هل تكون الإدارة الذاتية بشمال شرقي سوريا بديلا عن نظام دمشق؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

أعلنت الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا في 13 ديسمبر/كانون الأول 2023 عن “العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا”، وهي خطوة متقدمة في إطار سعيها الحثيث لتعزيز سيطرتها على المنطقة.

واشتمل هذا العقد على نقاط جديدة، أبرزها استخدام مصطلح “أبناء وبنات وشعوب شمال شرقي سوريا” بدلا من “الجمهورية العربية السورية”، وعدم ذكر “كردستان” أو “غرب كردستان” ولا “الفدرالية”، وإنما أشار إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية بـ”إقليم شمال وشرق سوريا”.

كما حدد العقد جغرافيا الإدارة الذاتية في 7 مقاطعات هي الجزيرة ودير الزور والرقة والفرات والطبقة ومنبج وعفرين والشهباء، وركز على قضايا المرأة والشباب، وأكد على تحرير ما سماها “الأراضي المحتلة”، في إشارة إلى عفرين وما حولها.

واستعدادا لإجراء الانتخابات التي ستبدأ بانتخابات البلديات نهاية أبريل/نيسان 2024 بدأت الإدارة الذاتية تشكيل “المفوضية العليا للانتخابات”، والتي تتألف من 20 عضوا يمثلون المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

كما أعلنت في يناير/كانون الثاني 2024 البدء بتشكيل محكمة لحماية العقد الاجتماعي تتألف من 8 إلى 10 أعضاء من القضاة وخبراء القانون.

نجاح نسبي قائم على أساسات هشة

تسيطر الإدارة الذاتية ذات الأغلبية الكردية منذ العام 2017 على مناطق واسعة في شمال شرق سوريا، وتصنف أنها “سوريا المفيدة” لغناها بموارد الطاقة والمساحات الزراعية، وتشمل معظم محافظتي الرقة والحسكة وأجزاء من ريف حلب ومحافظة دير الزور.

ومنذ ذلك الحين استطاعت الإدارة توفير مستوى من الأمن والاقتصاد والحكم الذاتي أفضل نسبيا مما هو في مناطق سيطرة النظام.

ووفق تقرير لمجموعة الأزمات الدولية بعنوان “تعزيز التعافي الهش”، تدفع الإدارة الذاتية رواتب أعلى بـ10 مرات من تلك التي يدفعها النظام، كما تمكنت من إعادة المياه والكهرباء إلى قرابة 70% من المناطق التي تسيطر عليها، فضلا عن حالة الأمن النسبي وتفعيل المؤسسات، في ظل ضعفها الشديد بمناطق سيطرة النظام.

وبحسب التقرير، يستند هذا النجاح في الدرجة الأولى إلى الدعم الغربي عموما ودعم الولايات المتحدة خصوصا، إذ يوفر الوجود الأميركي للإدارة الذاتية الموارد والنفقات التشغيلية اللازمة لتشغيل دوائرها ومؤسساتها.

كما تقدم القوات الأميركية وحلفاؤها الإسناد الميداني والتدريب الأمني والعسكري لقوات سوريا الديمقراطية وقوات الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية، فضلا عن الدعم السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية.

في المقابل، يواجه مشروع الإدارة الذاتية أخطارا تتمثل في خلايا تنظيم الدولة الإسلامية ونظام الأسد ومواليه المحليين وتركيا والفصائل الموالية لها.

ووفق تقرير المركز العربي للأبحاث والدراسات بعنوان “تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا خلال العام 2023.. نشاط متنام وعودة محتملة”، فإن التنظيم يستغل نفور المواطنين العرب من حكم الإدارة الذاتية الكردية لشن هجمات تستهدف حواجز وعناصر قوات سوريا الديمقراطية والأمن الداخلي، كما تزايدت في الآونة الأخيرة الاحتكاكات الميدانية بين قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية، تضاف إلى ذلك التهديدات التركية المستمرة باجتياح المنطقة، مثل عمليتي غصن الزيتون عام 2018 ونبع السلام عام 2019.

لكن الوجود العسكري الأميركي في المنطقة يحول حتى الآن دون خروج الأمور عن سيطرة الإدارة الذاتية، حيث تقدم لها الدعم الميداني في مواجهة خلايا تنظيم الدولة، وتمثل عامل ردع أمام النظام السوري والجيش التركي على حد سواء.

عقبات في الطريق ولا ضمانات

رغم كل ما سبق فإن خطوات الإدارة الذاتية باتجاه تعزيز شرعيتها واحتواء التمايز الديمغرافي الكردي العربي تبقى حتى الآن قاصرة، فالعرب يرون أن مؤسسات الإدارة الذاتية تتعامل معهم على أساس الولاء الحزبي لا الجدارة، وأنها تستخدمهم ورقة رابحة قد تبيعها إلى نظام الأسد في إطار أي صفقة مستقبلية تسمح لها بإبقاء المناطق ذات الأغلبية الكردية تحت سيطرتها فيما لو تبدلت الظروف الميدانية والسياسية لصالح النظام.

في المقابل، يحاول النظام استغلال استياء المكون العربي في المنطقة، وذلك عبر طمأنة شيوخ العشائر العربية ومحاولة استمالتهم وتأجيج شعور المظلومية لديهم وتشجيعهم على الخروج على “الحكم الكردي الفئوي”.

وقد ظهر ذلك جليا في المواجهات التي تشهدها قرى وبلدات ريف دير الزور الشرقي تحديدا بين قوات سوريا الديمقراطية ومسلحي العشائر العربية.

وفي ما يتعلق بتركيا فإن الإدارة الذاتية -حسب تقرير مجموعة الأزمات الدولية “تعزيز التعافي الهش”- لم تبذل جهدا فعليا للتوصل إلى تسوية مع أنقرة من شأنها منع أي اجتياح بري للمنطقة، بل واصلت وحدات حماية الشعب الكردية المنضوية تحت قوات سوريا الديمقراطية هجماتها ضد الجيش التركي.

وترى أنقرة أن علاقة قوات سوريا الديمقراطية بحزب العمال الكردستاني تشكل خطرا على الأمن القومي التركي، خاصة مع استمرار هجمات حزب العمال في الداخل التركي.

ورغم الردع الأميركي في مقابل التهديدات التركية فإن هجمات وحدات حماية الشعب المتواصلة قد تجبر أنقرة على توسيع عمليتها العسكرية في المنطقة.

هجمات وحدات حماية الشعب المتواصلة قد تجبر أنقرة على توسيع عمليتها العسكرية في المنطقة (الأناضول)

وبالإضافة إلى ذلك فإن أي تفاهم أميركي تركي قد يُلزم قوات سوريا الديمقراطية بالتراجع بعيدا عن الحدود مع تركيا، وهذا وارد، خاصة بعد التفاهمات الأميركية التركية الأخيرة بشأن عضوية السويد في حلف الناتو وبيع طائرات “إف 16” إلى تركيا.

وقد أشارت صحيفة “حرييت” التركية في 21 مارس/آذار إلى أن هذه التفاهمات قد تتبعها تفاهمات مباحثات بين الجانبين بشأن الملف السوري، حيث تريد أنقرة من واشنطن إيقاف دعمها لوحدات حماية الشعب الكردية، والالتزام باتفاق عام 2019 الذي ينص على إبعاد الوحدات الكردية 30 كيلومترا عن الحدود السورية التركية.

دور وظيفي

ومن المتوقع أن تحافظ الإدارة الذاتية على حضورها ما بقي الدعم الغربي لها مستمرا، فهي وإن أرادت إقامة مشروعها الذاتي وفق برنامجها الخاص إلا أنها في نظر الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أداة وظيفية لتحقيق مصالح محددة.

لذا، تنظر فرنسا إلى قوات سوريا الديمقراطية وقرب مواقعها من مواقع الجيش التركي باعتبارها ورقة رابحة يمكن استعمالها للضغط على أنقرة، وهي السياسة ذاتها التي تتبعها واشنطن في المنطقة حتى اليوم.

كما تعد قوات سوريا الديمقراطية عامل ضبط للمنطقة يمنع عودة تنظيم الدولة إليها، حيث تخشى قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من عودة التنظيم في ظل تصاعد نشاط خلاياه.

ضعف الجبهة الداخلية

أبرز ما يهدد هذا المشروع هو هشاشة جبهته الداخلية، فرغم العقد الاجتماعي المعلن عنه فإن المنطق الانفصالي القائم على الانتصار للقومية الكردية يغلب على أداء الإدارة الذاتية، وفقا لورقة بحثية نشرها مركز إدراك للدراسات والاستشارات بعنوان “قراءة في العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية”.

فنفوذ الكوادر الحزبية الكردية يطغى على آلية صنع القرارات الإدارية، حيث يفقد موظفون متخصصون عرب وظائفهم ومناصبهم لصالح شخصيات كردية غير مؤهلة، لا لشيء إلا لارتباط هؤلاء بوحدات حماية الشعب الكردية أو حزب العمال الكردستاني.

كما بدأت قوات سوريا الديمقراطية في عام 2021 بفرض التجنيد الإجباري على شباب المدن ذات الأغلبية العربية، مثل الرقة ومنبج، وشمل -وفقا لتقرير مجموعة الأزمات الدولية- مدرسين وطواقم طبية.

وفي المدن ذات الأغلبية الكردية استعاضت الإدارة الذاتية عن المناهج الدراسية المعتمدة من قبل نظام دمشق بأخرى كردية، مما يعزز المنطق القومي الانفصالي الذي يقوم عليه مشروع الإدارة الذاتية.

وتعزز سياسات الإدارة الذاتية حالة الاستياء والسخط لدى المكون العربي في المنطقة، مما قد يشكل عامل تفجير للاستقرار النسبي فيها.

وتترك هذه السياسات فراغا يمكن لكل من نظام الأسد وتركيا وخلايا تنظيم الدولة استثماره على حد سواء، مما يضعف موقف الإدارة الذاتية وشرعيتها وعملها الإداري والمؤسساتي.

لذا، فإن احتمال نجاح الإدارة الذاتية بديلا واقعيا عن نظام بشار الأسد يبقى بعيدا حتى الآن، في ظل تعاطي الغرب معها كأداة وظيفية، وانفصام سياساتها الداخلية مع دعايتها الإعلامية، وبقاء احتمالات التصعيد قائمة حتى الآن.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *