قال موقع كاونتر بانش الأميركي إن تجربة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي عبارة عن مشهد كلاسيكي للحسابات السياسية والعسكرية الخاطئة التي تؤدي إلى الفشل الإستراتيجي المتكرر.
وأحدث مثال على ذلك الدعم السياسي الكامل الذي يقدمه الرئيس جو بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي يجعل واشنطن متواطئة في حملة الإبادة الجماعية ضد أهل غزة.
وقال الكاتب ميلفين غودمان إن وجود القوة العسكرية الأميركية بالشرق الأوسط، والذي يهدف لتحقيق ميزة إستراتيجية، أدى بشكل عام إلى نتائج عكسية وحالة من الفوضى في الشرق الأوسط والخليج العربي، وفتح أمام روسيا والصين أبوابا عديدة للتدخل في المنطقة.
وأوضح غودمان أن البداية الحديثة للحسابات الأميركية الخاطئة بالشرق الأوسط حدثت قبل ما يقرب من 70 عاما، عندما عرض وزير الخارجية جون فوستر دالاس (في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور) دعم بناء السد العالي في مصر ثم تراجع فجأة.
السد العالي
وعندما خضع دالاس للضغوط اليمينية لوقف الدعم المالي للسد، قام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بتأميم شركة قناة السويس.
وأدى العرض الأصلي لمصر إلى قلق سياسي في إسرائيل، مما أدى إلى زيادة كبيرة في الدعم العسكري الفرنسي للجيش الإسرائيلي، وفي النهاية إلى مخطط بريطاني فرنسي إسرائيلي سري لغزو سيناء وتأمين قناة السويس.
كما فتح سحب المساعدات الأميركية الباب أمام زيادة النفوذ السوفياتي في القاهرة، وأدى تأميم القناة إلى الغزو الثلاثي لمصر من قبل لندن وباريس وتل أبيب.
وأضاف أنه تم التعامل مع انتقادات الرئيس أيزنهاور للغزو الثلاثي بشكل إيجابي من قبل مصر، ولكن إعلانه بعد عام كان بمثابة انتقاد لعبد الناصر وللعلاقات السوفياتية المصرية القوية.
وبحسب الكاتب، أدى مبدأ أيزنهاور إلى مقاطعة اقتصادية لمصر كانت بمثابة نموذج للعقوبات اللاحقة (غير الناجحة في الغالب) ضد دول العالم الثالث مثل كوبا وليبيا، مما فتح فرصا إضافية للنفوذ الدبلوماسي السوفياتي.
حرب الخليج
وتابع الكاتب بأن الحروب التي خاضها الرئيسان جورج بوش الأب وابنه خلفت عواقب هائلة غير متوقعة، ولا تزال تخلف مشاكل سياسية وعسكرية للولايات المتحدة في مختلف أنحاء المنطقة.
وقال أيضا إن حرب الخليج عام 1991 كان بالإمكان تجنبها، وكان ميخائيل غورباتشوف قد تلقى -قبل انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان آخر رؤسائه- موافقة الرئيس العراقي صدّام حسين على سحب قواته من الكويت، ولكن الأوان كان قد فات لإدارة بوش التي أصرت على استخدام القوة.
وأدت الحرب إلى صعوبات خطيرة للرئيس الأميركي بيل كلينتون بالشرق الأوسط طوال فترة رئاسته التي استمرت لولايتين.
وأضاف الكاتب أنه من المثير للاهتمام أن بوش الأب ومستشاره للأمن القومي الجنرال برنت سكوكروفت بذلا جهودا جادة لإثناء بوش الابن عن قراره المصيري بالإطاحة بصدام عام 2003، والذي كان ينافس الحرب في فيتنام باعتبارها اثنتين من أسوأ الحسابات الخاطئة في أي قرار أميركي بخوض الحرب.
وبحسب غودمان، رأى بوش الأب أن استخدام القوة العسكرية يمكن أن يؤدي إلى تمزيق الدولة العراقية وتعريض توازن القوى على المدى الطويل بالخليج العربي للخطر، وهو ما حدث بالفعل. ولم يكن لدى الولايات المتحدة حجة حقيقية لشن حرب ضد بغداد، لذا فقد اختلقت حجة زائفة حول وجود أسلحة نووية.
غرق في الوحل
وساعد مدير وكالة المخابرات المركزية جورج تينيت الرئيس في تقديم هذه القضية، وذلك من خلال تقديم تقارير استخباراتية زائفة إلى البيت الأبيض.
وتابع غودمان قائلا إن سكوكروفت كان أكد في مقال أن الغزو سيؤدي إلى حرب أهلية بالعراق ستتطلب وجودا عسكريا أميركيا هناك لفترة طويلة، وهو ما حدث، ثم إن الغزو الأميركي فتح الباب أمام إيران بشكل كامل.
وأشار إلى أن الرئيس بايدن قد ارتكب خطأ في التقدير أكثر من أي رئيس أميركي باعتقاده أن الكميات الضخمة من المساعدات العسكرية والاقتصادية لإسرائيل ستؤدي إلى تأثير واشنطن على عملية صنع القرار الإسرائيلي، وكذلك إلى اعتدال إسرائيل في سياساتها بالضفة الغربية وقطاع غزة.
وزاد بأنه لا يوجد سبب يجعل بايدن يتفاجأ بأي معارضة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من شأنها المساس بمصالح الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال، غالبا ما حدد نتنياهو توقيت الإعلان عن المستوطنات الجديدة بالضفة خلال الزيارات الرسمية للولايات المتحدة، بما في ذلك زيارتان لبايدن.
واختتم غودمان بالقول إن بايدن قد يبني حملته لإعادة انتخابه على دعمه لأوكرانيا، لكن هذه المحاولة قد تفشل بسبب التواطؤ مع نتنياهو والجيش الإسرائيلي.