واشنطن – منذ بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عملت إدارة جو بايدن بشكل وثيق مع حكومة بنيامين نتنياهو لدعم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة سياسيا وعسكريا وعلى جميع المستويات.
ومع اقتراب مرور ستة أشهر على بدء العدوان، لم تجب الولايات المتحدة ولا إسرائيل بشكل كاف على الأسئلة الإستراتيجية الرئيسية حول الصراع، بما في ذلك كيفية تعريف النصر على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وكيفية معالجة الأزمة الإنسانية المتزايدة للفلسطينيين في قطاع غزة، وما يعتبره كلا البلدين نتيجة واقعية عندما تنتهي الحرب.
وأرسل امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2728 الداعي للوقف الفوري للقتال، برسائل عدم رضا من بايدن عن المسار الذي تتبعه حكومة نتنياهو خاصة تعهدها باقتحام مدينة رفح بريا، وهي التي تعد بمثابة الملاذ الأخير لأكثر من مليون فلسطيني نزحوا إليها من شمال ووسط قطاع غزة.
وتشير تقارير إلى تهديد واشنطن بتفجير الائتلاف الحاكم في إسرائيل بما يجبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على التنازل عن الحكم، والتخلي عن اقتحام رفح بريا، وإجراء انتخابات مبكرة.
البحث عن بديل
تعد الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل اعترافا من إدارة بايدن وقادة الديمقراطيين، مثل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، بأن عملية صنع القرار عند نتنياهو مدفوعة بحسابات ضمان بقائه السياسي.
واعتبر بعض المراقبين التصويت الأخير في مجلس الأمن الدولي بمثابة تغيير في حسابات واشنطن، وتحذيرا كبيرا لنتنياهو لإعادة تقييم حساباته السياسية بالنظر إلى التغيرات في حسابات واشنطن.
وفي هذا السياق، يقول خبير الشؤون الدولية والمحاضر بجامعة جنوب فلوريدا أرمان محموديان إن “دعوة واشنطن إلى إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل تقوم على أمل أن تكون الحكومة الجديدة أكثر انفتاحا على حل سياسي حول غزة”.
في حين اعتبر البروفيسور أسامة خليل، رئيس برنامج العلاقات الدولية بجامعة سيراكيوز بشمال ولاية نيويورك، في حديث للجزيرة نت أن “لدى الولايات المتحدة مجموعة من الخيارات المتاحة للضغط على إسرائيل، بما في ذلك فرض انتخابات جديدة، إذا اختارت ذلك”.
وأضاف “مع ذلك، لم يثبت الرئيس بايدن بعد أنه مهتم بتبني موقف أكثر عدوانية تجاه نتنياهو وإسرائيل. وقد تجلى ذلك في إضعاف قرار مجلس الأمن الدولي الذي صدر الاثنين الماضي والمحاولات الفورية من قبل البيت الأبيض ووزارة الخارجية الادعاء بأنه غير ملزم”.
واعتبر خليل أن “تركيز الاهتمام على التوترات الشخصية الواضحة بين نتنياهو وبايدن هو إلهاء عن التنسيق الأكبر والأعمق بين الولايات المتحدة وإسرائيل في غزة الذي استمر رغم الإدانة الدولية المتزايدة للحرب. وسيستمر هذا التنسيق سواء انهارت حكومة نتنياهو أم لا”.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار السفير ديفيد ماك، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط والذي سبق له العمل في قنصلية بلاده بالقدس، إلى أن إدارة بايدن “تفضل وجود حكومة جديدة برئاسة شخص أقرب إلى وسط الجمهور الإسرائيلي. ومن المرجح أن تجد مثل هذه الحكومة أهدافا إستراتيجية مشتركة مع حكومة الولايات المتحدة”.
وأضاف السفير ماك أن واشنطن تنظر بجدية إلى “استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن نتنياهو وحزب الليكود سيخسران على الأرجح في أي انتخابات مبكرة”.
وعند سؤاله عما إذا كان لدى واشنطن من الأدوات ما يمكنها من الإطاحة بالحكومة الإسرائيلية، رد السفير ماك بالقول “ربما يحدث ذلك، لكن واشنطن تفضل أن ترى القادة الإسرائيليين يتقدمون ويقومون بهذه المهمة بأنفسهم”.
أدوات بايدن
ويرى خبير الشؤون الدولية أرمان محموديان، في حديثه للجزيرة نت، أن الولايات المتحدة باعتبارها الداعم العسكري الرئيسي لإسرائيل، والتي تقدم ما يقرب من 3.3 مليارات دولار من المساعدات العسكرية سنويا، تتمتع بنفوذ كبير على إسرائيل.
ومع ذلك، فإن الاستفادة من هذا النفوذ يمكن أن تؤدي إلى رد فعل اجتماعي وسياسي كبير داخل الولايات المتحدة، بل حتى داخل الحزب الديمقراطي، بحسب المتحدث.
وباعتبارها الحليف الأكثر إستراتيجية لإسرائيل، يضيف محموديان، تتمتع واشنطن بنفوذ سياسي كبير في إسرائيل، حيث تحافظ على صلات مع مختلف الفصائل السياسية الإسرائيلية. ويرى الأكاديمي أنه “من المهم أن ندرك أن التحالف مع الولايات المتحدة قد وفر لإسرائيل شعورا بالأمن والحماية، وهو ما يتردد العديد من الإسرائيليين في تعريضه للخطر”.
من الناحية النظرية، تمتلك إدارة بايدن الكثير من الأدوات التي يمكن من خلالها دفع إسرائيل لتغيير سياساتها، من أهم هذه الأدوات وقف شحنات السلاح والذخيرة لإسرائيل، ووقف التعاون الاستخباراتي، والتصويت ضد إسرائيل في مجلس الأمن، والعديد من الأدوات الأخرى.
لكن وبسبب تعقيدات وتعمق علاقات الدولتين، لا يتخيل أحد، وفق مراقبين، لجوء واشنطن لهذه الأدوات لتغيّر سياسات واحدة من أهم حلفاء الولايات المتحدة في العالم.
حسابات بايدن الانتخابية
بريان كاتوليس، المسؤول السابق بعدة إدارات أميركية والخبير بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن، كتب في مدونة المعهد يقول إن “التلاسن العلني المتصاعد بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو يخاطب الجمهور الداخلي في كلا البلدين”.
وأدى تأييد الرئيس بايدن الشديد والمبكر لنتنياهو وإسرائيل إلى حدوث صدع بين مؤسسة الحزب الديمقراطي والقاعدة، وخاصة الناخبين الشباب والأقليات، مع ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين إلى أكثر من 32 ألف شخص، واقتراب الحرب من شهرها السابع، كما يقول كاتوليس.
يضيف الخبير أنه مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، تتزايد الرغبات السياسية لدى الجمهوريين لاستغلال قضية غزة لصالحهم. وقال رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون الأسبوع الماضي إنه يخطط لدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي لإلقاء خطاب أمام الكونغرس، وهي خطوة من شأنها أن توسع من الخلافات بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة بايدن.
من جهته، يعتبر خبير الشؤون الدولية محموديان أنه “من الصعب التأكد بشكل كامل من أهداف إدارة بايدن، فمن الواضح أن التوجه السياسي للحكومة الإسرائيلية لا يتماشى مع رؤية بايدن للشرق الأوسط. ومن مصلحة بايدن السياسية أن ينتهي الصراع في غزة قبل اشتداد حملة الانتخابات الرئاسية”.
علاوة على ذلك، قد يكون بايدن قلقا بشأن تأثير الحرب على الشباب وبقية الناخبين لأول مرة، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى الجيل “زد”.