نشرت مجلة “أتلانتك” الأميركية مقالا طويلا للكاتب الإسرائيلي أنشيل فيفر يقول فيه إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو أسوأ رئيس وزراء يمر على إسرائيل في تاريخها.
وأضاف فيفر الذي يكتب بشكل دارج في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن معظم الإسرائيليين يدركون بالفعل أن نتنياهو هو الأسوأ بين 14 رئيس وزراء عرفتهم إسرائيل خلال 76 عاما، ولكن في المستقبل ربما يتذكره اليهود باعتباره الزعيم الذي ألحق أكبر قدر من الضرر بالشعب اليهودي خلال الـ21 قرنا الماضية.
وأوضح فيفر -الذي نشر كتابا عن نتنياهو في عام 2018 بعنوان “بيبي: الحياة المضطربة وفترات حكم بنيامين نتنياهو”- أن سعي نتنياهو إلى السلطة أدى إلى تحويل إسرائيل عن مواجهة أولوياتها الأكثر إلحاحا: التهديد الإيراني، والصراع مع الفلسطينيين، والرغبة في رعاية مجتمع واقتصاد غربيين في الزاوية الأكثر إثارة للجدل في الشرق الأوسط، والتناقضات الداخلية بين الديمقراطية والدين، والصدام بين الإرهاب القبلي وآمال التكنولوجيا المتقدمة.
وأشار إلى أن هوس نتنياهو بمصيره كحام لإسرائيل كان سببا في إلحاق أضرار جسيمة بها.
ليته تقاعد
وقال الكاتب إنه لو قبل نتنياهو الهزيمة في يونيو/حزيران 2021، وأفسح المجال لائتلاف من خصومه، لكان من الممكن أن يتقاعد في سن 71 عاما مع ادعاء لائق بأنه أحد أكثر رؤساء وزراء إسرائيل نجاحا.
لقد تجاوز نتنياهو بالفعل، يقول الكاتب، الوقت الذي قضاه مؤسس إسرائيل، ديفيد بن غوريون، ليصبح في عام 2019 رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول خدمة، وتزامنت فترة ولايته الثانية (من 2009 إلى 2021) مع ما قد يكون أفضل 12 عاما عرفتها إسرائيل من الناحيتين الأمنية والاقتصادية.
وأشار الكاتب إلى أن 12 عاما من قيادة نتنياهو جعلت إسرائيل أكثر أمانا وازدهارا، مع علاقات تجارية ودفاعية عميقة في جميع أنحاء العالم، لكن هذا لم يكن كافيا للفوز بولاية أخرى، فقد سئم منه أغلبية الإسرائيليين، وكان متهما بالرشوة والاحتيال في تعاملاته مع مليارديرات وبارونات الصحافة.
وفي تلك المرحلة، كان بإمكان نتنياهو أن يختم إرثه، إذ كانت صفقة الإقرار بالذنب التي عرضها المدعي العام ستنهي محاكمة الفساد بإدانته بتهم مخففة دون سجن.
وكان سيتعين عليه أن يترك السياسة، ربما إلى الأبد، فقد ترك بالفعل بصمة لا تمحى في إسرائيل على مدار أربعة عقود من الحياة العامة، بما في ذلك 15 عاما كرئيس للوزراء و22 عاما كزعيم لحزب الليكود، لكنه لم يستطع تحمل فكرة التخلي عن السلطة.
وأبرز فيفر هجوم “طوفان الأقصى” الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كأكبر فشل لنتنياهو، قائلا إن كوارث ذلك اليوم وإخفاقاته والصدمات التي سبّبها سوف تطارد إسرائيل لأجيال عديدة، مضيفا أنه حتى لو تركنا جانبا الحرب التي شنها على غزة منذ ذلك اليوم ونهايتها غير المعروفة بعد، فإن يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول يعني أن نتنياهو سوف يُذكر دائما باعتباره أسوأ زعيم لإسرائيل على الإطلاق.
بن غوريون وإشكول وبيغن
وأوضح الكاتب أنه لا يوجد تصنيف مقبول على نطاق واسع للـ13 رجلا وامرأة الذين قادوا إسرائيل، لكن معظم القوائم تضع ديفيد بن غوريون في الأعلى، فهو لم يكن مجرد جورج واشنطن لإسرائيل، بل أنشأت إدارته العديد من المؤسسات والسياسات التي تحدد هوية إسرائيل حتى يومنا هذا.
ومن بين المرشحين الآخرين ليفي أشكول -يقول الكاتب- لـ”قيادته الذكية والحكيمة في الأسابيع المتوترة التي سبقت حرب الأيام الستة، ومناحيم بيغن، لتوصله إلى أول اتفاق سلام في البلاد مع مصر”.
وقال إن لهؤلاء الرجال الثلاثة سجلات مختلطة ومنتقدون بالطبع: كان لبن غوريون ميول استبدادية وكان مستهلكا في الاقتتال الحزبي خلال سنواته الأخيرة في منصبه. وبعد حرب الأيام الستة، فشل إشكول في تقديم خطة متماسكة لما يجب أن تفعله إسرائيل بالأراضي الجديدة التي احتلتها والفلسطينيين الذين ظلوا تحت حكمها منذ ذلك الحين.
وفي فترة ولاية بيغن الثانية، دخلت إسرائيل حربا كارثية في لبنان وكادت حكومته أن تدمر الاقتصاد، ولكن في أذهان أغلب الإسرائيليين، فإن الإرث الإيجابي الذي تركه هؤلاء الـ3 يفوق السلبيات.
“أسوأ من غولدا مائير”
وحتى الآن، كان أغلب الإسرائيليين يعتبرون غولدا مائير المرشحة الأولى للقب أسوأ رئيسة وزراء، إذ كان الفشل الاستخباراتي الذي أدى إلى حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول تحت إدارتها. فقبل الحرب، رفضت المبادرات المصرية تجاه السلام، وعندما كانت الحرب وشيكة بشكل واضح، امتنعت إدارتها عن شن هجمات استباقية كان من الممكن أن تنقذ حياة مئات الجنود.
ومن بين المرشحين “الأسوأ” الآخرين إيهود أولمرت، لشنه حرب لبنان الثانية وتحوله إلى أول رئيس وزراء سابق لإسرائيل يدخل السجن بتهمة الفساد، وإسحق شامير، لرفضه التوصل إلى اتفاق مع العاهل الأردني الملك حسين الذي يعتقد الكثيرون أنه كان يمكن أن يكون خطوة مهمة نحو حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وإيهود باراك، لفشله الذريع في الوفاء بوعوده الباهظة بإحلال السلام مع كل من الفلسطينيين وسوريا.
لكن بنيامين نتنياهو يتفوق الآن على هؤلاء بأضعاف مضاعفة، فقد جلب المتطرفين اليمينيين إلى التيار الرئيسي للحكومة وجعل نفسه والبلاد مدينة لهم، وفساده المستشري، واتخاذه قرارات أمنية فظيعة جلبت خطرا وجوديا على إسرائيل التي تعهد بقيادتها وحمايتها، وفوق كل شيء، فإن أنانيته لا مثيل لها.
جلب اليمين المتطرف إلى إدارة الدولة
وبيّن الكاتب أن نتنياهو يتميز بكونه رئيس الوزراء الإسرائيلي الوحيد الذي عقد تحالف مصلحة مع “أكثر المتطرفين عديمي المسؤولية في إسرائيل وجعلهم جزءا لا يتجزأ من حزبه وإدارة الدولة”.
وأشار إلى أن نتنياهو وضع هؤلاء “المتطرفين” في مناصب السلطة، وقوض الثقة في سيادة القانون، وضحى بالمبادئ من أجل السلطة، مضيفا أنه لا عجب إذن أن تصبح التوترات بشأن الدور الذي يلعبه القضاء الإسرائيلي في الصيف الماضي، خارجة عن السيطرة.
وأدى الجدل حول التعديلات القضائية إلى تأليب رؤيتين لإسرائيل ضد بعضهما البعض. فمن ناحية، كانت هناك إسرائيل الليبرالية والعلمانية التي اعتمدت على المحكمة العليا للدفاع عن قيمها الديمقراطية، ومن ناحية أخرى، هناك إسرائيل المتدينة والمحافظة التي تخشى أن يفرض القضاة غير المنتخبين أفكارا غير متوافقة مع قيمهم اليهودية.
وجاء طوفان الأقصى..
وكان عام نتنياهو الـ16 في منصبه، 2023، هو العام الثالث الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل، ولم يسبقه سوى عامي 1948 و1973، العام الأول لإنشاء إسرائيل وعام حرب أكتوبر/تشرين الأول، على التوالي. فقد شهدت الأشهر الـ9 الأولى من عام 2023 بالفعل ارتفاعا في أعمال العنف المميتة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فضلا عن الهجمات الفلسطينية داخل حدود إسرائيل. ثم جاء طوفان الأقصى.
ومن أجل استعادة منصبه والبقاء فيه، ضحى نتنياهو بسلطته ووزعها على السياسيين “الأكثر تطرفا”. ومنذ إعادة انتخابه في عام 2022، لم يعد نتنياهو مركز السلطة بل أصبح فراغا، وثقبا أسود ابتلع كل الطاقة السياسية في إسرائيل. وقد أعطى ضعفه “لليمين المتطرف” والأصوليين الدينيين سيطرة غير عادية على شؤون إسرائيل، في حين تُركت شرائح أخرى من السكان لملاحقة السعي الذي لا ينتهي لإنهاء حكمه.