نحو 50 شاحنة تم إسقاطها جوا أو نقلها بحرا خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من مارس.
وتؤكد وكالات الإغاثة أن “الإنزال الجوي والممر البحري” لا يغنيان عن إدخال المساعدات عبر المعابر البرية للقطاع المحاصر بحسب فرانس برس.
وفي مؤشر إلى التدهور الكبير للوضع الإنساني، أفاد مسؤول في الهلال الأحمر الفلسطيني بمقتل خمسة أشخاص وإصابة العشرات جراء إطلاق نار وتدافع أثناء توزيع مساعدات السبت في قطاع غزة.
ووقع الحادث بحسب الهلال الأحمر بعدما تجمع آلاف الأشخاص بانتظار وصول حوالى 15 شاحنة من الطحين والمواد الغذائية الأخرى، والتي كان من المفترض تسليمها عند دوار الكويت بمدينة غزة في شمال القطاع.
وأفاد شهود عيان وكالة فرانس برس بأن أشخاصا كانوا يشرفون على توزيع المساعدات أطلقوا النار في الهواء، ما تسبب في إصابة عدة أشخاص، لكن دبابات إسرائيلية تتمركز على بعد مئات الأمتار أطلقت أيضا نيرانا “كثيفة”، كما صدمت بعض الشاحنات أفرادا كانوا يحاولون الحصول على مواد غذائية.
وفي اتصال مع وكالة فرانس برس، قال الجيش الإسرائيلي إنه “ليس على علم بالحادث”.
وقبل بضعة أيام، لقي 18 فلسطينيا حتفهم من بينهم 12 غرقا، فيما كانوا يحاولون الحصول على غذاء أنزل بمظلات إلى القطاع. وفي كل مرة، يحدث الأمر نفسه. على اليابسة، يراقب السكان الطرود التي ترمى من الجو ثم يندفعون عند هبوطها ما يتسبب بتدافع.
وفي 8 مارس، قتل خمسة أشخاص وأصيب عشرة آخرون جراء سقوط طرود مساعدات عليهم بعد أن ألقتها طائرات على مدينة غزة.
ويؤكد تقرير سابق لصحيفة وول ستريت جورنال أن إرسال المساعدات عبر الطائرات “مكلف وخطير ولا يكفي” لدرء المجاعة.
ويشرح التقرير أن طائرة الـ”سي 30″ التي تحمل المساعدات تنطلق من الأردن في رحلة مدتها ساعتين، وتكلف رحلتها التشغيلية حوالي 30 ألف دولار، حيث يتطلب وجود طاقم مكون من تسعة أفراد من ذوي الخبرة، لتحمل 3.2 طن من المواد الغذائية، والتي بالكاد تكفي لإطعام 4000 شخص.
وحتى الآن نادرا ما تصل الكميات التي يتم إدخالها عبر الجو إلى 17 طنا من المساعدات، وهو ما يمكن أن تحمله شاحنة واحدة فقط والتي يمكن أن تكون تكلفة إدخالها بأقل من عُشر التكلفة بحسب الصحيفة.
بسبب الكميات الضئيلة وطابعها العشوائي وخطورة إلقاءها جوا على المناطق ذات الكثافة السكانية العالية تتجه الولايات المتحدة إلى فتح ممر بحري بين قبرص وغزة وسُمح، منتصف مارس، بإبحار أول سفينة محملة بمئتي طن من المواد الغذائية.
ووفقا لمنظمة “أوبن آرمز” غير الحكومية الاسبانية مالكة السفينة، قامت السلطات الإسرائيلية بتفتيش الحمولة بشكل “شامل” في ميناء لارنكا القبرصي.
والسبت غادر أسطول صغير قبرص باتجاه غزة لنقل 400 طن من المساعدات الإنسانية، وهي كمية غير كافية في مواجهة الاحتياجات الهائلة وفقا لفرانس برس.
المعيقات الإسرائيلية
رأت الأمم المتحدة قبل نحو أسبوع أن القيود الصارمة جدا التي تفرضها إسرائيل على دخول المساعدات إلى قطاع غزة واحتمال أنها تستخدم التجويع كسلاح، “قد تشكل جريمة حرب”.
وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن إسرائيل تستخدم الجوع “سلاح حرب”. ويقول مسؤولو وكالات الإغاثة إن الإجراءات الإسرائيلية تبطئ تدفق الشاحنات التي تحمل إمدادات غذائية.
وتمتد طوابير الشاحنات التي تنتظر الدخول عبر المعبر البري في جنوب القطاع لمسافة ثلاثة كيلومترات على طول طريق صحراوي بحسب تقرير لوكالة رويترز.
وكانت الشاحنات مليئة بالمساعدات، ومعظمها مواد غذائية، لتوصيلها للقطاع الذي مزقته الحرب. وقال مسؤول في الهلال الأحمر المصري للوكالة منتصف مارس إن شاحنات مساعدات أخرى، حوالي 2400 شاحنة، ظلت متوقفة هذا الشهر في مدينة العريش المصرية على بعد حوالي 50 كيلومترا من غزة.
وهذه الشاحنات التي تقف بلا حراك محملة بالمواد الغذائية، وهي شريان الحياة الرئيسي لسكان غزة، في قلب الأزمة الإنسانية المتصاعدة التي تعصف بالقطاع.
ويرفض المسؤولون الإسرائيليون هذه الاتهامات ويقولون إنهم زادوا من عمليات توصيل المساعدات إلى غزة وإن إسرائيل ليست مسؤولة عن التأخير، وأضافوا أن تسليم المساعدات بمجرد دخولها إلى غزة يقع على عاتق الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية. واتهمت إسرائيل حماس أيضا بسرقة المساعدات.
واطلعت رويترز على إحصاءات الأمم المتحدة والجيش الإسرائيلي بشأن شحنات المساعدات، فضلا عن صور الأقمار الصناعية لمناطق المعابر الحدودية التي كشفت عن طوابير طويلة من الشاحنات.
وتخضع شحنات المساعدات لسلسلة من إجراءات التفتيش الإسرائيلية قبل دخولها غزة، وقد تمر شحنة من إحدى مراحل العملية لكن ربما تتعثر في الأخرى، وفقا لما ذكره 18 من عمال الإغاثة ومسؤولي الأمم المتحدة المشاركين في جهود الإغاثة.
وعند أحد المعابر من إسرائيل إلى غزة، يتم تنزيل البضائع مرتين من الشاحنات ثم يعاد تحميلها على شاحنات أخرى تنقل بعد ذلك المساعدات إلى مستودعات في غزة. وتنافس الدول في تقديم المساعدات قد يجعل عملية التسليم معقدة إذ تريد بعض الدول إعطاء الأولوية لمساهماتها.
ووفقا لأرقام الأمم المتحدة، كانت 200 شاحنة في المتوسط محملة بالمساعدات تدخل غزة يوميا قبل الحرب. وتدخل 300 شاحنة أخرى يوميا عبر إسرائيل محملة بواردات تجارية تشمل مواد غذائية وإمدادات زراعية ومواد صناعية.
لكن منذ بداية الحرب، تدخل نحو 100 شاحنة في المتوسط إلى غزة يوميا، وفقا لمراجعة لإحصاءات الأمم المتحدة وإحصائيات الجيش الإسرائيلي بشأن شحنات المساعدات.
وزاد عدد الشاحنات التي تدخل غزة في شهر مارس زيادة طفيفة ليبلغ 150 شاحنة يوميا في المتوسط.
رحلة المساعدات عبر البر
قبل أن تشرع بعض المساعدات في رحلتها إلى غزة يتم نقلها جوا إلى القاهرة أو شحنها بحرا إلى مدينة بورسعيد المتاخمة لشبه جزيرة سيناء المصرية على بعد نحو 150 كيلومترا غربي العريش. ومن هناك تُنقل بشاحنات إلى مدينة العريش على ساحل البحر المتوسط. كما يتم نقل بعض المساعدات جوا مباشرة إلى المدينة المصرية بحسب تقرير لوكالة رويترز.
وبمجرد وصولها إلى القاهرة أو العريش، تخضع لأول فحص لها. وتقدم الوكالات الدولية بيانا مفصلا بكل شحنة للجيش الإسرائيلي عبر الأمم المتحدة للتصريح بدخولها. ودأبت إسرائيل على منع دخول مواد “ذات استخدام مزدوج” تقول إنها يمكن أن تستخدمها حماس في صنع أسلحة.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لرويترز إن من بين 153 طلبا قدمت للسلطات الإسرائيلية للموافقة على دخول بضائع إلى غزة بين 11 يناير و15 مارس وافقت إسرائيل على 100 طلب ورفضت 15 طلبا على الفور.
ولم يحدد مسؤولو الأمم المتحدة ما إذا كان الطلب يشير إلى عدد معين من الشاحنات أو حجم معين للمساعدات. ويفيد محضر اجتماع لوكالات الإغاثة اطلعت عليه الوكالة بأن رد إسرائيل يستغرق ما يقرب من شهر في المتوسط.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يوافق على ما يقرب من 99 بالمئة من الشاحنات المتجهة إلى غزة التي يقوم بفحصها وإنه بمجرد دخول البضائع داخل القطاع تقع مسؤولية توزيعها على عاتق منظمات الإغاثة الدولية.
وقال شيمون فريدمان، المتحدث باسم وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية التي تتولى عمليات نقل المساعدات، إن عملية التفتيش “ليست عقبة” أمام دخول المساعدات قطاع غزة.
ومن العريش، تقطع الشاحنات رحلة طولها 50 كيلومترا إلى نقطة عبور رفح على الحدود بين مصر وغزة.
أما المحطة التالية فهي المراكز الإسرائيلية لفحص الشاحنات.
وبمجرد وصولها إلى معبر رفح، يطلب من بعض الشاحنات أن تقطع مسافة 40 كيلومترا على طول الحدود المصرية الإسرائيلية إلى منشأة تفتيش على الجانب الإسرائيلي تسمى نيتسانا. وفي تلك المنشأة يفحص جنود إسرائيليون الشحنات يدويا كما يستخدمون أجهزة المسح وكلاب مدربة بحسب موظفي الأمم المتحدة ووكالات إغاثة أخرى.
وترفض بعض الأشياء أثناء التفتيش لا سيما تلك التي تعتقد إسرائيل أنها يمكن أن تستخدمها حماس وجماعات مسلحة أخرى لأغراض عسكرية. وتعاد بعض الشحنات التي تحمل مواد مزدوجة الاستخدام إلى العريش. وقال مسؤولون في الأمم المتحدة وعمال إغاثة إن نفس المنتج الذي يسمح بدخوله ذات يوم يمكن رفضه في يوم آخر.
وتقول وكالات الأمم المتحدة إن ألواح الطاقة الشمسية وأعمدة الخيام المعدنية واسطوانات الأكسجين والمولدات ومعدات تنقية المياه من بين العناصر التي يرفض الجيش السماح بدخولها إلى غزة.
وقال فريدمان، المتحدث باسم وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، إن هناك قائمة منشورة بما يعد عناصر مزدوجة الاستخدام لكن لا يوجد “حظر شامل” على هذه السلع. وأضاف أنه “إذا فهمت السلطات الإسرائيلية بالضبط ضرورتها يمكننا تنسيق دخولها”. وأردف قائلا إن السلطات الإسرائيلية تريد أن تتيقن من أن هذه البضائع لن “تستخدمها حماس في أنشطة إرهابية”.
وتابع فريدمان أن عمليات التفتيش الإسرائيلية ليست سببا لأي تكدس في المساعدات. وقال “لدينا قدرة على تفتيش مساعدات إنسانية أكثر مما تستطيع المنظمات الدولية توزيعه”.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يمكنه مسح ما مجموعه 44 شاحنة في الساعة عند نقطة نيتسانا وعند معبر كرم أبو سالم من إسرائيل إلى غزة حيث يتم تفتيش شاحنات الإغاثة. لكن مسؤولي وكالات الإغاثة يقولون إن العدد الفعلي الذي تم مسحه ضوئيا أقل. ورفض الجيش الإفصاح عن عدد الساعات التي يفتح فيها نيتسانا وكرم أبو سالم يوميا.
وبمجرد اجتياز الشاحنات للتفتيش في نيتسانا تقطع رحلة لمسافة 40 كيلومترا إلى رفح حيث تنتظر العبور إلى غزة.
ونتيجة لضغط دولي متزايد بدأت إسرائيل هذا الشهر استخدام طريق جديد لإيصال المساعدات مباشرة إلى شمال غزة، يُعرف باسم البوابة 96. وبحلول 20 مارس ، قالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق إن 86 شاحنة مساعدات دولية على الأقل دخلت عبر المعبر الجديد.
وقال الكولونيل موشيه تترو، قائد مديرية التنسيق والارتباط-غزة، “هناك كمية كافية من الغذاء تدخل غزة كل يوم”.
وقال مسؤولون بالأمم المتحدة لرويترز إن وكالات الإغاثة الإنسانية قدمت 158 طلبا إلى الجيش الإسرائيلي لتوصيل المساعدات إلى شمال غزة منذ بداية الحرب حتى 14 مارس. وقالوا إن الجيش رفض 57 منها.
وقال فريدمان من وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، إن بعض طلبات نقل المساعدات داخل غزة رُفضت لأن وكالات الإغاثة لم تنسق بشكل ملائم مع إسرائيل.
من يتحمل مسؤولية “التجويع”؟
وقال الناطق باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان جيريمي لورنس خلال إحاطة إعلامية في الأمم المتحدة في جنيف إن “نطاق القيود التي تفرضها إسرائيل على دخول المساعدات إلى غزة فضلا عن الطريقة التي تستمر بها بشن العمليات القتالية، قد ترقى إلى استخدام التجويع كسلاح حرب الأمر الذي يشكل جريمة حرب”.
وأضاف لورنس أن هناك “جرائم حرب ترتكب ويجب أن تتوقف”.
وحمل المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك صراحة إسرائيل المسؤولية عن الوضع الغذائي في قطاع غزة، خصوصا في شمال الأراضي الفلسطينية.
وأشار تورك في بيان قرأه الناطق باسم المفوضية قبل نحو أسبوع إلى “أن حالة الجوع والمجاعة هي نتيجة القيود الإسرائيلية الواسعة على دخول وتوزيع المساعدات الإنسانية والسلع التجارية وعلى تنقل معظم السكان، فضلا عن تدمير البنية التحتية المدنية الاساسية” مضيفا “الوقت ينفد”.
من جهته، قال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة “أونروا” فيليب لازاريني لوسائل إعلام إن الوضع “غير مسبوق”. وأضاف “هذا الأمر يستغرق عادة سنوات… هنا، نحن نتحدث عن مجاعة في أقل من أربعة أشهر، وبالتالي من الواضح أنها أزمة مفتعلة”.
“التجويع كسلاح” في الحروب.. ماذا يقول القانون الدولي؟
تحذر الأمم المتحدة من أن أكثر من نصف مليون شخص في غزة يواجهون خطر المجاعة.
من جانبها ردت الممثلية الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة في جنيف وقالت إن المفوض السامي “يسعى مرة جديدة إلى إلقاء اللوم على إسرائيل في هذا الوضع وإعفاء الأمم المتحدة وحماس بشكل كامل من المسؤولية”.
وشدد المفوض السامي على أن “إسرائيل، باعتبارها السلطة المحتلة، ملزمة ضمان توفير الغذاء والرعاية الطبية للسكان وفقا لحاجاتهم وتسهيل عمل المنظمات الإنسانية لتقديم هذه المساعدة”.
والخميس أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بـ”ضمان توفير مساعدة إنسانية عاجلة” لقطاع غزة من دون تأخير مؤكدة أن “المجاعة وقعت”.
وقال المفوض العام لـ”اونروا” إن على إسرائيل “السماح للأونروا بايصال القوافل الغذائية إلى شمال قطاع غزة… يوميا وفتح نقاط عبور برية أخرى”.
وكررت إسرائيل رفضها لهذه الاتهامات الجمعة مؤكدة أنها غير معنية بتوزيع المواد الغذائية في غزة مع اتهامها وكالات تابعة للأمم المتحدة بعدم القدرة على إدارة كمية المساعدات التي تصل إلى هناك يوميا.